فجوة بين أهداف المنظمات النسوية وواقع النساء في كردستان

على الرغم من وجود أكثر من 400 منظمة نسوية تُعنى بقضايا المرأة وحقوقها في إقليم كردستان، إلا أن الانتهاكات وأعمال العنف ضد النساء تتزايد بشكل مستمر، ما يثير تساؤلات حول جدوى عمل هذه المنظمات وتأثيرها الفعلي في حماية النساء.
وتقول نساء من السليمانية إن الانتقادات الموجّهة إلى تلك المنظمات اتسعت خلال السنوات الأخيرة، وإن هناك حاجة ملحّة إلى إعادة توجيه عملها وتصحيح مسارها بما يتناسب مع التحديات القائمة.
واقع النساء في إقليم كردستان
تواجه النساء في الإقليم بيئة اجتماعية وسياسية تُدار في كثير من الأحيان بـ عقلية ذكورية تُكرّس السلطة وتستبعد النساء من المجالين السياسي والاجتماعي. ويعكس قتل النساء والانتهاكات المتزايدة استمرار هذا النهج، فيما ترى ناشطات أن العنف ضد المرأة أصبح مطبّعًا اجتماعيًا مع مرور الوقت.
ومن بين العوامل التي ساهمت في تزايد الظاهرة، إعلان وزارة العدل في 24 آذار/مارس من العام الجاري تعليق نشر الإحصاءات الرسمية المتعلقة بحالات قتل النساء. ووفق بيانات جمعتها وكالة روج نيوز، فقد قُتلت 27 امرأة وفُقدت 20 أخريات في ظروف غامضة منذ بداية العام، كما تعرّض أربعة صحفيين للضرب على يد أمن السليمانية أثناء تغطيتهم مؤتمرًا لنساء محتجات.
إلى جانب ذلك، تستمر الأحزاب السياسية في استخدام النظام القائم لخدمة مصالحها، وتعمل على حصر النساء داخل الأطر الحزبية الضيقة، بينما لا يتجاوز تمثيل النساء في المناصب العليا 5٪.
وفي 21 كانون الثاني من هذا العام، صادق البرلمان العراقي على تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 وفق المذهب الجعفري، وهو تعديل يتيح تزويج الفتيات في سن التاسعة ويحدّ من حقوق النساء، الأمر الذي يؤثر بشكل مباشر على إقليم كردستان والمناطق المستقطعة.
ورغم أن القانون رقم 15 لعام 2008 يقيد تعدد الزوجات، إلا أن الزواج الثاني السري ما يزال شائعًا، مما يكشف ضعف تطبيق القوانين المتعلقة بحماية النساء.
النضال النسوي خلال العقود الماضية
تعود بدايات تأسيس المنظمات النسوية في كردستان إلى ما بعد انتفاضة عام 1991، وقد ازداد عددها ليصل اليوم إلى أكثر من 400 منظمة تعمل في مجالات تمكين المرأة سياسيًا واقتصاديًا، وتعزيز المساواة الجندرية، ومناهضة العنف والتمييز.
وخلال العقود الماضية، لعبت الناشطات النسويات دورًا بارزًا في الضغط السياسي والاجتماعي. ففي عام 1996 نظمن حملة لوقف الحرب الداخلية بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، وقدمن مقترحات للجنة صياغة الدستور العراقي لتعزيز الديمقراطية وحقوق الشعب الكردي.
كما قدّمن مشاريع قوانين وتعديلات مهمة للبرلمان الكردي والعراقي، من أبرزها:
- قانون مناهضة العنف الجنسي لعام 2013
- تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 88 لسنة 1959
- تعديل قانون العقوبات العراقي رقم 2 لسنة 1969
- تعديل قانون مكافحة الاتجار بالبشر لعام 1988
- مقترحات لتنفيذ قانون الأحوال الشخصية المعدل لعام 2008
- ملاحظات حول مشروع قانون حماية الطفل لعام 2011
وفي عام 2007، قدّمت المنظمات مشروع قانون مناهضة العنف الأسري الذي صُدّق عليه عام 2011. وبفضل الضغط النسوي المتواصل، جرت أيضًا تعديلات مهمة تتعلق بمنع ختان الإناث وتعدد الزوجات في برلمان كردستان.
العمل النسوي اليوم… حضور ضعيف وتأثير متراجع
رغم الإرث النضالي الكبير للحركة النسوية في كردستان، إلا أن حضور المنظمات النسوية خلال السنوات الأخيرة تراجع بشكل واضح. ولم يعد نشاطها يتجاوز المناسبات والفعاليات السنوية، مقارنةً بدورها الفاعل في السنوات السابقة.
ترى ناشطات أن الخلافات الحزبية وتضارب المصالح السياسية أثّرا على استقلالية هذه المنظمات، وأن جزءًا منها أصبح يعمل ضمن إرادة الأحزاب بدلًا من العمل النسوي الحر. كما أن غياب موقف واحد تجاه تعديل قانون الأحوال الشخصية في البرلمان العراقي كشف ضعف التنسيق النسوي في القضايا المصيرية للنساء.
حلول مطروحة من أجل مستقبل أفضل للنساء
تدعو النساء إلى ضرورة توحيد الخطاب النسوي والعمل على إنشاء قوة ضغط فعّالة لوقف العنف المتزايد ضد النساء، والمطالبة بتطبيق القوانين الخاصة بحمايتهن، وتوسيع مشاركتهن في المجالات السياسية والاجتماعية.
كما تشدد ناشطات على أهمية رفع الوعي النسوي وتعزيز التثقيف القانوني لمعالجة المشكلات الاجتماعية والقانونية التي تواجه النساء، ووضع برامج طويلة الأمد لتحقيق تغيير حقيقي ومستدام.




