كرسي الشرع يرتكز على التفريط بالمقدرات.. ومرتهن لأردوغان الذي قد يقتفي خطا صدام حسين

كمال حسين
رغم ترديد كلام كثير على شبكات التواصل الاجتماعي يفيد بأن زيارة الشرع ووزيره الشيباني إلى الولايات المتحدة الأمريكية؛ ولقاؤهما مع الرئيس ترامب قد رافقها الكثير من اللقاءات السرية البعيدة عن وسائل الإعلام، وقد تمخضت عن عديد من الصفقات كان من أهمها القبول الضمني باعتراف الرئيس ترامب الأخير بحق إسرائيل بضم الجولان السوري.
رغم كل ذلك، ورغم أن الصفقات من أجل البقاء في كرسي الحكم باتت تزكم الأنوف لكثرتها أولاً، ولافتضاحها ثانياً بمواجهة الصمت المطبق حيال الانتهاكات اليومية للسيادة الوطنية، وحتى هدر الكرامة الوطنية المتمثلة بالتنازل عن حقوق الشعب والدولة، دون الحصول على أي تفويض من أي نوع، غير كذبة “من ينتصر يقرر”، ومهزلة “الشرعية الثورية”.
فإن اللاعب التركي المسكون بحلم دولة الخلافة، والمتحكم بقرار الشرع وفريق حكمه؛ لم يتعظ من الرسائل الترامبية المتكررة، والتي من شأنها أن تبدد أحلام أردوغان وأدواته الإرهابية حول الانسحاب الأمريكي، أو حول رفع العقوبات عن سلطة دمشق، وحول التخلي عن قسد، أو إعطاء ضوء أخضر لتنفيذ عملية عسكرية تركية إسلاموية ضدها، ولم يصدق غير أوهامه، كما لم ينصت إلا للشطر الأول الذي يلبي رغباته في كلام الرئيس الأمريكي.
أما كيف يمكن تقرير ذلك، وكيف يمكن الاستنتاج بأن الدفع التركي هو باتجاه الصِدام مع مناخ السلام والديمقراطية الذي يحاول أن يشق طريقه إلى أجواء تركيا والمنطقة من خلال مبادرات القائد أوجلان الداعية إلى التخلي عن العنف الثوري، وعن لزوم ترك السلاح، إلى اعتماد مانفستو السلام والمجتمع الديمقراطي كطريق أمثل لتحقيق آمال شعوب المنطقة بالتحرر والعدل والتحضر والرفاه. ولأن الحكومة التركية الحالية المشكلة من تحالف قوميين وإسلاميين أتراك؛ قد أصبحت في مأزق تاريخي وواقعة بين خيارين، خيار السلام والديمقراطية والقبول بفكرة الأمم الديمقراطية وأخوه الشعوب، وبالتالي خسارة موقعها بالتدريج، وتراجع أحلامها في تحقيق الدولة الامبراطورية الواسعة، دولة الخلافة والعقيدة الإسلامية، الدولة التي تتجاوز حجم ووزن دولة تركيا الحالية، أو الصِدام التناحري مع المدرسة السياسية والفكرية الأوجلانية من أساسها؛ لذا نرى واقع الارتباك والتخبط هو المسيطر على سياسة التحالف الحاكم في أنقرة، ونراه في طور من يهرب من استحقاقات السلام المتنامية في الشارع التركي على وقع المبادرات الأوجلانية، وهو في دورة تهربه يقحم موضوع قسد وسلاح قسد وصيغة قسد ضمن اشتراطاته للولوج في عملية السلام.
وإلى ذلك تتكاثف الجهود التركية لإجهاض وعرقلة أية تفاهمات يمكن أن تحصل بين سلطة الشرع وقوات سوريا الديمقراطية – قسد، وعلى وجه التحديد تفاهمات 10 آذار، وليس هذا فقط بل تسعى إلى تأجيج الخلاف بين الطرفين، وتشجيع سلطات الجولاني على خوض معارك ضد قوات قسد، وذلك عبر الزج بالفصائل الأكثر تطرفاً والموالية لسياستها كالعمشات والحمزات، وتلك التي يغلب العنصر التركماني على تكوينها إلى أتون المواجهة، وحيث كانت قد شهدت الأشهر الماضية أشرس المعارك للسيطرة على سد تشرين كانت نتيجتها الفشل الذريع لقوى الإرهاب أمام الصمود الأسطوري لقوى قسد ومؤسسات الإدارة الذاتية.
كما تتالت عمليات الحصار والتضييق، ومنع إدخال المواد والمحروقات إلى حيي الأشرفية والشيخ مقصود في حلب، كما تكررت محاولات العدوان على الحيين.
تركياً، الثنائي أردوغان وبهجلي على مفترق طرق تاريخي، ونقطة المساومة لديها الآن هو سوريا، والعبث بمصيرها ومصير شعبها، فما أن يغادر وزير خارجيتها حقان فيدان دمشق حتى يعود أو يستدعى الشرع إلى أنقرة عند ظهور أي بادرة تفاهم جدية بين السلطات السورية وقوات سوريا الديمقراطية، أو عندما يرجح في قرار الشرع أدنى توجه مستقل أو جديد باتجاه السعودية أو المحيط العربي، وبهذا الوضع، وضمن معادلة النفوذ التركي الغالب على سلطة الشرع الذي عَوَّمَ في الميدان دور الفصائل الجهادية الإرهابية المتطرفة داخل مؤسسات الدولة وداخل الجيش؛ يصبح من المحتم أن التصعيد على المسرح السوري هو سيد الموقف، وأن خطر المواجهة الشاملة بين مشروع الدولة الديمقراطية اللامركزية؛ دولة جميع المكونات والثقافات، التي توحد وتحفظ حقوق الجميع؛ وما بين دولة التطرف والقتل والتهجير والإرهاب، وما تشهده اليوم مدينة حلب، والحصار المطبق المتكرر على حيي الشيخ مقصود والأشرفية، وتكرار عمليات الهجوم على نقاط حماية الحيين، وخرق الاتفاقات والتفاهمات التي نظمت العلاقة في موضوع الحيين، ثم الاعتداء السافر على دير حافر، والجرائم بحق السكان الآمنين، وقطع الطرق الرئيسية بين حلب ومناطق شرق الفرات، إضافة إلى تدفق أرتال الجيش التركي نحو العمق السوري، واحتلال مطار كويرس؛ بات قريباً، وما هي هذه التحركات إلا تطعيم لمعركة يستعد المحور التركي والإسلامي المتطرف إلى إشعاله على الأرض السورية.
فالحرب على الأرض السورية هدفها الصريح القضاء على قسد، وهذا الهدف المُلِح الذي ينصب الاهتمام التركي عليه تجري المداورة لبلوغه عبر ضرورة انخراط قسد، والذي بزعمهم قد تأخر كثيراً؛ في جيش الشرع، هذا الجيش الذي تمت لملمته من بقايا تنظيمات إرهابية لا صلة لها بقواعد عمل الجيوش، وإزاء ذلك تناغمت تصريحات الشرع مع التهديدات الأردوغانية بالقول “إذا لم تندمج قوات قسد في جيش نظامه فستواجه حتماً العواقب التركية، وقد يكون الشرع مصيباً في هذه المقاربة لأنه يعرف أكثر من غيره إنه هو نفسه ليس طليقاً في خياراته، وأنه ثمة عبرة بوجود جبهتين من الأساس في حركة إسقاط نظام الأسد؛ الأولى ما تسمى ردع العدوان، وهي من قامت بالجهود الأساسية لعملية الإسقاط، بدعم ومساندة خارجية، عبر خطة معدة مسبقاً، وما تسمى جبهة فجر الحرية، وتمثل ذراعاً تركياً بحتاً من فصائل إرهابية تركمانية لم تلعب دوراً هاماً في إسقاط هذا النظام.