مقالات رأي

تطبيع وتفاوض على طاولة جزار

إيفا كولوريوتي/ القدس العربي

خلال العشرة أعوام الماضية تعوّد جمهور الثورة السورية على خيبات الأمل في ظل عدم وجود رغبة من المنظومة الدولية بشكل عام لإزاحة الأسد عن السلطة، و ما يجري مؤخراً من حراك سياسية لتعويم الأسد سواء عربياً أو غربياً ما هو إلا صورة مغبّشة بدأت تتوضح تفاصيلها، فلم تكن خطوة التطبيع مع الأسد من قبل المملكة الأردنية أولى هذه الخطوات كما لن تكون الأخيرة، إلا أن ما كان ملفتاً هو الرد الأمريكي في وقتها بالترحيب لهذه الخطوة، ثم ما لبث أن عاد البنتاغون ليؤكد رفض واشنطن للتطبيع مع الأسد.
هذا التغير في المزاج الأمريكي مرتبط بملفات أوسع مع الملف السوري كما هو حال خطوة الأردن وزيارة عبد الله بن زايد لدمشق ، ولقراءة ما بين سطور هذه التحركات يجب اعتبار إيران كحجر أساس يجمع هذه الإدارات وبداية القصة من معبر نصيب.
خطوات التطبيع مع نظام الأسد
كانت خطوات التطبيع بين الأردن ونظام الأسد صريحة وواضحة ومنذ فترة ليست بالقصيرة ، فبالرغم من كون الأراضي الأردنية قاعدة تنسيق وعمل ما يسمى بغرفة “الموك” والتي كانت تدير تحركات وإمداد فصائل المعارضة السورية المسلحة في الجنوب السوري ، كما أن الأردن لعب دورا مهما في استقبال الضباط السوريين المنشقين عن نظام الأسد وتسهيل دخولهم أراضيها وحمايتهم هم و أسرهم ، إلا أن واقع العلاقات بين الأردن و نظام الأسد لم يكن عند هذا الجزء فقط، لكن كان هناك ما لم يعلن وما لا يريد البعض الحديث عنه، بين تواصل استخباراتي وتنسيق أمني في العديد من المراحل حتى أن الوفود الأردنية لم توقف زياراتها السرية والعلنية لدمشق خلال العشرة أعوام الماضية، تحت عنوان تبنته القيادة الأردنية وهو التخوف من تنظيم الإخوان المسلمين ذي الوجود القوي في الداخل الأردني من جهة، والتخوف من الجماعات السلفية التي توسع نفوذها في سوريا والتي لها شعبية ضمن الجغرافية الأردنية.
وبالرغم من هذا التواصل والتنسيق فإن ما يقف خلف خطوة التطبيع الأخيرة بين عمّان ونظام الأسد أتت بقرار سياسي أكثر أهمية من الأسد نفسه ومن تخوفات الأردن الداخلية و أبعد جغرافياً من معبر نصيب.
حاول الجانب الأردني خلال الأشهر الأخيرة نشر فكرة الحاجة الاقتصادية لنظام الأسد لدعم الوضع المالي المتعب في الأردن، بالتوازي لضرورة وأهمية مشاريع التعاون والاستثمار بين عمّان و بغداد والحديث عن مشروع نقل غاز ونفط العراقي لمصر عبر الجغرافية الأردنية ، ضمن هذه المظلّة كانت لقاءات لمسؤولين أردنيين مع قيادات ميليشيات عراقية أهمهم كان لقاء جمع رئيس البرلمان الأردني مع قيس الخزعلي زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق المصنفة إرهابياً و المطلوب دولياً.
ميليشيا الخزعلي وميليشيات أخرى مدعومة إيرانياً تقف خلف هجوم استهدف المملكة الأردنية خلال العام الحالي باستخدام طائرات مسيرة مفخخة، لاتزال تفاصيل هذا الهجوم وحجمه وأضراره مجهولة في ظل تعتيم من الجانب الأردني ومن الجهات التي تقف خلف هذا الهجوم ، إلا أن المؤكد أن رسالة هذا الهجوم قد وصلت للإدارة الأردنية التي بدأت تعيد حساباتها للمنطقة بشكل عام والبداية كانت بالتقارب مع الميليشيات المدعومة إيرانياً في العراق من جهة والخطوة الثانية كانت بالتقارب مع الأسد لكن المقصود من كلتا الخطوتين هي طهران و لا أحد غيرها.
مع صعود بايدن لإدارة البيت الأبيض وعودة فريق أوباما لقيادة الرؤية الأمريكية في الشرق الأوسط، صاحب هذه العودة تخوف في المنطقة بالأخص من الجانب المعادي لإيران ومشروعها التوسعي، ومع تحرك أمريكي ضمن تل أبيب أدى لتشكّل حكومة موسعة أخرجت نتنياهو من رئاسة الوزراء الإسرائيلية.
انعطاف أمريكي جديد
أصبحت هناك قناعة في عدة عواصم عربية أننا أمام انعطاف أمريكي جديد والمستفيد الأكبر منه هي إيران وأذرعها في المنطقة، وبناءً على هذه القناعة بدأت هذه العواصم (عمّان وأبو ظبي و غيرهما) تعيد تقييم علاقاتها مع إيران والبحث عن سبل تقارب وأرضية مشتركة فكانت خطوات التطبيع بين الأردن ونظام الأسد من جهة وكانت زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد لله بن زايد لدمشق .
تحت عنوان إعادة سوريا للحضن العربي هكذا قدّمت الخارجية الإماراتية زيارة عبد الله بن زايد لدمشق ولقائه بالأسد، هذه الزيارة التي أتت ضمن عدة خطوات سبقتها من تقارب بين أبو ظبي والأسد ، والأصح القول هنا العودة العلنية للعلاقات الدبلوماسية بين الطرفين ، فأبو ظبي كما عمّان لم تقطع تواصلها مع الأسد كما أن دبي كانت و لاتزال الحضن الدافئ لجنرالاته والغسالة الأهم لأموال النظام السوري القذرة، وبينما كان قرار عمّان مرتبطا بإيران كانت خطوة أبو ظبي ذات بُعد أوسع إيران أحد أطرافها لكنها تشمل أيضاً روسيا و إسرائيل .
عبر خطة ضرب عدة عصافير بأسد واحد اختارت أبو ظبي أن ترفع مستوى علاقاتها مع موسكو من خلال إرضائها بالملف السوري، فالإدارة الروسية وعبر وزير خارجيتها عملت خلال الفترة الأخيرة على محاولة إعادة الأسد للجامعة العربية ، هذه الخطوة التي اصطدمت برفض سعودي وقطري صارم، تحاول أبو ظبي أن تلعب دوراً في محاولة تليين موقف السعودية و بالتالي تقدم خدمة لموسكو التي تحتاجها في الملف الليبي والسوداني ومستقبلاً اليمني ، وعلى جبهة أخرى ترى أبو ظبي أنها قادرة على لعب دور وسيط مهم بين إسرائيل من جهة وإيران والأسد من جهة أخرى، بحيث ترفع من قيمة نفسها كمؤثر وفاعل مهم في المنطقة.
أما على الجبهة الإيرانية فأبو ظبي تعلم أهمية الملف السوري لمشروع طهران في الشرق الأوسط وعليه فإن دعم الأسد قد يشكل أرضية مثالية في سبيل إيجاد صيغة حل نهائية للملف اليمني، حل يرضي أبو ظبي و طهران وقد لا يرضي السعودية ويمكن ربط زيارة عبد الله بن زايد بأحداث الملف اليمني مؤخراً من انسحابات للقوات المدعومة إماراتياً أمام الحوثيين في محيط الحديدة .
في واشنطن يبدو أن الملف النووي الإيراني هو الأهم في المنطقة و في سبيل حلحلة هذا الملف والتعنت الإيراني مع صعود المحافظين لسدة الرئاسة الإيرانية و تقلّدهم مناصب مهمة في الخارجية ولجنة التفاوض كان من الضروري تقديم بعض من التنازلات ، تنازلات بدأت بتحذيرات للحليف الإسرائيلي من التصعيد في حرب السفن ثم لجمها من أي تصعيد في الملف اللبناني، وفي السياق نفسه كان الضوء الأخضر الأمريكي للأردن لفتح باب الرحلات الجوية بينهم وبين الأسد، و في ظل استمرار التعنت الإيراني لا تريد واشنطن التخلي كلياً عن ورقة الأسد دون مقابل، فطاولة التفاوض في فيينا ستكون أقرب لبازار سياسي فكانت تصريحات البنتاغون بالعودة لرفض التطبيع مع الأسد.
بين شد وجذب تلعب واشنطن أوراقها مع إيران بينما يبقى على الكومبارس فقط تنفيذ الأوامر مع بحث عن فتات تتسقط هنا أو هناك، للأردن حدود عراقية هادئة وسماء خالية من المسيرات الإيرانية مع حصة في سوق الكابتغون، ولأبو ظبي حصةّ كبيرة من الكعكة اليمنية، وللأسد زنزانتان وملف باللغة الفارسية عنوانه :”كيف تغير سوريا ديموغرافياً ” وبيت مهدم مع الكثير من الدماء.
٭ محللة سياسية يونانية متخصصة في شؤون الشرق الأوسط

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى