سوريا بين الرئيس الهارب والديكتاتور المحتمل

محسن عوض الله
لم يكن ذلك اليوم عادياً. استيقظت فجراً والقلق والدهشة يختلطان بداخلي حين قرأت الخبر: هرب بشار الأسد.
هرب الرئيس السفاح، ابن السفاح، العائلة التي قتلت مئات الآلاف وشردت الملايين، ودمرت المدن والقرى والتاريخ نفسه.
شعرت في تلك اللحظة وكأن الهواء تغير، وكأن سوريا تتنفس لأول مرة منذ عقود طويلة، وكأن الشمس أعادت إشراقتها فوق أرض أنهكها القهر والفوضى.
لم تكن فرحة السوريين وحدهم. في القاهرة، وفي عواصم عربية وأوروبية أخرى، جلس الناس أمام شاشات التلفاز وأجهزة الهاتف يتحدثون عن نهاية زمن طويل من الرعب، ويتساءلون بصوت واحد: ماذا بعد؟ كنت أنا أيضاً واحداً منهم، مؤمناً بأن هذه اللحظة بداية لعهد جديد، وأن الدماء التي أريقت لن تذهب بلا معنى.
لكن الحقيقة لم تكن بسيطة. لم تنتهِ المعاناة، ولم تتحقق الأمان والاستقرار. الاستبداد لم يرحل، بل تغير شكله، وتحول إلى سلطة جديدة تحمل اسم الانتقالية، لكنها ما زالت تضعف الحياة اليومية للسوريين.
منذ البداية، حاول أحمد الشرع أن يظهر كرئيس جديد، بعيداً عن إرث الأسد، بعيداً عن خطاب السلطة المطلقة. صور له في الشوارع، وزيارات مفاجئة للمدن، واجتماعات مع قادة محليين ودوليين، وتصريحات عن إعادة إعمار سوريا وبناء مؤسسات حديثة. بدأ الأمر وكأنه بداية صفحة جديدة، صفحة تعد السوريين بعهد أكثر إنسانية وأكثر عدلاً.
لكن الشوارع قالت غير ذلك. الكهرباء تنقطع لساعات طويلة، والمياه شبه معدومة في أحياء كاملة. الطرقات مدمرة، والمدارس والمستشفيات متهالكة. السوريون يكتشفون كل يوم أن أبسط حقوقهم أصبحت حلمًا بعيد المنال. الأسعار ترتفع بلا توقف، والعملة تنهار، والسوق أصبح لعبة أصحاب النفوذ والقوة، بينما المواطن يعيش مواجهة يومية مع فوضى حقيقية لا تنتهي.
الأطفال بلا مدارس، العائلات بلا مأوى، واللاجئون داخلياً وخارجياً ما يزالون يحلمون بالعودة إلى منازلهم المدمرة، لكن الواقع يجعل هذا الحلم بعيداً، وربما مستحيلاً.
السياسة لم تقدم الكثير. السلطة مركزة في دائرة ضيقة حول الرئيس، والمؤسسات الرسمية شبه غائبة عن المشهد. هذا النمط يذكّر السوريين بالنظام السابق، لكن اليوم بقيادة رجل بدأ حياته في ميادين الفصائل المسلحة، وتحوّل إلى رئيس يتحكم في الجيش والأمن والاقتصاد والإعلام، محاطاً برجال مقربين يسيطرون على مفاصل الدولة.
الخط الفاصل بين رئيس انتقالي وبين ديكتاتور محتمل أصبح واضحاً. وعود المشاركة الشعبية، وتشكيل مجلس وطني، وصياغة دستور جديد، والانفتاح على القوى المدنية، بقيت حبراً على ورق. ومع مرور عام كامل، بدأت حالات من الاعتقالات والضغوط على الأصوات المعارضة، ليعود مناخ الخوف الذي كان سائداً في عهد الأسد.
اليوم، تبدو سوريا دولة نصف مكتملة. سلطة تبحث عن شرعية سياسية، وجمهور يبحث عن حياة كريمة، ومؤسسات ما زالت معلقة بين الماضي والمستقبل.
الشرع يمشي على خط دقيق بين كونه رئيساً انتقالياً يطمح لبناء دولة، وبين احتمال أن يتحول إلى ديكتاتور مركزي.
إرثه الجهادي والخلفية المسلحة تمنحه هامشاً واسعاً للحركة، بينما البيئة المحيطة لم تخضع لأي رقابة حقيقية.
السوريون الذين خرجوا ضد الاستبداد لم يعودوا يملكون رفاهية الانتظار الطويل. العام الأول بعد هروب الأسد أظهر أن الطريق نحو دولة حقيقية ما زال شاقاً، وأن سوريا اليوم تقف بين أملٍ جديد وديكتاتور محتمل يترسخ تدريجياً في كل زاوية من مفاصل السلطة.




