مقالات رأي

مقـ.ـاربات متـ.ـعارضة حول صيـ.ـغة اندمـ.ـاج قـ.ـسد في أجواء تصـ.ـدعات إقليمية عمـ.ـيقة

كمال حسين

مقاربتان متناقضتان تخيمان اليوم على الجدل الدائر حول اندماج قوات سوريا الديمقراطية في الجيش الوطني السوري العام، وبينما تريده السياسة التركية اندماجاً إفرادياً تتفكك من خلاله قوات سوريا الديمقراطية وتفقد تنظيمها وعناصر قوتها التي راكمتها خلال أكثر من ثلاثة عشر عاماً لتنضوي بعد ذلك تحت إمرة قيادات داعشية؛ حيث تستميت السياسة التركية من خلال ذلك لأجل تحويلها من قوة حاسمة في مواجهة إرهاب داعش إلى قوة تدخل في حساب داعش وتزيد من رصيد القوة لديها.

تأتي المقاربة الثانية على مبدأ دخول قوات سوريا الديمقراطية في الجيش الوطني السوري ككتلة واحدة تحافظ من خلالها على هيكلها التنظيمي، وعلى قدراتها وخبراتها في مواجهة التنظيم الإرهابي، هذه المقاربة التي تتفق مع وجهة النظر الأمريكية، ووجهة نظر دول التحالف الدولي التي تيقنت من خلال الممارسة الميدانية من كفاءة دور قسد كحليف أساسي لا يوجد بديل عنه في هذه المواجهة التناحرية المستمرة.

هما مقاربتان وسياستان، إذن حول الموقف من داعش، وحول وظيفتها، والمستفيد من تنامي دورها، سيكون لها تداعيات وعواقب سياسة تركية تغطي على نشاطها، وتوفر لها عوامل البقاء والنمو عبر فتح حدودها ومعابرها لإمدادها بكوادر جديدة من أصقاع العالم الإسلامي؛ تحتضنها وتوفر لرموزها في الأراضي الواقعة تحت نفوذها شروط الأمان، وبيئة مناسبة للعمل والنشاط؛ حيث تبرز في تأكيد هذه النقطة حقيقة إن جميع من قُتِلوا أو اعتقلوا من قيادات هذا التنظيم البارزين كان ملاذهم الذي جرى استهدافهم فيه من قبل قوات التحالف الدولي؛ واقعاً في أرياف إدلب ومناطق احتلتها الدولة التركية، والأهم في كل ذلك تطابق الأهداف الداعشية مع أهداف السياسة التركية في تنفيذ المجازر المتنقلة بحق المكونات التي تعيق سياسة التغيير الديمغرافي، وسياسة التتريك التي اعتمدته.

نعم إن نقطة الفصل في مسألة اندماج قسد ضمن مؤسسة الجيش الوطني الواحد، جيش الدولة الاتحادية، هي داعش؛ ففيما تريده تركيا اندماجاً يفكك قسد ويقوي شوكة تنظيم داعش الإرهابي؛ يتطلع التحالف الدولي وقسد إلى جعله اندماجاً مؤداه تقويض داعش، والتأسيس لجيش وطني مهتم بمواجهة الإرهاب، وحماية السلم والاستقرار في الدولة والمجتمع.

وإلى ذلك، وفي حدود هذه المفارقة التي باتت مكشوفة للرأي العام يزداد المأزق التركي وضوحاً، ويضيق هامش المناورة أمام الساسة الأتراك، ولم تعد همروجة وصف قسد بالإرهابية تعطي نفعاً؛ سيما بعد النجاح الذي حققته مشاركة وفد قسد بقيادة الجنرال مظلوم عبدي وكلمته أمام مؤتمر دهوك السادس للأمن والسلام، وإعلانه الواضح ومن موقع القوة والثقة نحن لسنا تهديداً لأحد.

“قسد ليست تهديداً لأحد”، عنوان عريض أراد الجنرال والمناضل في معارك دحر الإرهاب، المهندس المحبوب والمتواضع، صديق الفن والموسيقى والرياضة “مظلوم عبدي” إن يقول “إن قوتنا ليست موجهة ضد مصلحة أي طرف في المحيط، ولا تحمل نزعة التوظيف للنيل من حقوق أي مكون في الداخل السوري أو في الإقليم، قوتنا لها مهمة واحدة هي مواجهة الإرهاب، والعمل على خلق وحماية مجتمع العدل والجمال والديمقراطية”.

قسد لا تهدد أحداً، لكنها صاحبة رأي وموقف ورسالة. هكذا أراد الوفد المشارك في أعمال المؤتمر أن يخاطب الذوق السياسي العام؛ حين أكد بأن لا عودة بعد الآن إلى نظام الدولة المركزية، ولا مناص من العبور إلى دولة جديدة تشاركية لا تقصي ولا تُهَمِّش أحداً من مكوناتها، مدنية ديمقراطية ولا مركزية.

لا عودة إلى فكرة الدولة القومية المركزية، لا للدولة العقائدية، معناه إن سايكس بيكو باتت من الذاكرة بعد الآن، ولم تعد تصلح او تستجيب للوقائع الجديدة، وتعني أن أفقاً جديدةً في مناخ المنطقة بدأ يلوح بانتصار قيم الديمقراطية والسلام، وبأن ثقافة دولة الأمة الديمقراطية، وثقافة الحياة التشاركية تشق طريقها إلى عقل المجتمعات.

رسائل ومعاني عديدة قد نجح مؤتمر السلام والأمن (ميبس) بـ دهوك مع غيره من التطورات المتواقتة على مسرح الأحداث الجارية؛ في إيصالها إلى متلقفيها داخل الدول والمجتمعات، تتجاوز في أبعادِها ومفاعيلها المرتقبة ما كان يدور في ذهن السياسيين قبل عام من الزمن؛ إن يحضر قادة في تجربة الحداثة الديمقراطية ومخاصمة الإرهاب على نموذج الجنرال مظلوم عبدي والسيدة إلهام أحمد بهذا الزخم الإعلامي والكاريزما التي فاقت في مستواها بكثير الحضور الذي يحدثه وفد رؤساء الدول، والدرس الذي أراد إيصاله عندما أشار إلى أن النظام السابق قد سقط بسبب تعنته وعدم إصغائه إلى كلام الواقع ومعادلاته المُلِحة.

يصبح درس التاريخ وجرس إنذار اللحظة الأخيرة للرؤوس التي مازالت ترسم رهاناتها السياسية على معادلات القرن الماضي، وبقايا موازين من الحرب العالمية الأولى.

فالعقل السياسي الذي يحاول أن يتعامل في الفهم والتحليل والموقف مع موازين اللحظة الراهنة مدعو الآن أن يتأمل في ظواهر دالة ثلاث. الأولى، مؤتمر دهوك بصفته عنوان وإعلان نوايا لأحداث قادمة تتجاوز في إيقاعها وكثافتها كيف ستكون قسد؟ وبأي حجم سيترتب دورها في جيش تتوهم سلطات دمشق ديمومته.

الثانية، أن يتجول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بحرية زائدة في جغرافية الجنوب السوري؛ بالتوازي مع مسح أسراب طيرانه الحربي الأجواء السورية، مع تعمد ملامسة الحدود التركية تعد علامة على درجة الحرارة التي تحكم احتمالات اللحظة الراهنة.

والثالثة، أصداء تصريحات بهجلي حول زيارته للقائد أوجلان في إمرالي، ورجع الصدى في اشتباكات البرلمان التركي كمقياس على شدة الزلزال المرتقب.

نخلص إلى استنتاج وفق المؤشرات السابقة يفضي بأن مسار التطورات قد يكون تجاوز بكثير شكل اندماج قسد ضمن مؤسسات الجيش والدولة ليصبح الاندماج الفاعل حتمية لا يمكن تأخيرها، والنقاش في لزومها يعد ترفاً لم يعد متاحاً للأتراك ومدارس الإسلام السياسي التداول حوله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى