مكاسـ.ـب وخـ.ـسائر زيارة الشرع: ملامح حـ.ـرب داخلية.. و”قـ.ـسد” ركيـ.ـزة التـ.ـحالف

حسين جمو
تمثّل زيارة الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع إلى العاصمة الأميركية واشنطن تحولاً سياسياً كبيراً في تحولات الشرق الأوسط، وتعدّ تتويجاً لسياسة أميركية تقوم على محاباة الأطراف الإقليمية لدعم السلطة الجديدة في دمشق بصيغة سريعة، لدرجة أن الإدارة الأميركية تبحث عن وسائل لتجاوز تشريعات الكونغرس بشأن عقوبات قيصر. وهو أمر ملفت في سياق الشكل الجديد من إدارة الملفات في البيت الأبيض.
في هذه الورقة، نقدم قراءة أولية في نتائج الزيارة، وفق ما تم الإعلان عنه، والمسارات المقبلة من الإشراف الأميركي على سوريا، وتحول سوريا إلى المدار الأميركي.
لذا، بغض النظر عن النتائج المباشرة، وما الذي سيجنيه الشرع من مكاسب، يعكس اللقاء التحوّل الأكبر في تموضع دمشق الجيوسياسي منذ سبعين عاماً حين أصبحت عملياً في المدار السوفياتي والشرقي.
أولاً: الانضمام إلى التحالف الدولي إشارة سياسية
أعلنت الولايات المتحدة خلال الزيارة أن سوريا انضمّت إلى التحالف الدولي لهزيمة تنظيم داعش، لتصبح العضو التسعين في هذا التحالف. وقال مسؤول أميركي كبير لصحيفة وول ستريت جورنال: “ستصبح سوريا العضو التسعين في تحالف هزيمة داعش، شريكةً للولايات المتحدة في القضاء على فلول التنظيم، ووقف تدفّق المقاتلين الأجانب، وسيُسمح لها باستئناف عمل سفارتها في واشنطن لتعزيز التنسيق في مكافحة الإرهاب والأمن والاقتصاد”.
بهذا الإعلان، انتقلت دمشق من كونها دولة خاضعة للعقوبات الأميركية إلى شريك سياسي وأمني في منظومة التحالف الغربي.
رغم الطابع الاحتفالي للإعلان، أكد أحد المسؤولين الأميركيين لـ «وول ستريت جورنال» “إن الشروط الدقيقة للدور السوري في التحالف لا تزال قيد النقاش”، واصفاً الإعلان بأنه إشارة سياسية ستتطور لاحقاً إلى تعاون استخباراتي وعسكري أوسع ضد داعش”.
هذا التصريح يوضح أن انضمام سوريا إلى التحالف في مرحلته الأولى رمزي أكثر منه عملياتي، لكنه يفتح الباب أمام إعادة تعريف الوجود الأميركي في البلاد ضمن مظلة جديدة.كما نقلت الصحيفة عن مسؤول آخر قوله: “لن يطرأ أي تغيير على حجم الوجود العسكري الأميركي في سوريا”، ما يعني أن الولايات المتحدة تُبقي وجودها الميداني تحت غطاء التحالف إلى حين إتمام ترتيبات الدمج بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية.
يبقى أن الانضمام إلى التحالف الدولي يفتح الباب أمام صراع داخل فصائل وأجنحة السلطة، وهو صِدام شبه مضمون في ظل الفتاوى المتتالية من جانب مشايخ السلطة، وكيف أن الدخول إلى التحالف لا يعني (موالاة الكفار) بحسب مصطلحاتهم.
ثانياً: الإشراف الأميركي على الاتفاق بين «قسد» ودمشقفي ختام زيارة الشرع إلى واشنطن، أدرج بيان وزارة الخارجية السورية محور المحادثات لتنفيذ اتفاق 10 آذار/ مارس ضمن الأجندة الرئيسية التي تمت مناقشتها مع الجانب الأميركي، رغم أن الجانب السوري يتفادى تقديم صيغة محايدة لهذا الملف في بياناته، ويستخدم صيغة أحادية تطالب بتفكيك قوات سوريا الديمقراطية. لذلك، من المتوقع أن يشهد مسار الاتفاق تقدماً خلال الأيام المقبلة، وستتحمل دمشق تكلفة عدم الاتفاق، سياسياً، نظراً إلى أن قسد أكدت في إحاطات عديدة أنها تضع التحالف والجانب الأميركي أولاً بأول في صورة التطورات بخصوص المحادثات.
نقلت صحيفة واشنطن بوست عن مصادر أميركية قولها “إن للولايات المتحدة مصلحة قوية في دعم الشرع”، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن هذا الدعم قد يتيح سحب القوات الأميركية التي ما تزال متمركزة في سوريا كجزء من التحالف ضد داعش. ومن المعروف أن انضمام دمشق للتحالف يتطلب إعلان الاتفاق النهائي مع قسد، وإيجاد صيغة مقبولة ومنطقية للاندماج بين الطرفين، وليس من جانب طرف واحد.
لكن القدرة العسكرية لقوات دمشق محدودة، لأن قواتها تفتقر إلى الانضباط والتنظيم، إذ ما تزال مرتكزة إلى هياكل شبيهة بالميليشيات، وفق تقييم نشره مركز صوفان للدراسات. فضلاً عن ذلك، ما تزال بعض الفصائل داخل الجيش – بما في ذلك آلاف المقاتلين الأجانب – تتشبّث بمعتقدات جهادية، وقد لا تكون ملتزمة بقتال داعش. كما أن بطء تقدم المحادثات بين دمشق وقسد سيكون له دور سلبي في إدماج حكومة دمشق في التحالف الدولي.
الدور الأميركي لا يُفهم على أنه وساطة فحسب، بل هو إشراف مباشر على بناء الهيكل الأمني السوري الجديد، بحيث يُعاد توحيد البلاد عسكريًا ضمن منظومة توازنات ترعاها واشنطن، وتضمن لـ “قسد” درجة من اللامركزية داخل الجيش. بذلك، تحاول الولايات المتحدة تحويل وجودها العسكري إلى نفوذ مؤسسي طويل الأمد، عبر دمج حلفائها في البنية الرسمية للدولة السورية.
ثالثاً: تعليق العقوباتخلال الزيارة، أعلنت إدارة ترامب تمديد تعليق العقوبات المفروضة على سوريا بموجب «قانون قيصر» لستة أشهر إضافية، بعد أن كانت مجمّدة منذ لقائه الأول مع الشرع في السعودية منتصف العام.
ومع ذلك، ما تزال العقوبات الأكثر صرامة على دمشق قائمة، ولا يمكن رفعها بالكامل دون موافقة الكونغرس. كان الهدف المباشر للشرع في واشنطن هو الضغط من أجل إزالتها كاملة، مع حثّ ترامب على الضغط على إسرائيل لوقف هجماتها على سوريا، وسحب قواتها من جنوب البلاد. لكن الحصيلة كانت فقط تمديد التعليق. ورغم ذلك يعدّ هذا مكسباً لسلطة دمشق، لأنه خلال الشهور الستة الماضية، التي يُفترض أنها كانت فيها تحت الرقابة الأميركية لتلبية شروط التمديد، ارتكبت قوات دمشق مجزرة السويداء، وما زالت المنطقة الدرزية تحت الحصار، لكن رغم ذلك أمر ترامب بتمديد تعليق العقوبات.
وعلى الرغم من تعليق إدارة ترامب لقانون قيصر، فإن التهديد بإمكانية إعادة فرض العقوبات يُشكِّل رادعاً للشركات الأميركية التي تسعى إلى ممارسة الأعمال التجارية في سوريا، وفقاً لصحيفة واشنطن بوست.
في المحصلة، يُعدّ هذا القرار لافتاً لأن مجزرة السويداء التي أسفرت عن مئات القتلى، لم تمنع واشنطن من المضي في التمديد، وهو ما يشير إلى أن الاعتبارات الاستراتيجية تغلّبت على البعد الحقوقي، وحتى على قائمة الشروط الأميركية. بل إن البيت الأبيض بدأ يلمّح إلى إلغاء القانون نفسه، والشروط التي قد تُربط بهذه الخطوة ستكون شكلية لتغطية القرار سياسياً، لا لضبط سلوك دمشق فعلياً في الوقت الحالي.
رابعاً: البعد الداخلي الأميركيلم يخلُ الانفتاح على دمشق من تداعيات داخلية في واشنطن. فقد انتقدت النائبة الجمهورية “مارجوري تايلور غرين” الرئيس ترامب بسبب استقباله الشرع، ودعته إلى التركيز على الشأن الداخلي الأميركي، وهو ما ردّ عليه ترامب بقوله إن غرين «ضلّت طريقها».
هذا الجدل يعكس أن الانفتاح على سوريا قد يصبح عبئاً سياسياً على ترامب داخل الحزب الجمهوري، خصوصاً في ظلّ تصاعد التيار الشعبوي الذي يرفض الانخراط في ملفات الشرق الأوسط. وعشية زيارة الشرع إلى واشنطن وجه أكثر من 100 من كبار رجال الدين المسيحيين في أميركا رسالة إلى ترامب يحثّونه فيها على ممارسة الضغط على الشرع من أجل إيقاف المجازر بحق الأقليات وحماية المسيحيين.
لذلك، سيتعيّن على البيت الأبيض موازنة هذا الانفتاح مع ضغط التيار المحافظ الذي يخشى أن تتحول «الشراكة مع الشرع» إلى ورطة سياسية أو مالية جديدة، أو غطاء لمجازر قد ترتكبها القوات الموالية لسلطة دمشق.
خامساً: الرهان الأميركي.. بين الجائزة والمخاطرةمن منظور واشنطن، تمثّل سوريا في عهد أحمد الشرع جائزة استراتيجية وفرصة نادرة لإعادة هندسة التوازن في المشرق.
لكنها في الوقت نفسه مغامرة محفوفة بالمخاطر في بيئة إقليمية شديدة الاضطراب. ففي الوقت الذي يغرق فيه لبنان في انهيار سياسي واقتصادي متسارع، ويظلّ العراق ساحة مفتوحة للميليشيات الموالية لإيران، ترى الإدارة الأميركية في دمشق الركيزة الوحيدة الممكنة لإعادة بناء استقرار نسبي في المشرق. لكن من المعروف أن هناك اعتبارات مالية وشراكات اقتصادية بين فريق ترامب وعائلته مع حكومات إقليمية تدعم الرئيس السوري، ومن غير المستبعد أن يكون تأثير هذا العامل كبيراً في رسم السياسات الأميركية تجاه سوريا.
وقد لخّص هذا الموقف بوضوح “جوشوا لانديس”، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما، في تصريح لشبكة سي إن إن، بالقول: “الولايات المتحدة تُقامر مقامرةً كبيرة على أحمد الشرع وسوريا”.
خاتمة تؤكد حصيلة الزيارة أن سوريا لم تدخل في مرحلة الإشراف الأميركي، بل تحوّلت إلى مكوّن داخل منظومة التحالف الدولي والأمن الإقليمي. فانضمامها إلى التحالف، ولو سياسياً، وتعليق العقوبات، وبدء مسار دمج «قسد» تحت إشراف القيادة المركزية الأميركية، كلها إشارات إلى اندماج تدريجي في المدار الأميركي، لكن مع عنصر جديد وهو تحميل دمشق تكاليف عدم الاتفاق. أي أن أخطر ما في الأمر سيكون عرقلة الاتفاق مع قسد.
بناءً على ذلك، سيكون إنجاز مرحلة الاندماج هو ورقة السلطة الرابحة، خاصة أنه سيشمل في رؤية أوسع ضمانات لحماية الأقليات من أي مجازر أو انتهاكات.
لكن في المقابل، يبقى الجدل الداخلي في واشنطن واحتمال تحوّل سوريا إلى عبء سياسي على ترامب عاملين قد يفرضان حدوداً على هذا الانفتاح، ويجعلان من المسار الأميركي – السوري رهينة التوازن بين السياسة الواقعية ومناخ الانقسام الداخلي في الولايات المتحدة.
من موقع المركز الكردي للدراسات




