حـ.ـكومة الشرع تنصـ.ـب القتـ.ـلة وتستهـ.ـتر بالانتقـ.ـادات

كمال حسين
تعم الاحتجاجات مناطق واسعة من البلاد على تعيين حكومة الشرع للمجرم الدولي المدعو حاتم أبو شقرا، المعروف بأنه المنفذ لجريمة اغتيال المهندسة الشهيدة هفرين خلف، رئيسة حزب سوريا المستقبل في العام 2019؛ في منصب القائد العسكري لدير الزور والرقة والحسكة.
الجريمة الموصوفة التي وقعت على طريق الـ m4 الدولي، الحسكة – حلب، وقد طالت شخصية مدنية لا صلة لها بأية أدوار عسكرية أو أمنية، وكان قد تباهى بها في حينها أمام وسائل الإعلام العالمية كإنجاز كبير.
وُلِدَ المجرم أبو شقرا، المدعو أحمد الهابس، بحسب تسمية وزارة الخزانة الأمريكية في بيان معاقبتها له على جرائمه التي ارتكبها في تصفية سجناء أبرياء دون محاكمة؛ في العام 2022 يوم كان مسؤولاً عن سجن يتبع لجماعة ما تسمى أحرار الشرقية الإرهابية، والذي يقع في ريف حلب؛ وُلِدَ في بلدة الشقرا في ريف دير الزور الغربي في العام 1987، وكان قد ترأس ما تسمى حركة التحرير والبناء في العام 2024، والتي تكونت ضمن ما يسمى الجيش الوطني، بعد اندماج أربع حركات إرهابية، ضمت أحرار الشرقية وجيش الشرقية مع صقور الشام، وقوة الـ 20، حصل بمساعدة من المخابرات التركية على شهادة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من جامعة ماردين التركية في العام 2023، وبعد أن رقي إلى رتبة عميد؛ اعْتُبِرَ أهم شخصية عسكرية في المنطقة الشرقية، وبالمقابل، واعتماداً على سجله الإجرامي؛ اعتبرت الناطقة باسم الخارجية الأمريكية يوم الثامن من شهر أيار الجاري قرار تعيينه بخطأ حكومة الشرع الجسيم.
ليس هذا وحسب؛ بل كانت قد توالت تعيينات أصحاب السوابق من قادة الفصائل المرتزقة، وممن لهم تاريخ في الإرهاب والسرقة، ومن التركمان والأجانب من غير السوريين، أمثال أبو عمشة وأبو دجانة، وحتى وزير الدفاع اللواء مرهف أبو قصرة، وغيرهم كثير.
حيث تقول تقارير مطلعة أن أكثر التعيينات، وترفيعات الجيش الأخيرة قد جاءت من بين قادة الفصائل غير السوريين، وتقول إن تعداد هؤلاء قد وصل إلى ثمانية عشر ألفا بينهم بضعة آلاف من المصريين.
أما ماذا لو عاد هؤلاء إلى مصر، وعاد المقاتلين العرب والمسلمين الأجانب إلى بلدانهم بعد أن تكون مهمتهم قد انتهت في سوريا؛ فهل سيعترفون بالدولة المصرية القائمة، أو بغيرها من الدول، أم إلى الوراء در؟ وإن عصر فتوحات جديد سيكون بانتظار خارطة الدول، ومثل هذا التصور لم يعد تخميناً أو افتراضاً لواقع يمكن مصادفته في قندهار.
وليس رجماً بالغيب، بل هو شكل واقعي بدأت ملامحه تحبو في أحياء دمشق واللاذقية وحلب، حيث تجري مداهمات يومية للنوادي ومحلات بيع الخمور، وتجري أعمال القتل والمضايقات والاختطاف والانتهاكات لحرية الأفراد، كما تجري عمليات فرض الحجاب، والتطاول على حقوق النساء، مع تشجيع ممارسات التحقير والإهانة لقيم وعادات الأقليات الدينية والعرقية من خارج مدرستهم السلفية المتطرفة.
فالوقائع وكل ما يجري على الأرض اليوم يؤكد أن الجرائم، وعمليات القتل، والتغيير الديمغرافي، ومحاصرة الأقليات في وجودهم وشروط حياتهم، إضافة إلى أسلمة المجتمعات السورية وفق اللبوسات التكفيرية، واستباحة الدولة، واختطاف هياكلها بما يخدم الأجندات التركية والطائفية؛ لا شك بأنها تجري على قدم وساق في ظل صمت وتواطؤ مكشوف من قبل الحكومة القائمة في دمشق.
لكن وجه المفارقة الكبير في تطورات الوضع السوري؛ فيتمثل بانفصال طبقة الإسلامويين الحاكمة عن الواقع، واستهتارها بمعادلات الواقع الموضوعي الذي يحكم موازين السياسة في الداخل السوري، وفي الإقليم، وعلى صعيد المعايير والتوازنات الدولية.
فهي من جهة تمارس رضاً زائداً عن النفس، وتكرر بطريقة أشد غباءً أخطاء النظام السابق؛ حين تفوض نفسها التفكير والاستنتاج والتقرير نيابة عن الشعب في مسائل مصيرية تخص شكل الوطن، ومحتوى ومعايير المواطنة، وتطلق العِنان لمزاجيتها العقائدية المتطرفة في إقرار الإعلان الدستوري، الذي استنته بشكل كيفي، مفترضة أنها وحدها في الوطن، وأنها وحدها من يحق لها وضع المعايير الوطنية، وتحديد المقاييس التي على ضوئها تُسَلَّمُ المناصب، أو يتم الإعفاء والعزل منها، أو حتى هي من تقرر مدى وطنية هذا المكون أو ذاك، وأيضاً على هواها تتحدد قائمة أصدقاء الوطن وأعداءه، فالتركي مثلاً صديق وشقيق؛ حتى لو احتل نصف الأراضي السورية، وسرق كل موارد الشعب السوري، وما عداه من خارج دائرة المنظمات والكيانات الإسلامية؛ عدو حتى لو رأى معظم السوريين خلاف ذلك.
بهذا النمط من التفكير والاستئثار بالدولة والقرار والمصير؛ تستنسخ الإدارة الجديدة الوجه الأكثر قبحاً في النظام السابق، وتقوض تركته الإيجابية وكل ما رتبه الزمن من هياكل إيجابية في بنية الدولة، ومن عوامل استقرار في المجتمع. تلك التركة والتراكمات التي لا نعدم وجودها في جعبة كل نظام في الدنيا.
فسلوك الطغمة الجهادية المتسلطة لا يبدأ ينقض على مشاعر السوريين، ويدوس على إرادتهم بتعيين أمثال أبو شقرا وأبو عمشة وفهم عيسى وغيرهم؛ بل المسألة تتمثل بنكوص شامل في كل مجالات إدارة الدولة، ومسارات الحياة فيها؛ بدءاً من إطالة شعر اللحى والرأس وتجديله تيمناً بحياة الرسول عليه الصلاة والسلام. مروراً بنسف نظام المحاكم، وطرق التقاضي وتعطيلها؛ وصولاً إلى الجامعات والمناهج.
فالمسألة هنا مع السلطات الجديدة لا تنطلق من تعارضات في بعض وجهات النظر، أو من وجود فجوات في المواقف يمكن تجسيرها؛ بل المسألة تنبع من غياب لغة عصرية مشتركة للتفاهم، ويكرر استخدام مسطرته، فهو وعلى الرغم من تواتر التحذيرات من الدول المحيطة، ومن مراكز التأثير العالمية، التحذيرات التي تطلب إبعاد الأجانب المرتكبين لمجازر بحق السوريين، وفي دول العالم؛ يجيء بشخص ما يسمى رأس الدولة، ومن أعماق القرون الهجرية الأولى.
الأجانب قد ساعدونا في ثورتنا، متزوجون من سوريات، وقد أنجبوا منهن أطفالاً كثر، وبأن في الدولة دستور معمول به، وهو الحكم في تحديد من يستحق نيل الجنسية أو خسارتها، هكذا أجاب الشرع على أسئلة الصحفيين أثناء زيارته الأخيرة إلى العاصمة الفرنسية باريس، وبهذا الإمعان في تجاهل المطالبات الدولية والحقوقية الإنسانية، بضرورة الإسراع في إجراء التحقيق في جرائم الساحل المرتكبة بحق العلويين والأقليات والمكونات الأخرى.
وبكلمة واحدة يمكن الجزم أن السوريين قد واجهوا ويواجهون في الخمسة أشهر الأخيرة التي تلت سقوط النظام السابق؛ فصولاً وسلوكيات وغرائب في حكم البلاد؛ ربما ضاقت بها دفاتر القرون الخمسة الماضية. وليس أدل من الزيارة الأخيرة للعاصمة الفرنسية، وما رافقها من تساؤلات على أننا أمام مشهد من خارج العصر، وحتى مع قطعة السجاد الحمراء الصغيرة التي أثارت الجدل؛ يستنتج المراقب أن موقع الرئاسة ليس مشغولاً بالكامل.