لماذا الفـ.ـيدرالية هي الـ.ـحل في سوريا؟

محسن عوض الله
مع اقتراب الذكرى الأولى لسقوط النظام البعثي في سوريا، بات من الضروري إعادة تقييم تجربة الدولة الجديدة تحت حكم هيئة تحرير الشام وزعيمها أحمد الشرع.
صحيح أنه من المبكر إصدار أحكام نهائية على هذه التجربة، في ظل الإرث الثقيل الذي تركه نظام بشار الأسد، لكن ما شهدته سوريا خلال العام الماضي يفرض قراءة موضوعية لما يحدث على الأرض، خصوصاً فيما يتعلق بشكل الدولة ونظام الحكم.على مدار الشهور الماضية، شهدت البلاد أحداثاً مأساوية أثرت على جميع المكونات.
من مجازر الساحل إلى مجازر السويداء، مروراً باضطرابات دمشق وصولاً إلى حصار أحياء الشيخ مقصود، كانت الخسائر كبيرة والمجتمع مثقلاً بالآثار السلبية لهذه الأحداث.
ورغم أن هذه الأحداث بدت في ظاهرها خلافات قومية أو عرقية، فإن جوهرها سياسي انتقامي، ناجم عن سوء إدارة المركز، وعدم قدرته على احتواء التنوع السوري. هذه الوقائع تطرح السؤال الأهم: هل يمكن للدولة السورية الجديدة أن تظل موحدة دون تغيير جذري في طريقة الحكم؟
اليوم، تواجه سوريا خيارين لا ثالث لهما. الخيار الأول، العودة إلى نموذج الحاكم الواحد كما كان في عهد البعث، وهو خيار مستحيل عملياً بعد سنوات من التضحيات السورية، وبعد ما تعرضت لها الأقليات.
الخيار الثاني، والأقرب إلى الواقع، هو اعتماد صيغة الدولة الفيدرالية، التي تمنع تكرار النموذج القديم، وتشكل حائط صد أمام محاولات استعادة دولة ما قبل 2011.
الفيدرالية لم تعد مجرد نقاش نظري أو خيار ثانوي، بل أصبحت ضرورة وطنية بعد أن أثبتت المركزية التي حكمت سوريا لعقود أنها السبب الرئيس في الانفجار الكبير.
الفيدرالية ليست خطوة نحو تقسيم سوريا، بل على العكس، قد تكون الوسيلة الوحيدة لحمايتها من الانقسام.
الفيدرالية هي عقد اجتماعي يمنح كل مكوّن الحق في إدارة شؤونه المحلية. الشمال يدير أموره، الشرق يتحكم بثرواته، والجبل والساحل لهما القرار المحلي، فيما تبقى الدولة موحدة من بوابة المشاركة لا الهيمنة.
أثبتت التجارب الإقليمية القريبة من سوريا أن الفيدرالية يمكن أن تكون حلاً واقعياً للأزمات والصراعات السياسية.
فالعراق، رغم أزماته، حافظ على وحدته بفضل الفيدرالية التي منحت الأكراد والمكونات الأخرى مرونة في إدارة شؤونهم، وسوريا التي تجاهل نظام البعث فسيفساءها القومي والعرقي والديني لعقود وحكمها بعقلية مركزية صارمة، انهارت، والآن أمامها فرصة لتصحيح المسار.
الفيدرالية لا تقوم على مجرد خطوط جغرافية جامدة، بل على قواعد واضحة: البرلمان الفيدرالي يمثل الجميع ويسمع أصوات كل المكونات، الحكومات المحلية تدير التعليم والصحة والخدمات، الجيش الوطني يضم كل الفصائل والتشكيلات المحلية في إطار موحد دون جيوش موازية أو سلاح خارج إطار الدولة، مع تقاسم عادل للثروات؛ بحيث لا يظل نفط الجزيرة أو مرافئ الساحل حكراً على جهة واحدة.
سوريا اليوم على مفترق طرق. إما أن تعيد إنتاج عقلية الحكم الواحد التي دمّرت البلاد، وفتحت الباب للتدخل الأجنبي، أو أن تبادر إلى صياغة نظام حكم جديد يقوم على المشاركة وتعددية القرار.
الوطن ليس ملكاً لعاصمة أو تيار أو مكوّن، بل هو بيت لكل السوريين. الفيدرالية ليست تقسيم، بل تجربة قد تمثل النواة لبناء سوريا عادلة يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات.
للأسف، سوريا لا تملك خيارات بديلة: إما استنساخ نظام الأسد وصناعة ديكتاتور جديد كما يحاول بعض أنصار الماضي، أو التوجه نحو فيدرالية تصنع تجربة فريدة وغير مسبوقة في الشرق الأوسط.
الخيار أمام الشرع والقوى السياسية في سوريا واضح: إما العودة للماضي بما يحمله من دمار وخراب وتهجير، أو التوجه نحو المستقبل بما يحمله من أمل وصناعة دولة جديدة، وتخليد أسماء من يقود هذا التحول بحروف من نور في تاريخ سوريا الحديث.