مانشيتمقالات رأي

احتلال دمشق

محسن عوض الله

عنوان قد يبدو صادمًا للبعض، وقد يتهمني آخرون بالمبالغة، لكن إحقاقًا للحق لم أجد أفضل منه للتعبير عن إحساسي وأنا أتتبع التصريحات التركية المتواصلة على مدار أيام، من رأس الدولة أردوغان، مرورًا بحليفه بهتشلي، وانتهاءً ببيان وزارة الدفاع التركية، وتدخلهم السافر في شؤون سوريا وكأنها ولاية عثمانية لا سيادة ولا احترام لها.

لا يحمل الأمر شيئًا من المبالغة، قدر ما يحمل من صدمة حقيقية. من التصريحات التي اتفقت في مضمونها وتشابهت في ألفاظها، ووحدت رسائلها المباشرة وغير المباشرة بطريقة لم تترك لحكومة دمشق شيئًا لتقوله.

من يتتبع هذه الرسائل سيجد أنها في الوقت الذي تهدد فيه قسد مباشرة، تسلب في الوقت ذاته من الحكومة السورية أعز ما تملك: سيادتها وشرفها السياسي.

لم تجرؤ الحكومة في دمشق على الرد بما يستر سؤتها، وكشف أردوغان ورجاله عجزها الفاضح أمام الرأي العام.

على مدار ثلاثة أيام، كانت سوريا وقسد محور السياسة التركية. بدأها أردوغان يوم الثلاثاء بتصريحه: “الكرد أينما كانوا إخوتنا ولا أحد يستطيع أن يفرق بيننا”، مع تلميح مبطن لتهديد من يحاولون عرقلة المسار وإثارة الفوضى في سوريا، دون أن يسمي أحدًا.

 هذا التلميح لم يلبث أن تحول إلى تهديد صريح على لسان حليفه بهتشلي، زعيم حزب الحركة القومية، الذي هدد بشن عملية عسكرية ضد قسد بالتنسيق مع دمشق، حال لم تلتزم باتفاق آذار، داعيًا “قسد” في الوقت نفسه للامتثال لمبادرة إلقاء السلاح التي أطلقها الزعيم الكردي عبد الله أوجلان والتزم بها حزب العمال الكردستاني.

وبعد ساعات قليلة، خرجت وزارة الدفاع التركية لتؤكد بشكل رسمي أن سلاح قسد يهدد وحدة سوريا وأمن تركيا، وأنها ستقدم كل الدعم لدمشق لضمان استقرارها وحماية الأمن التركي.

الغريب أن كل هذه التصريحات لم تقابل بأي رد رسمي من دمشق، وكأن العاصمة تهاوت أمام سلطة الكلام التركي دون طلقة رصاص. دخل أردوغان قصر الشعب برفقة حليفه ووزير دفاعه، بينما اختفى الرئيس الشرع ووزير خارجيته عن أي موقف يحفظ ماء الوجه، وكأن صمتهم كان استسلامًا مكتوبًا قبل أن يُقال.

 لم يشعر الشرع ورجاله بأي حرج لإصدار بيان يحمي كرامتهم، ولم تعتريهم نخوة مواجهة من ينزع عنهم سلطاتهم ويهدد قطاعًا كبيرًا من شعبهم.

صمت الشرع، الذي قد يكون محاولة لكسب رضا “الوالي العثماني”، أسقطه في أعين السوريين الذين ظنوا يومًا أن الثورة قد نجحت، وأن لديهم رئيسًا قادرًا على حماية البلاد والعباد والوقوف في وجه التهديدات الخارجية.

تركيا، التي تزعم حرصها على وحدة سوريا ونيتها الوقوف ضد أي مشروع يهدد هذه الوحدة، ستكون هي العامل الأهم في تقسيم البلاد، نتيجة سيطرتها شبه الكاملة على القرار السياسي في دمشق، ما يعزز الانقسامات والخلافات بين حكومة الشرع والمكونات السورية المختلفة.

تركيا لا تريد الخير لسوريا، وليست الحليف القادر على حمايتها، ولم نرَها تحرك ساكنًا في مواجهة الهجمات والانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة جنوب سوريا.

استمرار الشرع في الصمت في حضرة “السلطان العثماني” يجعله نسخة جديدة من بشار الأسد، الذي لم يكن يحرك ساكنًا في حضرة القيصر الروسي بوتين.

ومع تشابه المواقف، يبقى السؤال هل تتشابه النهايات؟ الأيام وحدها كفيلة بالإجابة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى