مقالات رأي

ملتـ.ـقيات ورسائل تستبعد العـ.ـنف وترسم طرقاً أوجـ.ـلانية مستجدة لبلوغ السـ.ـلام والاستـ.ـقرار

كمال حسين

في إطار الترجمة الحية للتوجهات والمبادرات التاريخية الجديدة التي أطلقها القائد الفيلسوف عبد الله اوجلان في شهر شباط الماضي، وبما ينسجم مع خصائص الوضع السوري الملموس؛ فقد جاء انعقاد الملتقى السوري الخامس برعاية حزب الاتحاد الديمقراطي في مدينة الحسكة السورية قبل أيام قليلة، وتحت شعار “مانفستو السلام والمجتمع الديمقراطي ضمان لبناء سوريا الجديدة”.

بمثابة خطوة هامة ودليل عمل يوضع أمام المكونات السورية، وأمام شعوب المنطقة وتعبيراتها السياسية في هذه اللحظة من احتدام الصراع المحلي والإقليمي على شكل سوريا وخياراتها.

فالمؤتمر الذي جاء توقيته متناسقاً مع الذكرى الثانية والعشرين لتأسيس حزب الاتحاد الديمقراطي، ومتناغماً مع نشاطات عدة؛ كان أبرزها الاجتماع الموسع الذي عُقِدَ قبل يوم واحد لمجلس سوريا الديمقراطية، والبيان الصادر عنه، والذي أكد على ثوابت مجلس سوريا الديمقراطية في توجهاته لحل الأزمة السورية، وعلى ضرورة استمرار الحوار لتنفيذ تفاهمات 10 آذار، وعلى إدانة أعمال العنف، وضمان مشاركة جميع المكونات عبر صيغة مؤتمر وطني شامل لا يقصي أحداً، ويضمن مشاركة فعالة للمرأة، وإلى ذلك لا يمكن النظر إلى دلالات هذا الملتقى الحواري السوري تحت هذا الشعار المذكور آنفاً إلا كحلقة أو محطة من سلسلة حلقات بدأت تتواتر في أحداث ديناميات جديدة في إيقاع الأزمة السورية وفي تشابكها مع أزمات المنطقة.

ولا شك بأن البداية كانت مع الانعطاف الكبير الذي حمله نداء القائد اوجلان؛ والداعي إلى التخلي عن حمل السلاح، وإلى نبذ العنف، والدعوة إلى مؤتمر عام يقوم بمهمة حل حزب العمال الكردستاني، الذي نشأ في ظروف القرن الماضي، وتأثر بقيم العنف الثوري التي كانت سائدة، وهو القرن الذي يعد بحق من أشد قرون التاريخ لجوءاً للعنف، حيث شهد حربين عالميتين.

وبالتتابع، فلقد عُقِدَ المؤتمر الذي اهتم بحل الحزب، وبدأت الخطوات الجدية للتخلي عن السلاح، وأحرق في خطوة رمزية مجموعة من المقاتلين سلاحهم، وتقدم القائد إلى مواقع متقدمة في تنفيذ تعهداته وبما ينسجم مع رؤيته لتركيا جديدة ديمقراطية متعددة الأعراق والمكونات.

الأمر الذي كان يتطلب من الجانب التركي المفاوض إجراء تعديلات دستورية جادة، تتقاطع مع مبادرات القائد اوجلان، وتلقف خطوات الجانب الكردي بشيء من علامات حسن النية، وإطلاق حرية القائد أو دعوته إلى القاء خطاب أمام البرلمان التركي؛ يتوج فيه صيغة عقد سلام تاريخي جديد لدولة تركية جديدة، كما كان دولت بهجلي زعيم حزب الحركة القومية قد اقترح في محطات حوار سابقة، وكما كان قد تسرب إلى وسائل الإعلام.

لم يخطُ الجانب التركي بأية خطوات باتجاه تنفيذ التزاماته، وبدأ وكأنه قد فوجىء بمستوى الجدية التي تخلق بها الطرف الكردي، وكأنه لم يكن مصدقاً أن حزب العمال الكردستاني سيتخلى بهذه السرعة عن نهجه الكفاحي السابق.

لقد ظن الأتراك، أصحاب الوجه الإسلامي القوموي في البداية إن في المقاربة الأوجلانية السريعة نحو السلام تكتيكية وسياسية وليست قناعة راسخة لها جذورها العميقة في الفلسفة السياسية الكامنة في تنظير الأمم الديمقراطية المرافقة مع قيم المجتمع الديمقراطي.وقد بدأوا بالمماطلة والالتفاف، وقد بدأ على السياسة التركية الإرباك، وبدأت الاشتراطات الأردوغانية ترفع سقوفها، وصارت تقحم سلاح قسد السورية ضمن شروط ومستلزمات السلام مع قضية الكرد في تركيا.

وهكذا حينما تربط السياسة التركية مصير عملية السلام الجارية في بلادها باشتراطات تتعلق بحسابات وطنية تخص بلداً آخر؛ تكون قد تنصلت من تعهداتها، وكشفت عن نزعتها في التدخل السافر في شؤون بلد مستقل آخر، وهنا تشير الوقائع والتطورات التي تبعت مبادرة شباط؛ إن الأتراك بقيادة الثنائي أردوغان بهجلي بدأ يخسر أخلاقياً في الصراع الدائر حول القضية الكردية، وفي ملفات المنطقة، وحيث أصبح التوجس الكردي في مكانه، وتتالت بعد ذلك رسائل القائد أوجلان التي تتحسب للأفراد التركية.

الرسائل التي تقول إن ملف روجافا منفصل عن مقتضيات الوضع في تركيا، والمكاسب التي حققها مناضلو قسد خط أحمر لا يجوز المساس بها، ثم جاءت رسالته إلى الشبيبة، والرسالة الأهم كانت التي توجه بها إلى العشائر العربية.

أما عن رسالة القائد أوجلان إلى العشائر العربية في المنطقة؛ فثمة شيء مهم أراد القائد أن يسلط الضوء عليه في هذه المرحلة الحرجة التي تزايدت فيها الأطماع والمخططات التركية والإيرانية وسواها؛ مفادها أن تاريخ المنطقة لم يسجل يوماً صراعاً عربياً كردياً، بل على العكس هو تاريخ من المعارك المشتركة والمصالح المشتركة بين العرب والكرد، معارك بدأت مع صلاح الدين الأيوبي، وتتواصل إلى اليوم، وعلى جميع الجبهات، والأمتان مستلبتان ومجزأتان، وتحتاجان إلى نضال مشترك لاستعادة مكانتهما. وفي السابق كثيراً ما تردد في الأدبيات السياسية اليسارية، خاصة إن حركة التحرر العربية والكردية تعدان حركة واحدة.

وبالانطلاق من الروحية المحفزة لقيم السلم والديمقراطية التي تحملها هذه الرسائل والتوجهات الأوجلانية لشعوب المنطقة ومكوناتها؛ نستطيع أن نفهم الوظيفة المرتجاة لدور الملتقيات والاجتماعات المكثفة الأخيرة، وعلى وجه الخصوص الملتقى السوري الخامس الذي كنا بصدده في مستهل موضوعنا. هذا الملتقى الذي أحيط باهتمام بارز ومشاركة حثيثة من أنساق الحزب الأولى في هيئة الرئاسة المشتركة لحزب الاتحاد الديمقراطي، والإدارة الذاتية، وبحضور ممثلين عن أحزاب وتيارات وجمعيات في المجتمع المدني السوري، ومن كافة أنحاء الجغرافيا السورية.

بالإضافة إلى باحثين وأكاديميين قدموا من العاصمة وباقي المدن السورية؛ قد أغنوا بأبحاثهم أعمال المؤتمر، لكن ما يجب على المراقب التوقف عنده وهو يطالع في مغزى هذا الملتقى، وفي الرسالة التي عمد إلى توجيهها يمكن الاحتفاظ بنقطتين.

الأولى، تنامي الشعور بالاستياء والغضب من دوام الحجز على حرية القائد أوجلان، حيث أجمع غالبية المتداخلين على توجيه اللوم الشديد للسلطات التركية على إمعانها في تجاهل نداءات المنظمات الحقوقية العالمية الرامية إلى رفع القيود عن حرية المفكر والفيلسوف أوجلان.

والثانية، تسليط الضوء على الأبعاد المعرفية، وعلى تشخيص الفلسفة السياسية لمضامين التحديثات في الخطاب الأوجلاني المستجد، وعن كفاءة هذا التنظير في أن يقدم برنامجا للخروج الآمن من الأزمة السورية، حيث من نافل التذكير بالإضاءة العميقة وذات الدلالة التي قدمها القيادي والمناضل المهندس آلدار خليل في محاضرته ضمن برنامج الملتقى حول مفهوم مانفستو السلام والمجتمع الديمقراطي؛ حيث قدم شرحاً بَيَّنَ فيه أن طريق الثورة اليوم طريق الشعوب لبلوغ أهدافها في الوصول إلى مجتمع الكرامة والحرية والعدل، هو طريق السلام والمجتمع الديمقراطي، وهو نفس الطريق الذي يحتاجه السوريون للعبور والخلاص.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى