آخرى

تمديد الوجود العسـ.ـكري التـركي في سوريا والعراق.. مقدمة لاحتـ.ـلال جديد

في خطوة وُصفت بأنها الأخطر منذ سنوات، قدّم الرئيس التـ.ـركي رجب طيب أردوغان مذكرة رسمية إلى البرلمان يطلب فيها تمديد المهام العسـ.ـكرية التـ.ـركية في العراق وسوريا لمدة ثلاث سنوات إضافية، وإلى لبنان لعامين آخرين. هذه الخطوة، التي تأتي قبل أيام من انتهاء التفويض الحالي، لا تبدو مجرد إجراء روتيني كما تروّج له أنقرة، بل تحمل في جوهرها نوايا توسعية واضحة تمهّد لاحتلالٍ طويل الأمد تحت غطاء “الأمـ.ـن القـ.ـومي”.

تسعى أنقرة من خلال هذا التمديد إلى ترسيخ وجودها العسـ.ـكري في الشمال السوري، وتحويله إلى واقع دائم، عبر بناء قواعد، وتوسيع نطاق عملياتها من خمسة إلى ثلاثين كيلومتراً داخل الأراضي السورية. وهي سياسة تتناقض مع القانون الدولي ومع مبدأ سيادة الدول، وتكشف عن نية أنقرة رسم حدود نفوذها على حساب الأراضي السورية والعراقية.

من الناحية السياسية، تواجه هذه الخطوة رفضاً من قوى داخلية وخارجية، إذ اعتبرت النائبة كيليتش كوتشييت أن تمديد التفويض العسـ.ـكري يمثل “تدخلاً سافراً” في شؤون الدول المجاورة، محذّرة من أن استمرار هذه السياسة سيقود إلى عواقب خطيرة على استقرار المنطقة. كما يشير مراقبون إلى أن حكومة أردوغان تسعى لتوظيف هذا التمديد في سياق انتخابي داخلي، ولتصدير أزماتها الاقتصادية والسياسية نحو الخارج عبر إشعال توترات إقليمية جديدة.

على الصعيد الميداني، يتزامن القرار مع مساعٍ تجري بين دمشق و(قسد) لإحياء مسار الحوار وإعادة بناء تفاهمات عسكرية وأمنية تضمن وحدة الأراضي السورية، في وقت تعمل فيه تركيا على إفشال أي تقارب محتمل بين الطرفين، مستخدمة ورقة الفصائل المسلحة التابعة لها في إدلب وعفرين وتل أبيض لعرقلة أي اتفاق قد يعيد التوازن إلى الشمال السوري.

الملف الكردي يقف في قلب هذا الصراع، إذ تسعى أنقرة إلى تقويض أي كيان إداري أو عسـ.ـكري مستقل في شمال وشرق سوريا، وتعمل على ضرب مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية التي تمثل نموذجاً للاستقرار والتعايش المشترك في المنطقة. التمديد العسـ.ـكري التركي لا يُقرأ فقط كإجراء دفاعي، بل كجزء من مشروع توسعي يهدف إلى إعادة فرض النفوذ العثماني الحديث على الجغرافيا السورية والعراقية، وهو ما ترفضه بشدة قوى الحرية والديمقراطية في المنطقة.

التداعيات المحتملة لهذه الخطوة خطيرة، إذ تهدد بتصعيد عسكري جديد، وبموجة نزوح جديدة نتيجة استمرار القصف والعمليات التـ.ـركية، كما ستزيد من تعقيد المشهد السياسي، وتُفقد أي مفاوضات مستقبلية بين دمشق و(قسد) فرصها في النجاح. ومن شأن هذا التمديد أن يعمّق الشرخ بين القوى الإقليمية، ويفتح الباب أمام مواجهة مباشرة بين قوات سوريا الديمقراطية والجيش التـ.ـركي في حال استمرار الانتهاكات.

إن تمديد الوجود التـ.ـركي بهذه الصيغة ليس إجراءً عابراً، بل هو إعلان صريح عن نية أنقرة فرض احتلالٍ جديد بوسائل ناعمة، تمهيداً لتغيير ديموغرافي وجغرافي يضرب جوهر الاستقرار في سوريا والعراق، ويهدد مشروع الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية التي تمثل اليوم خط الدفاع الأول عن حرية المنطقة واستقلال قرارها الوطني.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى