تقارير

اجتماع دولي حول سوريا في باريس.. والإدارة الذاتية محوره الرئيسي

عقد خلال الأيام الماضية اجتماع دولي سري وهام في باريس، شاركت فيه وفود من عدة دول، أهمها فرنسا، بريطانيا، الولايات المتحدة، روسيا وتركيا.
وحسبما تسرب عن الاجتماع، فإن الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا استحوذت على نقاشات هامة ومستفيضة من قبل الوفود المشاركة، حيث أجمعت الأطراف المشاركة، باستثناء الوفد التركي، أن الإدارة الذاتية باتت تشكل حجر الأساس في أي ترتيبات سياسية وعسكرية واقتصادية في سوريا، وهو ما أثار حفيظة وغضب الوفد التركي، والذي قوبل برفض فرنسي وبريطاني، حيث شددت كل من فرنسا وبريطانيا على ضرورة تقديم الدعم العسكري والسياسي للإدارة الذاتية، وتمكينها في المشاركة في رسم مستقبل سوريا، وهو ما يتعارض مع توجهات أنقرة وتطلعاتها في سوريا.
ووفقاً لمصادر دبلوماسية مقربة من الاجتماع، بأن كلتا الدولتين، فرنسا وبريطانيا، أكدتا بأن “الكُرد في سوريا لا يسعون إلى الانفصال، بل يُريدون فقط نموذجاً للإدارة الذاتية ضمن وحدة سوريا”. وهو ما فسره بعض المراقبين بأنه “قبول دولي غير مباشر لشرعية الإدارة الذاتية، ويعكس نهجاً يعتبره شريكاً لا غنى عنه لاستقرار سوريا ومكافحة الإرهاب”.
وحسب تلك المصادر؛ فإن الوفد التركي المشارك في الاجتماعات حاول حصر النقاشات في انسحاب قوات سوريا الديمقراطية من “المناطق العربية” ونزع سلاحها، وهو ما قوبل برفض شديد من قبل باريس، ليعود الوفد التركي ويتهم أوروبا بأنها تنتهج “خطاً ثابتاً يستعبد تركيا من أي ترتيبات في سوريا”.
فيما الوفد الروسي عارض “أي تحرك عسكري تركي في سوريا يتعارض مع المصالح الروسية”، حيث تسعى روسيا في الآونة الأخيرة إلى العودة مجدداً إلى الساحة السورية عبر بوابة الساحل، وإجراء صفقات سياسية وعسكرية مع حكومة دمشق، وهو ما تعارضه أنقرة، التي تعمل على زعزعة أمن واستقرار محيط القاعدتين الروسيتين في “حميميم” وطرطوس في الساحل السوري. فيما تقاطعت المصالح بين روسيا وإسرائيل مرة ثانية على الجغرافيا السورية، من خلال نية روسيا بناء قواعد عسكرية دائمة لها في جنوب سوريا للحد من النفوذ التركي، وهو ما شكل نوعاً من الارتياح لدى إسرائيل، التي قصفت مرات عديدة القوات التركية وقواعد رادار لها جنوب سوريا، وآخرها في بيت الجن، جنوب دمشق العاصمة.
وتشير كل المؤشرات إلى أن تركيا ليست في وضع جيد، وأنها تواجه ضغوطاً شديدة في الملف المتعلق بالإدارة الذاتية والكُرد. فإلى جانب الفتور في العلاقات بين دمشق وأنقرة في الفترة الأخيرة، حسب بعض المصادر المقربة من الحكومة السورية، بعد أن استمالت دمشق أكثر إلى محيطها العربي إثر زيارة رئيسها المؤقت “الشرع” إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والتي رتّبت لها كل من السعودية وقطر، شعرت أنقرة بالامتعاض من تلك الزيارة ونتائجها، وما زاد من غضبها أكثر استمرار الدول الأوروبية في دعمها للإدارة الذاتية، من خلال تأكيدها على ضرورة اندماج قوات سوريا الديمقراطية إلى الجيش السوري ككتلة واحدة، والمشاركة في مكافحة الإرهاب على كامل الجغرافيا السورية وليس مناطق شمال وشرق سوريا فقط، وهو شرط ينسف الوجود التركي ويضعف مصداقيته في سوريا.
ورغم “الهوبرة” والضجيج الفارغ الذي تثيره أبواق مقرّبة من حكومة دمشق وتابعة لتركيا عن تحشدات عسكرية للأخيرة في عفرين ومنبج ومناطق أخرى، مقابل تحشدات لقوات حكومة دمشق في دير الزور، كجزء من تحضيرات مسبقة مع قرب انتهاء مهلة تنفيذ اتفاقية 10 مارس/ آذار بحلول نهاية العام، لشن هجوم على مناطق الإدارة الذاتية، إلا أنها لم تكن سوى فقاعات صوتية لا أثر لها. فهذه الأصوات الشاذة تتجاهل التحذير الأمريكي بأن الوضع العسكري الراهن وأي هجوم على مناطق شمال وشرق سوريا خط أحمر، وهو ما أكد عليه الوفد الأمريكي في اجتماع باريس، لتعود وزارة الدفاع التركية بعد ذلك لتنفي وجود أي تحشدات لها في سوريا أو أنها لديها نية في شن هجوم على مناطق الإدارة الذاتية.
غير أن إسرائيل الغائبة الحاضرة في كل تفاصيل الترتيبات الجارية في المنطقة، تعمل على فرض وقائع على الأرض عبر القوة، من خلال فرض سيطرتها على جنوب سوريا، ودون أن تحرك دمشق ساكناً. وقد حاول وزير الخارجية التركي حقان فيدان في تصريح له على هامش منتدى الدوحة الذي عقد قبل أيام، أن يتهم الإدارة الذاتية بالتواصل والتنسيق مع إسرائيل، عبر القول “هناك تنسيق بين قوات سوريا الديمقراطية وإسرائيل لزعزعة أمن واستقرار سوريا”، في مسعى للتغطية على تدخلات بلاده السافرة حتى في أدق التفاصيل في سوريا.
غير أن التصريح الذي أدلى به المبعوث الأمريكي لسوريا “توماس باراك” حول تركيا قبل أيام، أقام الدنيا ولم يقعدها في تركيا، من خلال القول “إن الولايات المتحدة تضع شرط تخلي تركيا عن منظومة صواريخ “إس – 400” الروسية مقابل مشاركتها في برنامج طائرات “إف – 35” الأمريكية”، لتنهال وسائل الإعلام التركية عليه وتعمل ضد “باراك” وتصفه بـ”المعتوه”، رغم أنه – أي باراك – من أشد من المؤيدين لتركيا وأردوغان.
من جانب آخر أفادت تقارير أمريكية أن رفع واشنطن عقوبات قانون “قيصر” عن سوريا جاء ليعزز مكانة الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية في سوريا. فذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن الشروط الخمسة التي وضعتها واشنطن لرفع العقوبات، والتي تتضمن بدء الشركات الأمريكية الاستثمار في سوريا، ستعود بالنفع على الإدارة الذاتية ومناطق شمال وشرق سوريا بالدرجة الأولى، لأن المناطق الواقعة تحت سلطة “الشرع” لا يتوفر فيها الأمن والاستقرار، فيما مناطق الإدارة الذاتية مستقرة وتشكل منطقة جذب للاستثمارات الأجنبية.
وبالفعل حصلت أول شركة أمريكية على الموافقة الرسمية للبدء بالاستثمار في مناطق الإدارة الذاتية “المتضمن إنشاء “القرية الأمريكية”، والتي هي عبارة عن مجمع سكني وخدمي متكامل وحديث في مدينة القامشلو. ليكون أول مشروع استثماري معتمد من قبل إدارتها العامة للاستثمار. وهو بطبيعة الحال يعد خطة استباقية في مجال توجه المستثمرين نحو البيئات الآمنة والمستقرة لإقامة مشاريعهم، والتي تعود بالنفع على المنطقة ككل.
يرى مراقبون أن الإدارة الذاتية تسير وفق إستراتيجية ثابتة مبنيّة على ثوابت أساسية نحو المشاركة في بناء سوريا حديثة متطورة وديمقراطية. فإلى جانب مشروعها السياسي المتمثل باللامركزية، فإن لديها مشاريع طموحة في المجال الاقتصادي والتنمية، وهو ما يلقى قبولاً دولياً متزايداً واعتبارها الركيزة الأساسية في مستقبل سوريا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى