حـ.ـزب جديد لـ”السـ.ـلطة” في دمشق.. تمهـ.ـيد لإنتاج “البـ.ـعث” بهيـ.ـئة جديدة وتكرار لتـ.ـجربته

نقلت عدّة مصادر مطلَّعة ومقرَّبة من السلطة الحالية في دمشق، عن مساعي حثيثة لتشكيل حزب سياسي يتبع للرئيس الانتقالي “أحمد الشرع”، وتحت إشراف مباشر من “الأمانة العامة للشؤون السياسية” التابعة لوزارة الخارجية.
تحرك السلطة هذا يأتي استباقاً لصدور قانون الأحزاب الجديد المزمع صدوره بموجب الإعلان الدستوري الصادر في مارس/ آذار الماضي، ما يُعَدُّ التفافاً واضحاً على الدستور. فيما ذهبت بعض الأطراف إلى حد الاعتقاد بأن الحزب سيغدو بمثابة “الواجهة السياسية” للنظام الجديد قيد التشكُّل.
أصدر “الشرع” في بداية وصوله إلى القصر الجمهوري بشكل موارب وغير شرعي، قراراً حَلَّ بموجبه جميع الأحزاب، إضافة إلى تعطيل العمل بالدستور. وفي هذا الإطار أي خطوة نحو تأسيس حزب جديد، يُعَدُّ مخالفة صريحة للدستور الذي وضعه هو وزمرته الحاكمة، وفي أفضل الأحوال لن يكون إلا نسخة مكررة عن حزب البعث، وبكل تفاصيله.في هذه المرحلة الانتقالية والدقيقة في حياة سوريا، يبحث “الشرع” ومعه حاشيته عن أداة سياسية لتكريس نظامه عبر فرض نمطية معينة من الحياة السياسية على البلاد، بعد أن ارتأى أنه لا جدوى من “هيئة تحرير الشام” في قيادة سوريا والتلاؤم مع متطلبات الانسجام مع التطورات الخارجية والداخلية للمرحلة، وبالتالي مراوغة للإيحاء بالخروج من عباءة الدين بشكل ما، يقيناً منه أنها لم تعد تتناسب مع المرحلة السياسية الجديدة التي تمر بها سوريا والمنطقة والعالم، واستخدام الحزب الجديد كنوع من الديكور والفانتازيا لتجميل وجه سلطته.
فيما نقلت بعض المصادر الإعلامية بأن “تحضيرات هادئة لتأسيس حزب سياسي جديد يتبع للرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع” تتواصل في العاصمة دمشق.
مصادر سورية مطلعة كشفت لموقع “المدن” أن “الأمانة العامة للشؤون السياسية” التابعة لوزير الخارجية “أسعد الشيباني”، هي الجهة التي تشرف بشكل مباشر على انتقاء أعضاء الحزب المفترضين، وتحديد قياداته الأولية. إلا أن السؤال الذي يطرحه الكثيرون، ما هي المبادئ الأساسية وإيديولوجية الحزب المزمع تأسيسه، هل سيحمل فكراً دينياً متزمتاً على غرار الحركات التي أسسها “الشرع” وخلفيته الفكرية والعقائدية في مراحله “الجهادية” المتعددة، أم سيقطع مع تاريخه القديم ويتبنى فكراً وتوجهاً عصرياً هجيناً يجمع ما بين الدين والسياسة، أم سيستخدمه كواجهة سياسية لإدارة سوريا وحكمها، ويتحول مع الزمن من حزب للسلطة إلى سلطة الحزب، على غرار تجربة “البعث” المريرة التي عانى السوريون منها الويلات طيلة أكثر من ستة عقود؟
الظاهر أن ما تسمى “الأمانة العامة للشؤون السياسية” تحولت إلى ما يشبه دور “القيادة القطرية” في ظل حكم “البعث”، وهي التي ترسم السياسات العامة للدولة، ولا اعتراض على قراراتها، وتحتفظ بحق “الفيتو” على أي قرار يصدر من أي جهة في الدولة، كما أنها هي المرجعية العليا والوحيدة للمصادقة على المقترحات الصادرة من دوائر ومؤسسات الدولة، بما فيها الأجسام والهياكل الإدارية والسياسية والعسكرية، وهي من تمنح الحصانة للأشخاص والمؤسسات أيضاً.
السؤال الهام والذي يطرح نفسه تلقائياً؛ ما هي الخلفية الفكرية والسياسية للأشخاص الذين سيتم انتقاؤهم لتمثيل الحزب؟ على الأغلب ستكون من بطانة السلطة الحالية على غرار اختيار الشخصيات أصحاب اللحى – ما يطلقون على أنفسهم “الشرعيين” – والذين يحاولون فرض عقيدتهم الدينية المتطرفة على الدولة والمجتمع، ولن يستطيع هؤلاء الخروج من دائرة التطرف الديني، وتمرير المجتمع عبر ماكينتهم العقائدية ذات اللون الواحد، وتأسيس الحزب يعتبر الحلقة الأخيرة لمحاولة مأسسة الدين ضمن الدولة والمجتمع، وقتل الحياة السياسية في البلاد، في تكرار فظ لتجربة البعث البائد.
وذكرت مصادر أن تحركات “تجري ضمن دوائر ضيقة وبشكل سري”، مشيرة إلى أن “الأمانة” كلّفت شخصيات معروفة بعلاقاتها مع السلطة الحالية للتواصل مع المرشحين من قبلها للانضمام”.
وفي ظل غياب اسم الحزب وبرنامجه؛ أضافت المصادر أن الجهات المسؤولة عن تأسيس الحزب “تحرص على انتقاء أعضاء الحزب الجديد بعناية، لضمان ولاء سياسي موثوق وتوازن مناطقي محسوب”.
وأكدت المصادر أن وزير الخارجية “أسعد الشيباني” هو العرّاب الفعلي لمشروع تأسيس الحزب الجديد، وأن “الأمانة العامة للشؤون السياسية”، التي تتبع له مباشرة، تتولى كامل التحضيرات، لافتة إلى أن الحزب سيعلن عنه فور إقرار قانون الأحزاب الجديد من “مجلس الشعب”.
وبحسب المعلومات التي نشرها موقع “المدن”، فإن الشخصيات المكلفة بتشكيل الحزب الجديد هم من المقرّبين من “الشيباني”، ما يذهب للاعتقاد لدى البعض بأن الحزب لن يكون سوى “امتداداً سياسياً لمشروعه داخل الحكومة”.
ولكن ما هو مشروع “الشيباني”؟ما ثَبُتَ خلال الفترة المنصرمة من تعيين “الشيباني” وزيراً للخارجية ومسيرة عمله، هو سعيه لتوثيق العلاقات مع تركيا، على مستوى الدولة وكذلك الشخصي أيضاً، حتى أطلق البعض عليه تسمية “ممثّل حقان فيدان في سوريا”. ويرى بعض المراقبين أن تركيا اقترحت على “الشيباني” فكرة تأسيس حزب سياسي جديد، في نقل لتجربة “حزب العدالة والتنمية” التركي، ولا يستبعد البعض أن يُطلق على الحزب المرتقب تأسيسه ذات الاسم.
تسود مخاوف لدى الشارع السوري بشكل عام، من أن يتحول الحزب الجديد إلى أداة لإحكام السيطرة على الدولة والمجتمع وليس إدارتهما وتلبية احتياجاتهما، أو فتح الباب أمام تعددية سياسية، بل سيتحول الحزب الجديد إلى “الحزب القائد للدولة والمجتمع”، لطالما أن السلطة الحالية لا تزال ترفض بشكل قاطع أي شكل من الإدارة اللا مركزية السياسية في البلاد، وسيكون الحزب الجديد الأداة الفاعلة لترسيخ المركزية المفرطة التي ستتحول لاحقاً إلى ديكتاتورية أسوأ من الأسد وأردوغان، ما يشير إلى إلغاء أي تنافس ديمقراطي في سوريا، ليتحول الحزب إلى مجرد أداة للسيطرة على الدولة والمجتمع، وهنا مكمن الخطر.
فمثلما فاجأتنا السلطة الراهنة بتعيين “الشرع” رئيساً مؤقتاً، لتتوالى بعدها سلسلة من الإجراءات اللا قانونية “الحوار، الإعلان الدستوري، تشكيل الحكومة، انتخابات مجلس الشعب” والتي تتعارض مع أبسط مبادئ العمل السياسي والديمقراطية وتداول السلطة، حيث فرضت لوناً واحداً على سوريا، فإن تأسيس الحزب الجديد لن يكون بعيداً عن سياق تفكير وذهنية السلطة الراهنة ومحاولاتها الاستئثار بالدولة، واعتبارها “ملكاً وغنيمة”، حيث أنها لا تزال تعمل وفق مقولتها الممجوجة “من يحرّر يقرّر”، رغم إدراك الجميع أنها لم تحرّر شيئاً، بل جرى تنصيبها على السلطة بأيدي خارجية.
ينظر السوريون ومختلف النخب السياسية بكثير من الريبة والشكوك إلى “الأمانة العامة للشؤون السياسية”، ودورها في تولي الإشراف على النشاطات السياسية في البلاد، وصياغة الخطط العامة في الشأن السياسي، ما يمنحها “سلطة الوصاية” على الحياة الحزبية في البلاد، ويتوقع البعض أن تُنقَل تلك الصلاحيات إلى الحزب الجديد فور الإعلان عنه، ما يعني تبادلاً للأدوار. ويذهب البعض إلى توقع أن يكون “الشرع” رئيساً للحزب، ليجمع في يده كل السلطات السياسية والتنفيذية، ويحتكر مفاتيح اللعبة السياسية، ويفرض رؤاه وتصوراته المبنية على التهميش وإلغاء الآخر المختلف معه.
الحزب الجديد، لن يضفي على المشهد السياسي السوري إلا مزيداً من التشرذم والانقسام، في ظل التوترات التي يعيشها الشارع السوري من حوادث القتل والاختطاف وانتشار خطاب الكراهية.
المؤكد أن ردود الفعل الدولية ستتباين حيال خطوة السلطة في تأسيس حزب جديد لها، والأيام القليلة القادمة سترفع الغطاء عن تحركات السلطة ومساعيها في فرض الحصار على الحياة السياسية في البلاد.
 
				


