في استحقاقات زيارة “الشرع” لواشنطن
محمود علي
يُهَلِّلُ أنصار سلطة دمشق، بشكل غير مسبوق، لزيارة الرئيس السوري المؤقت “أحمد الشرع” للولايات المتحدة، وللنتائج المرتقبة لها، وخاصة حيال مشاركة حكومته في قوات التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب. والاحتفاء المبكّر ليس من باب القضاء على الإرهاب، والتخلص من شروره، وإعادة الأمن والاستقرار إلى ربوع سوريا، بل نكاية بقوات سوريا الديمقراطية، واعتقاداً منهم أنه سيتم استبدال قوات حكومة دمشق بقوات (قسد) لأداء مهام مكافحة الإرهاب وخاصة “داعش” على الأراضي السورية، وحتى خارجها أيضاً.
تزامنت حالات الابتهاج بين الموالين لسلطة “الشرع” مع حملة إعلامية تحريضية ممنهجة ضد قوات سوريا الديمقراطية، يتم توجيهها من قبل تيارات داخل السلطة، تعمل بالتنسيق مع دوائر خارجية للالتفاف على تنفيذ استحقاقات اتفاقية 10 مارس/ آذار، بعد أن قطعت شوطاً لا بأس بها، خاصة على الصعيد العسكري وحلحلة مسألة “الاندماج”.
لم يحقق “الشرع” أي مكاسب تذكر في زيارته إلى نيويورك أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي، ومشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وإلقائه كلمة باسم سوريا فيها؛ فيما يعوّل “الشرع” وكذلك حكومته والموالون له هذه المرة، على حدوث تغيير في موقف الولايات المتحدة حول سوريا، خصوصاً برفع عقوبات قيصر، واستعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما، وإزالة اسم “هيئة تحرير الشام” و”الشرع” من لوائح الإرهاب العالمي، حتى أنهم ذهبوا بعيداً في رسم صورة وردية لمستقبلهم، بأن دخول البيت الأبيض والاجتماع مع رئيس الدولة العظمى في العالم، كافٍ لتجاوز كل المعضلات والمشاكل التي يعاني منها نظامه، متجاهلين أن دخول البيت الأبيض لن يكون مثل الخروج منه.
تضع الولايات المتحدة شرطين أساسيين أمام “الشرع” لاستقباله في البيت الأبيض، أولهما التوقيع على اتفاق الانضمام إلى التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، وثانيهما التخلي عن الجولان السوري لصالح إسرائيل، وقبول التوقيع على اتفاقية سلام وتطبيع العلاقات مع إسرائيل ضمن إطار الاتفاقات الإبراهيمية التي تعقدها إسرائيل مع الدول العربية. وهذا هو سُرُّ موافقة “ترامب” على استقبال “الشرع” في البيت البيضاوي.
يتوهّم أنصار نظام “الشرع” أن مجرد انضمام قواته ضمن التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، سيسقط “الذريعة التي تتمسك بها قوات سوريا الديمقراطية في بقائها واستمرارها”، وأن لدى “الحكومة” القدرة على القيام بمهام مكافحة الإرهاب. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه؛ هل ستنحصر مهام مكافحة الإرهاب بمحاربة تنظيم “داعش” فقط، أم ستمتد إلى القوى الأخرى التي ما تزال منضوية تحت راية “هيئة تحرير الشام” أو مقرّبة منها وتابعة لتنظيم القاعدة؟
تدور في الأوساط الدولية نقاشات مكثفة حول ضرورة تجفيف بؤر الإرهاب والتطرف في مختلف الدول، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، والتي غدت سوريا منبعاً وتجمعاً لكافة أشكال الإرهاب، وليُهدِّدَ السلم العالمي برمته.
لا شك أن الجهود التي يقودها مستشار الأمن القومي البريطاني “جوناثان بأول” بدأت مفاعيلها تظهر من خلال عدة تحركات على الصعيدين السياسي والعسكري، بعد أن رسم – أي باول – مخطط تنفيذِه ووضعه أمام “الشرع” خلال زيارته إلى سوريا قبل فترة. كما تأكد لأكثر من دولة إقليمية أن إنهاء التطرف والإرهاب لن يتحقق عبر القوة العسكرية فقط، حتى إسرائيل توصلت إلى هذه الحقيقة من خلال تجربتها مع “حماس” في غزة، حيث تحاول الآن من خلال جهود مصر تفكيك حركة “حماس”، يقيناً منها أن عملياتها العسكرية التدميرية طيلة أكثر من عامين لم تأتِ أُكُلها وتضع نهاية لـ”حماس”.
المخطط “البريطاني – الأمريكي – الإسرائيلي” يتجه نحو العمل بسياسة ضرب الخصم بالخصم، وإشعال الحرب داخل التنظيمات المتطرفة نفسها، و”ضرب الحديد بالحديد”، وهي أسهل طريقة للتخلص منها. فلم يجدوا أفضل من “الشرع” لتوكيله بتنفيذ هذه المهمة. فهو بحكم معرفته بماهية وتفاصيل الحركات والتنظيمات المتطرفة “الجهادية”، ومن حيث أنه عمل ضمنها، يدرك جيداً نقاط ضعفها وقوتها، ويعرف بدقة كيفية تفكيكها ووضع نهاية لها.
جَسُّ نبض تلك الحركات بدأ باعتقال “أبو دجانة التركستاني”، ومن ثم الهجوم على مخيم “الفردان” في حارم للمتطرفين الفرنسيين. ومثلما يقال “أول الرقص حنجلة”، وفتح أي مواجهة مع هؤلاء الذين تدرّبوا على فكرة “الجهاد” وتنفيذ العمليات الانتحارية لن تكون بتلك السهولة المتوقعة، وقد يؤدي بسوريا لدخول في نفق حرب من نوع آخر لا يتكهن أحد نهايته، والكل على قناعة أنه ليس لدى حكومة “الشرع” تلك القدرات العسكرية لمواجهة “أخوة الأمس”. بل ستتشكل جبهة معادية له تشمل كل التنظيمات المؤمنة بفكرة “الجهاد، بما فيها انضمام تنظيم “داعش” الإرهابي إليها، والذي استبق أي تحرك من قبل “الشرع” وحكومته من خلال الإصدار الأخير له، كفّر فيه نظام “الشرع” ووصفه بـ”الطاغوت” و”خادم الصليبيين”.
لن يستطيع “الشرع” المضي في مكافحته التنظيمات المتطرفة دون تعاون فعلي ووثيق مع قوات سوريا الديمقراطية، التي تمتلك تجربة طويلة في فنون وتكتيكات قتالها، وتفكيك تنظيماتها وخلاياها، وهذا بحد ذاته شرط وضعته قوات التحالف الدولي أمام “الشرع” للانضمام لها. بالتالي انضمام حكومة دمشق إلى التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب من شأنه أن يسحب البساط من تحت أقدامها هي وليس قوات سوريا الديمقراطية أو غيرها.
من المؤكد أنه قريباً سيجد “الشرع” وحكومته أنفسهما معلقين في الهواء، وسيعمل على التخلص من شركائه الحاليين ضمن الحكومة، و”الشرع” يجيد بذكاء لعبة التخلص من خصومه، ولن يرف له جفن في تصفية من صعد على أكتافهم ووصل إلى السلطة، وبشكل رئيس الفصائل المتطرفة والعشائر البدوية و”المجاهدين الأجانب”. واختياره من قبل الدول الغربية جاء بعناية بالغة، فهو جزء من تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد، وحُدِّدَ دوره في تجميع التنظيمات المتطرفة، ومن ثم الإجهاز عليها بأساليب متعددة. إلا أن إعلام حكومته وذبابه الإلكتروني يرسم صورة زائفة معكوسة ووهمية بين أوساط الرأي العام، من خلال التحريض والتوجيه ضد قوات سوريا الديمقراطية، في حين أن ما يدور في الغرف المظلمة قد يشكل صدمة كبيرة لدى قطيعه من الأوساط الشعبوية الساذجة اللاهثة وراء الشعارات والاستفزاز والتحريض الطائفي والمذهبي والعرقي.
الولايات المتحدة لن تمنح “الشرع” صك الاعتراف والدخول للبيت الأبيض مجاناً، وثمنه تصفية تدريجية للتنظيمات الجهادية المتطرفة، ومن يقبل بركوب قطار التسوية مع الغرب، ويعمل وفق مقتضيات مصالحه، سيجد له مكاناً في سوريا الغد.
تركيا التي تقف في منتصف الطريق ستقف تتأمل المشهد دون القدرة على أن تحرّك ساكناً، ولن يكون بمقدورها إنقاذ أدواتها من التنظيمات المتطرفة من المصير المحتوم الذي ينتظرها، فمثلما عمدت القوى العالمية على تصفية كل من “حماس” و”حزب الله” وتصفية أذرع إيران “الشيعية” في المنطقة، كذلك ستعمد إلى نزع أسباب قوة تركيا في القوى “السنية” المتطرفة، من التيارات “الجهادية” الإخوان المسلمين. بداية نهاية المشروع التركي كان في مصر بعد أن أسقط نظام “مرسي” الإخواني، وتواصل مع فشل تركيا في تثبيت أقدام الإخوان في سوريا أيضاً، وآخر حلقات التيارات الإسلامية “السنية”، السلفية والجهادية المتطرفة، ستكون في سوريا، وعبر نظام “الشرع” تحديداً.
الغوغاء والسائرين خلف حملات التصعيد الإعلامي الجوفاء للحكومة، يعتقدون أن سوريا ماضية نحو تكريس وإسباغ لون طائفي واحد عليها، وفي ذات الوقت يغضّون الطرف عن الضغوط الممارسة على دمشق لحملها على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، حيث أن ما يجري في الكواليس يتجاوز اتفاقية أمنية محدودة، أو تفعيل اتفاقية فض الاشتباك الموقعة عام 1974. ورغم أنهم يدّعون بأن “القدس هي وجهتهم ومآلهم”، فإنهم بتوجيه من دول إقليمية وخاصة تركيا، وجّهوا بوصلتهم نحو الكرد وقوات سوريا الديمقراطية، إلا أن ما ينتظرهم سيزيد من حالة الإحباط والانهيار النفسي لديهم، هذا إن أدركوا أن اللعبة تُدار عليهم، وليس على غيرهم.


