مقالات رأي

قانـ.ـون قيـ.ـصر من مجرد أداة عقـ.ـوبات اقتـ.ـصادية إلى خريطة طريق سـ.ـياسية مشروطة

رياض يوسف

يعد قانون قيصر الذي فُرِضَ على النظام السوري السابق؛ من أكثر القوانين التي أثرت على هذا النظام، من الناحية السياسية والاقتصادية، نتيجة أسباب تشريعه التي تجاوزت حدود الإنسانية والعقل البشري، إلا أن الشعب السوري كان المتضرر الأكبر منه، لما له من تداعيات على الاقتصاد، وارتفاع الدولار أمام العملة السورية، وما زال هذا القانون ساري المفعول إلى يومنا هذا.

عملت كل من أمريكا ودول الاتحاد الأوربي، وبطلب عربي على تخفيف هذا القانون إلى حدٍ ما، بعد سقوط نظام الأسد، ومن ثم إلغاءه، إلا أن خلفية حكومة الشرع الجهادية، والانتهاكات التي قاموا بها في المدن السورية بحق الأقليات كانت السبب في عودة هذا القانون إلى الواجهة من جديد؛ بعد تخفيفه نوعاً ما؛ تماشيا مع الوعد الذي قطعه الرئيس ترامب لناحية رفع العقوبات المفروضة على سوريا، حيث قام بإصدار إعفاء لمدة 180 يوماً من العقوبات الإلزامية التي يفرضها هذا القانون، وذلك لضمان عدم عرقلة العقوبات لقدرة شركاء أمريكا على القيام باستثمارات داعمة للاستقرار في سوريا، والدفع قُدُمَاً بجهود التعافي، وإعادة الإعمار.

وتسهل هذه الإعفاءات جهود توفير الكهرباء والطاقة والمياه وخدمات الصرف الصحي، كما تتيح استجابة إنسانية أكثر فعالية عبر مختلف أنحاء البلاد.

كما أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية أيضاً الرخصة العامة رقم 25، والتي تسمح للأفراد الأمريكيين بإجراء عمليات سبق أن حظرتها لوائح هذه العقوبات على سوريا، وتتيح الرخصة أيضاً إجراء أنشطة جديدة في مجالي الاستثمار والقطاع الخاص، بما يتوافق مع سياسة الولايات المتحدة أولا، التي ينتهجها الرئيس ترامب. وتمنح كذلك شبكة إنفاذ قوانين الجرائم المالية إعفاء استثنائياً يسمح للمؤسسات المالية الأمريكية بالحفاظ على حسابات مراسلة لمصرف سورية المركزي. ضمن هذه المهلة ارتكبت القوات التابعة لسلطة دمشق المجازر بحق الأقليات الدينية والاثنية، في الساحل السوري بحق أبناء الطائفة العلوية الكريمة، وفي السويداء بحق أبناء الطائفة الدرزية الكريمة.

سقط أكثر من ثلاثة آلاف شهيد، كما تم سبي نسائهم وسرقة وحرق أملاكهم، عداك عن إهانة رموزهم وكرامتهم،غير آبهين بمصلحة الشعب السوري، وما قدمته هذه المهلة من فرصة لعودة الحياة إليهم.

ما دفع أعضاء الكونغرس الأمريكي وخاصة السيناتوران الأمريكيان، الجمهوري “ليندسي غراهام” والديمقراطي “كريس فان هولن” إلى إعادة طرح قانون قيصر، وعودته لواجهة النقاش داخل أروقة الكونغرس الأمريكي عبر تعديل جديد بشروط أكثر تشديداً، مرفقاً بمشروع قانون الدفاع الأمريكي.

الأكثر إثارة للجدل إن القانون بنسخته، أو بطرحه الجديد يقيد أي قرار رئاسي بتعليق العقوبات على دمشق، حيث يفرض على الرئيس الأمريكي أن يرفع بشكل دوري كل 120 يوماً تقريراً للكونغرس الأمريكي يوضح فيه مدى التزام السلطات المؤقتة في سوريا بالشروط التي تم تحديثها في القانون.

لنسرد معاً هذه الشروط، ونتحدث عنها بشكل مختصر وموجز، ومستوى وإمكانية تطبيقها على أرض الواقع:

أولاً، حماية الأقليات الدينية والإثنية، وضمان تمثيلهم في مؤسسات الحكم:

منذ سقوط نظام الأسد، واستيلاء أحمد الشرع على الحكم في دمشق، ارتُكِبَتْ مجازر بحق العلويين في الساحل السوري، وفي مدينة السويداء بحق الدروز، والتفجيرات طالت كنائس المسيحيين، والقصف والاعتقالات والخطف يطال مناطق الكرد في إقليم شمال وشرق سوريا، والانتهاكات والتغيير الديمغرافي والتركيب السكاني جارٍ على قدم وساق بين حكومة دمشق ودولة الاحتلال التركي في عفرين وسري كانييه وكري سبي/ تل أبيض المحتلة.كما تم تشكيل حكومة انتقالية بلون واحد وايديولوجية سياسية إسلامية راديكالية واحدة، والعمل جارٍ على تنظيم ما تسمى انتخابات لأعضاء ما يسمى مجلس الشعب السوري، مستثنية مدينة السويداء (الطائفة العلوية) ومدينة الرقة (عرب وكرد) وإقليم شمال وشرق سوريا بكردها وعربها وسريانها وإيزيديها وشركسها وأرمنها.

على أحمد الشرع سحب الثقة من الحكومة الانتقالية المعينة، وإعادة تشكيل حكومة انتقالية جديدة منتخبة تضم كافة السوريين وخاصة الأقليات، كما عليه إصدار قرار يلغي القرار القاضي باستثناء مدن الرقة والسويداء والحسكة من انتخابات ما تسمى مجلس الشعب. فهل سيقدم الشرع على فعل هذا؟ والجواب هو لا.

ثانياً، إخراج المقاتلين الأجانب من أجهزة الدولة والأمن:

رغم أن مصدران مطلعان قالا بإن مبعوثين أميركيين وفرنسيين وألمان حذروا الإدارة السورية الجديدة من أن تعيينهم لمن وصفوهم بـ”جهاديين أجانب” في مناصب عسكرية عليا؛ يمثل مصدر قلق أمني ويسيء لصورتهم في محاولتهم إقامة علاقات مع دول أجنبية؛ إلا أن إدارة أحمد الشرع في أواخر العام المنصرم أجرت نحو 50 تعييناً، بما في ذلك 6 مقاتلين أجانب على الأقل، من بينهم صينيون وإيغور من آسيا الوسطى، وتركي، ومصري، وأردني. وقال مصدر عسكري سوري إن 3 منهم حصلوا على رتبة عميد، و3 آخرين على الأقل حصلوا على رتبة عقيد. فهل سيتمكن الشرع من تسريح هؤلاء من الجيش وترحيلهم، رغم أنه رفض وبرر ذلك بأنهم ساعدوه على إسقاط النظام السابق؟

ثالثاً، فتح تحقيقات ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة بحقوق الإنسان منذ 8 ديسمبر 2024، لا سيما المجازر ضد الأقليات:

ما زال منفذو المجازر بحق أهلنا العلويين في الساحل السوري طلقاء دون محاسبة، رغم التوثيق بالصوت والصورة بأنهم عناصر تابعة للسلطة في دمشق، وأنهم أقدموا على القتل على الهوية، والأنكى من ذلك أن حكومة الشرع برأت قواتها لـتتهم فلول النظام السابق بارتكاب المجازر بحق أبناء طائفتهم. ولم تكشف هوية أي من هؤلاء. وباعتبار أحمد الشرع القائد العام للجيش والقوات المسلحة السورية، فهو المسؤول الأول عن تصرفات وتحركات الجيش، إذاً هو يجب أن يحاسب في المقام الأول ووزير دفاعه في المقام الثاني بجريمة ارتكاب مجازر وتطهير عرقي بحق الأقليات في سوريا، ومن ثم محاسبة المنفذين المباشرين. وهذا غير ممكن، إن لم نقبل هو مستحيل.

رابعاً، الالتزام بمحاربة داعش والجماعات الإرهابية، والانضمام رسميًا إلى التحالف الدولي لهزيمة داعش:

حتى في هجوم الفصائل التابعة لسلطة دمشق على مدينة السويداء، شاهد ووثق الإعلام المحلي والعربي والدولي رايات وشعارات تنظيم داعش الإرهابي على أكتاف هؤلاء المقاتلين، يرفعون شعار داعش، ويتفاخرون بانتمائهم، ويمرون على الجواجز، ويتجولون في شوارع دمشق دون أي خوف، حتى بات شعاراتهم تباع في المحلات في الأسواق الشعبية بالعاصمة السورية، وما زالت الخطابات التحريضية الجهادية تنشر وتبث من باحات الجوامع، والأغاني التي تشجع على الفتنة والتحريض ضد الأقليات تبث من ساحات دمشق. فهل سيتمكن الشرع من وضع حد لهؤلاء وطردهم من سوريا، لا أعتقد أنه هذه ممكن، لأن جيشه بالكامل ذو فكر سلفي جهادي إسلامي راديكالي ولا يستطيع الاستغناء عنهم.

خامساً، الحفاظ على علاقات سلمية مع الجوار، بما في ذلك إسرائيل.

علاقة حكومة أحمد الشرع جيدة مع تركيا فقط، لأنها هي أيضاً تعادي الكرد، كما تدعمها في محاولة القضاء على الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا عبر قصفها المتكرر للبنى التحتية والمؤسسات المدنية، واستهدافها بالمسيرات لشخصيات عسكرية وإدارية في الإدارة الذاتية، وكون لها أجندات توسعية في الشمال السوري.

أما لبنان بالتجاوزات مستمرة داخل الحدود اللبنانية من قبل فصائل تابعة لسلطة دمشق، وما زال تهريب المخدرات (الكبتاغون) جارية بشكل شبه يومي اتجاه الأردن حسب بيانات رسمية أردنية. كما تبث بشكل دوري خطابات وفيديوهات تهدد وتتوعد إسرائيل من قلب دمشق من قبل فصائل متشددة تابعة لسلطة دمشق، وهذه هي عقلية تلك الفصائل ولن تستطيع التخلي عن فكرها الجهادي السلفي التي لا تقبل غيرها.

سادساً، الامتناع عن تمويل أو دعم أو إيواء جماعات إرهابية تهدد الأمن القومي الأميركي أو أمن الحلفاء:

وهنا تقصد أمريكا إسرائيل وقوات سوريا الديمقراطية، حيث لم تتوقف الهجمات على قوات سوريا الديمقراطي من قبل فصائل جهادية إسلامية تابعة لسلطة دمشق، ودولة الاحتلال التركي في نقاط التماس في دير الزور وحلب وسد تشرين ودير حافر، دون أن تبدي السلطة أية ردة فعل تحيل دون ذلك، كما أن فصائل منضوية تحت سقف وزارة الدفاع كالحزب الإسلامي التركتساني والكتيبة الألبانية وحركة مهاجري أهل السنة والجهاديين الشيشان وكتيبة أنصار الإسلام، وجماعات أخرى مثل تنظيم حراس الدين والجهاديين الأوزبك وغيرهم؛ لم تتوقف عن تهديد الأقليات تحت اسم النصارى والملحدين والنصيريين، وكذلك تهديد إسرائيل بأنهم قادمون، وأن الهدف ليس دمشق فقط بل القدس.

وهؤلاء جميعاً جاء بهم الشرع إلى دمشق. فهل يستطيع الشرع طردهم أو محاربتهم في سوريا وهم جزء من منظومته وجيشه، بالطبع لا.

وهنا بالنسبة للأقليات فإن إدراج بند واضح حول حمايتهم ومحاسبة المتورطين في المجازر ضدهم؛ يعكس ضغطاً أميركياً متصاعداً على الحكومة المؤقتة السورية.

وهذا قد يمنح المجتمعات مثل السويداء ورقة قوة سياسية جديدة في مواجهة الاستبداد والهيمنة العسكرية.

أما بالنسبة للشرع وحكومته؛ فوجود شرط صريح حول طرد المقاتلين الأجانب، والتحقيق في الانتهاكات؛ يضع قيادة هيئة تحرير الشام تحت مجهر المساءلة الدولية، وهو ما قد يُضعف شرعيتها.

كما أن على مستوى المنطقة فإن إدخال بند الحفاظ على علاقات سلمية مع إسرائيل لأول مرة بهذا الوضوح، يعكس تغيّر أولويات واشنطن من مجرد مكافحة الإرهاب إلى إعادة رسم شكل العلاقة بين دمشق وجيرانها، وهو شرط سيكون له تبعات سياسية شديدة الحساسية عربياً وإقليمياً.

وبالمناسبة فإن توقيت هذا التعديل يُظهر توافقاً نادراً بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في ملف يتعلق بسوريا، ويشير إلى أن أي محاولة من الإدارة الحالية للالتفاف على العقوبات ستواجه قيوداً صارمة من الكونغرس.

القانون بنسخته المعدّلة ليس مجرد أداة عقوبات اقتصادية، بل أصبح خريطة طريق سياسية مشروطة، تستهدف شكل الحكم في سوريا، ومصير المكوّنات الدينية والإثنية، وعلاقات دمشق الإقليمية، وحتى توازن السلطات داخل الولايات المتحدة نفسها بين الرئيس والكونغرس.

فهل سيتمكن أحمد الشرع من تنفيذ مطالب الكونغرس الأمريكي في البنود التي أدرجت في قانون قيصر المعدل خلال مهلتين متتاليتين أي 240 يوماً، أم أن هذا المطالب تهدد عرشه المبني على لون واحد وفكر واحد رافض للغير؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى