
شكلت خطوة حزب العمال الكردستاني في إمحاء عدد من مقاتليه أسلحتهم قبل عدة أيام، مناسبة للقاءات كردية عديدة في باشور كردستان، جمعت أطرافاً سياسية كردية فاعلة لها دور في عملية السلام التي أطلقها القائد الكردي “عبد الله أوجلان” في فبراير/ شباط الماضي.
إن حضور عدد كبير من السياسيين الكرد مراسم إمحاء الأسلحة، إلى جانب عوائل الشهداء والمقاتلين وحشد كبير من المواطنين من باكور وباشور كردستان، حوَّل المشهد إلى كرنفال وطني، لتجمع تحت خيمته أمام كهف “جاسنه” معظم ما كانوا حتى الأمس القريب مختلفين معه في التوجه والرؤية.
استقبال رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني “مسعود البارزاني لوفد رفيع المستوى من حزب المساواة وديمقراطية الشعوب (DEM PARTÎ)، كما ضم عدداً آخر من الشخصيات السياسية، حيث ضم الوفد كلاً من: “أحمد تورك، ليلى زانا، سري ساكيك، تونجر باكرهان (الرئيس المشترك لحزب المساواة وديمقراطية الشعوب)، جيدم كليجغون أوجار، (الرئيسة المشتركة لحزب الأقاليم الديمقراطية)، مارال دانشبشتاش (النائبة عن حزب المساواة وديمقراطية الشعوب)، وبردان أوزتورك (مسؤول العلاقات الخارجية في حزب المساواة وديمقراطية الشعوب).
أكد البارزاني خلال اللقاء دعمه الكامل لعملية السلام، وحل القضية الكردية في باكور كردستان، كما نقل الوفد رسالة وطلباً من “عبد الله أوجلان”، دعا فيها البارزاني إلى زيارته.
كما شدد البارزاني على أن الخطوات التي تم اتخاذها ضمن عملية السلام هي خطوات مهمة وفي الاتجاه الصحيح، مؤكداً أن عملية السلام تحتاج إلى الصبر والتدقيق من أجل الوصول إلى النتائج المرجوة، وأن عشر سنوات من الحوار أفضل من ساعة حرب، مبيناً أن المشاكل لا تُحل بالقتال والعنف، بل يجب الاعتماد على النضال السياسي والحوار، وقبول الآخر، والدبلوماسية.
وأشار الرئيس بارزاني أيضاً إلى أنه لن يدّخر جهداً من أجل إنجاح عملية السلام. وبخصوص طلب زيارة القائد “أوجلان”، أعلن أنه سيتم إجراء الزيارة في الظروف المواتية، كما دعا جميع الأطراف السياسية الكردستانية إلى دعم عملية السلام في تركيا.
كما أن الحفاوة التي استقبل بها رئيس الإقليم “نيجيرفان البارزاني” للوفد، إنما تدل على دور وفاعلية الوفد في الأوساط الكردستانية، ولما يشكله من ثقل سياسي في الأجزاء الأربعة من كردستان، فهو الآن يشكل صلة الوصل المباشرة بين الدولة التركية والقائد “أوجلان” وكذلك مع قيادة الحركة في الخارج، وتمكن من كسر حالة الجمود المسيطرة على القضية الكردية من قبل دولة الاحتلال التركي، ليدخل اللعبة السياسية من أوسع أبوابها، ويتمكن من التأثير في الشارع السياسي والشعبي التركي أيضاً، وينقل القضية الكردية بالتعاون مع القائد “أوجلان” من المستوى المحلي، إلى قضية تشغل كل الأوساط الإقليمية والدولية.
إلا أن زيارة الوفد لمدينة السليمانية واستقباله الحار من قبل رئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني “بافل طالباني”، ربما تشكل سابقة في تاريخ العلاقات البينية الكردية، وتفتح صفحة جديدة من التعاون الأخوي المستند إلى التفاهمات ووحدة الآراء والمواقف. لسنا أمام موقف عابر ولحظة عاطفية، بل نحن أمام حقائق التاريخ والجغرافيا والكفاح الطويل الذي خاضه حزب العمال الكردستاني، والميراث الذي خلقه آلاف الشهداء بتضحياتهم العظيمة، فهي كانت الحقيقة التي حملها الوفد معه إلى باشور كردستان، وأعادت تعريف أبجديات المسلمات الكردية، لتتحول إلى واقع نعيش تفاصيله اليوم بكل مرتسماته وانعكاساته. لعلها تمثل لحظة فارقة بين اليوم والأمس، وترسم مساراً جديداً طالما انتظره الكرد طويلاً. فيمكن البناء على هذه اللقاءات مستقبلاً في تدشين عصر “الكرد الذهبي”، والانتقال إلى مرحلة البناء والتطوير.
ورحب الرئيس بافل جلال طالباني بحرارة بالسيدة ليلى زانا، وقال: “كما كانت عند الرئيس مام جلال امرأة بطولية كردية، وكان دائماً يتحدث عن شجاعتك، سيبقى نضالك وشجاعتك خالداً في أذهاننا”.
وفيما يتعلق بعملية السلام، قال الرئيس “بافل”: “نحن سعداء لأن جهودنا وصلت إلى هذه المرحلة، ونؤكد أن الحل الوحيد لتحقيق الاستقرار في المنطقة هو حل القضية الكردية عبر الحوار”.
من جانبها، شكرت السيدة ليلى زانا الاتحاد الوطني الكردستاني على جهوده ومساعيه من أجل تحقيق السلام في باكور كردستان وتركيا، وقالت: “لن ننسى أبداً أن الرئيس مام جلال كان أول زعيم بدأ بمعالجة هذه القضية التاريخية، وأنا سعيدة اليوم أن بافل جلال طالباني يواصل السير على نفس النهج، ونفتخر بالدور الفعال الذي يؤديه في هذه المرحلة الحساسة التي تمر بها المنطقة”.
وعقب اعتراف الرئيس التركي بارتكاب جيشه مجازر في كردستان، رغم محاولته البائسة إلقاء مسؤوليتها على الحكومات التي سبقت حكومته، إلا أنه في ذات الوقت يعد اعترافاً رسمياً يدينه قبل غيره، ويمكن البناء عليه في رفع دعاوى حقوقية وقانونية ضده وضد دولته أيضاً في المحافل القانونية الدولية مثل محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، وغيرها.
إلا أن المكالمة التي أجراها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع السياسي الكردي ورئيس بلدية ماردين المُقال من قبله “أحمد ترك”، ربما تعد سابقة في تاريخ أردوغان السياسي وتعامله مع القضية الكردية والسياسيين الكرد، ليحاول من خلالها إرضاء الأوساط السياسية الكردية، واستقطاب الشخصيات الفاعلة، لزيادة شعبيته في الشارع الكردي والتركي، تلك الشعبية التي وصلت إلى أدنى مستوياتها حسب استطلاعات الرأي التركية.
الثابت أن القضية الكردية دخلت مرحلة جديدة، والقائد “أوجلان” تمكن من نقلها إلى مسار مغاير، وانتشالها من العواصف الهوجاء التي تهب على المنطقة، والرؤية الإستراتيجية للقائد “أوجلان” لا تقتصر على حل القضية في باكور كردستان وحدها، بل تمتد إلى الأجزاء الأخرى، وقد اقتبس أردوغان العديد من فقرات خطابه من أقوال القائد “أوجلان” بعد أن أجرى عليها تحويراً وتغييراً فاقعاً لم يكن خافياً على أحد، أهم تلك الاقتباسات أن تركيا تتطلع إلى وضع ملف حل القضية الكردية في جميع أجزاء كردستان بيدها، وهو لا يخرج عن إطار ورؤية تطلعاته الاحتلالية، ولكن الحركة التي قادت النضال الكردي وأوصلته إلى هذه المرحلة، قادرة على تتويجها بالنصر النهائي أيضاً.