قسد تُحَمِّل حكومة دمشق مسؤولية مجزرة “أم تينة” بريف دير حافر

ارتكبت مجموعات تابعة لحكومة دمشق مساء أمس مجزرة مروعة بريف دير حافر، راح ضحيتها سبعة شهداء من المدنيين بينهم نساء وأطفال، فيما جرح آخرون، بعد أن تم استهداف منازلهم عبر الطائرات المسيرة والقصف المدفعي، في تصعيد خطير قد ينذر باندلاع المعارك والاشتباكات مرة أخرى، رغم أن وقف إطلاق النار ما يزال سارياً بين قوات سوريا الديمقراطية وتلك المجموعات، وبضمانات دولية وعلى رأس الضامنين كانت الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا.
لا شك أن الاستهدافات من قبل تلك المجاميع لمواقع قوات سوريا الديمقراطية والمناطق الآهلة بالسكان، ليست عبثية، بل هي منظمة، وتأتي في إطار توجيهات وأوامر دقيقة من الاحتلال التركي، وبرضا علني لحكومة دمشق أيضاً، وهذا ما هدد به الرئيس السوري المؤقت “أحمد الشرع” خلال لقاء له مع صحيفة “مللييت” التركية قبل يومين، حيث أوضح بأن تركيا ستقدم على عمل عسكري ضد قوات سوريا الديمقراطية ومناطق شمال وشرق سوريا في حال لم تقبل (قسد) الاندماج مع ما سماه “الجيش السوري”، والاستهدافات شبه اليومية لمواقع (قسد) ما هي إلا ترجمة لتلك الإملاءات والتصريحات، والمجزرة التي اُرتكبت أمس إحدى حلقاتها.
التصريح الهزيل والمخزي لما تسمى “دائرة الإعلام والاتصال في وزارة الدفاع السورية” صباح أمس، نفت فيه استهدافها لقرية “أم تينا” في ريف بلدة دير حافر، بل ذهبت لتتهم (قسد) بقصف القرية، عبر الزعم والقول “نشدد على أن الجهة التي قصفت القرية هي قوات قسد نفسها”. وهذا التصريح يثير الضحك والاشمئزاز بذات الوقت، فكيف لـ(قسد) أن تقصف منطقة هي تتواجد فيها، ثم إن الشهود من أهالي القرية والمنطقة يدحضون كل افتراءات “الدفاع السورية”، هذا من جانب، ومن جانب آخر، إن التصريح يعبّر بشكل مباشر عن رضى دمشق من عمليات الاستهداف، ومن غير المستبعد أن يكون بتخطيط منها أيضاً، حيث لم تتنصل أو تنفي أن تلك الجهات التي تستهدف منازل المدنيين غير تابعة لها، بل أكدت عليها من خلال صمتها المخزي على عدم إدانة مرتكبي المجزرة.
وجاء رد المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية صاعقاً؛ ليفنّد مزاعم “دائرة الإعلام والاتصال في وزارة الدفاع”، حيث قال بيان صادر عنه تحت عنوان “وزارة الدفاع تقتل المدنيين في أم تينة… ثم تقتل الحقيقة”، حيث قال البيان “إن ما صدر عن “إدارة الإعلام والاتصال في وزارة الدفاع” حول الجريمة التي ارتكبتها فصائل مسلحة تابعة لحكومة دمشق بحق المدنيين في قرية أم تينة بريف دير حافر، لا يعدو كونه محاولة مكشوفة للهروب من مسؤولية الجريمة، ولا تصمد أمام أي منطق عسكري أو سياسي، ولن يغير من الوقائع الميدانية المثبتة”.
وتابع البيان “إن هذه الرواية الهزيلة تعكس تخبّط وزارة الدفاع في محاولة التغطية على جرائم واعتداءات فصائلها المتكررة، وهي ليست مراوغة إعلامية فقط، إنما استخفاف فجّ بحياة المدنيين السوريين وحقوق الضحايا بمحاسبة المجرمين من تلك الفصائل. هذا النمط من إنكار الجرائم يعكس سياسة ممنهجة تتبعها “وزارة الدفاع” وتعتبر حياة السوريين بلا قيمة لطالما كان الهدف هو التغطية على الحقيقة”.
وكشف البيان أن “سبعة مدنيين استشهدوا بينهم أطفال لم يتجاوزوا العام الأول وأربع سنوات، ونساء مسنّات في السبعينيات، إضافة إلى أربعة جرحى سقطوا بقصف مدفعي نفذته مسلحو حكومة دمشق مساء السبت ٢٠ أيلول، لقد نشرنا أسماءهم وأعمارهم أمام الملأ، بينما تحاول “وزارة الدفاع” الدوران في حلقة المراوغة، وتشارك في الجريمة مرتين، مرة بالمدفعية وأخرى بالتهرب والإنكار”.
وفي ختام بيانه حمّل المركز حكومة دمشق مسؤولية المجزرة “إننا نحمل حكومة دمشق المسؤولية الكاملة عن المجزرة المثبتة بالأسماء، وندعوها إلى ضبط فصائلها المنفلتة والانخراط في مسار سلمي يضع حياة السوريين وأمنهم فوق الحسابات السياسية والعسكرية”.
إن الرد القوي لـ(قسد) على الأكاذيب التي تختلقها حكومة دمشق، يعتبر إشارة قوية كي تعمل على وضع حد لتلك الفصائل المنفلتة التي لا تلتزم بأي من معايير وقوانين الحرب والقتال، وكذلك ببنود وقف إطلاق النار، وكان الأحرى بها أن تعتذر من عوائل الضحايا المدنيين، لا أن تتهم (قسد) بها، وهذا التنصل من المسؤولية بحد ذاته يشكل جريمة، وفق ما جاء في نص بيان المركز الإعلامي لـ(قسد).
الحكومة السورية تبحث عن حجج وذرائع للتهرب من استحقاقات تنفيذ بنود اتفاقية 10 مارس/ آذار، وهي لا تجيد غير لغة القتال، وتعتبر أن مناطق شمال وشرق سوريا ستكون مثل الساحل السوري والسويداء لقمة سهلة البلع، وأنها من خلال مجاميعها المنفلتة من عقالها قادرة على زعزعة أمنها واستقرارها، غير أن رد قوات سوريا الديمقراطية سيكون بمستوى الاستهداف، بل وأقوى، رغم أن القائد العام للقوات الجنرال “مظلوم عبدي”، شدد في الاجتماع الدوري للمجلس العسكري لقواته، وحث جميع قادة المجالس العسكرية التابعة لقواتهم على ضرورة الالتزام بوقف إطلاق النار، وحذر من أن هناك بعض الأطراف تسعى إلى جر المنطقة إلى حرب. بالتأكيد إن تلك الأطراف ترى في أي سلام واتفاق بين الإدارة الذاتية وحكومة دمشق خطراً يهدد مصالحها، بل وجودها في سوريا، وأولها دولة الاحتلال التركي وفصائل المرتزقة التابعين لها، والتي باتت تحارب تحت راية ما تسمى “وزارة الدفاع” بعد أن منحها الاحتلال، وليس حكومة دمشق، شرعية مزيفة، رغم معرفة السوريين أنها ما انفكت عن ممارسة إرهابها ضد الشعب السوري، وفي كل الأماكن التي انتشرت فيها.
إن التصعيد الذي لجأت إليه حكومة دمشق يعتبر خطيراً، وقد ينذر باتساع رقعة الاشتباكات، وستكون هي نفسها أول وأكبر المتضررين من أي مواجهة محتملة مع قوات سوريا الديمقراطية، ما يستدعي تدخلاً فورياً من القوى الدولية الضامنة لوقف إطلاق النار، ووضع حد لتلك الفصائل، إضافة إلى عودة دمشق إلى تعديل نبرة خطابها التصعيدي، والجنوح نحو بناء جسور التواصل والثقة مع قوات سوريا الديمقراطية وسائر مكونات المنطقة، عبر تنفيذ بنود اتفاقية 10 مارس/ آذار، وأولها الحفاظ على وقف إطلاق النار، وإشاعة جو من السلم والأمن على طول الجغرافيا السورية، وفتح باب الحوار، وعليها قبل ذلك أن تدرك أن التعويل على الخارج في تمكين نفسها، لن ينفع أمام مطالب الداخل في حفظ أرواح الناس وممتلكاتهم، والدعم الخارجي سينتهي عندما تبدأ الإرادة الشعبية بالتعبير عن نفسها، وحينها لن يستطيع الدعم الخارجي حمايتها من الانهيار، ومهما كان قوياً وواسعاً.