مقالات رأي

بعد خمس جولات مخيّبة… مسار صعب لمناقشات جنيف نحو صياغة دستور سوري جديد


جنيف- النهار العربي:20/10/2021
تتواصل في جنيف اجتماعات المجموعة المصغرة للجنة الدستورية السورية في جولتها السادسة، بعد خمس جولات مخيّبة لم تتمكن خلالها أطراف الصراع من التوصل إلى اتفاقات مبدئية في شأن المهمات الموكلة إلى اللجنة الدستورية الموسعة بموجب قرار تأسيسها عام 2019.
والاجتماعات الجارية التي بدأت الأثنين وتنتهي الجمعة تحمل للمرة الأولى بعض التفاؤل بإمكان تحقيق تقدّم، في ظل تكثيف الضغوط الروسية والتركية على المشاركين السوريين من النظام والمعارضة والمجتمع المدني.
أربعة مبادئ دستورية
وتناقش هذه الأطراف بإشراف المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون أربعة مبادئ دستورية أساسية، اثنان منها من اقتراح النظام وواحد من المعارضة وآخر من المجتمع المدني مدعوماً من المعارضة، بينما يصار في الجولة اللاحقة، غير المقرر موعدها بعد، إلى مناقشة أربعة مبادئ أخرى، اثنان منها تطرحها المعارضة وواحد من النظام وآخر من المجتمع المدني مدعوماً من النظام. وهذه الصيغة لطرح الاقتراحات ومناقشتها وتوزيعها بين الأطراف هدفها إيجاد توازن في مسار المفاوضات التي يفترض أن تفضي إلى اتفاق على دستور جديد لسوريا.
وتتألف اللجنة الدستورية الموسعة من 150 عضواً موزّعين بالتساوي بين النظام والمعارضة والمجتمع المدني، فيما تتألف اللجنة المصغّرة من 45 عضواً بالتوزيع ذاته. وللجنة الدستورية رئيسان مشتركان، هادي البحرة عن المعارضة وأحمد الكزبري عن النظام، وقد عقدا الأحد اجتماعاً هو من الأول من نوعه الذي يجمعهما معاً إلى طاولة واحدة، بحضور بيدرسون.
وأعلن البحرة أنه سيتم اليوم الأربعاء بحث مبدأ دستوري أساسي هو “سيادة القانون”، قائلاً إنه سيكون “جزءاً مهماً من الدستور الجديد”. وأضاف: “الدستور الذي نسعى إليه هو الذي يحقق العدالة التي يطمح إليها جميع السوريين، ويوقف دائرة القتل والتدمير التي تجري في سوريا”.
وكان البحرة أعلن الأثنين عقب انتهاء اليوم الأول من الاجتماعات أن مرحلة النقاشات المفتوحة انتهت، و”تم البدء بالعملية الأساسية التي شُكّلت من أجلها اللجنة الدستورية. نأمل في أن تتم بقية الجلسات بالأجواء والآليات ذاتها التي اعتمدناها، من أجل الخروج بالنتائج في أسرع وقت ممكن”. وذكرت أوساط وفد المعارضة أن البحرة اجتمع مع مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط وسوريا إثان غولدريتش، الذي أبدى دعم واشنطن لاجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف.
آليات المناقشات
وشرحت مصادر مطلعة على مسار المناقشات لـ”النهار العربي” بعض الآليات المعتمدة لطرح المبادئ، بحيث يقدّم طرفٌ ما اقتراحه ونصوصه حيال مبدأ دستوري، وتتم مناقشته وعرض الآراء في شأنه وطرح الأسئلة وطلب ايضاحات، ويمكن تقديم نصوص أخرى مختلفة حيال المبدأ ذاته. ويتم في هذا السياق التمييز بين المبادئ الدستورية العامة وبين القوانين التفصيلية التي يمكن أن تشمل تفاصيل سياسية غير مرتبطة بالدستور مباشرة، على أن يصار لاحقاً إلى اعتماد صيغة نهائية تُرفع إلى الهيئة الموسعة للجنة الدستورية لمناقشتها وإقرارها.
وخلال جلستي الاجتماعات بين الوفود يوم أمس الثلثاء نوقش النص الدستوري الخاص بالجيش والقوات المسلحة وقوى الأمن والاستخبارات، وفق ما صرّح به البحرة للصحافيين، مشيراً إلى أن المناقشات ستشمل المبادئ ذات العلاقة بسيادة القانون ومكافحة الإرهاب والتطرف. وقال إن السوريين “يتطلعون إلى إنجاز اللجنة لولايتها واختصاصاتها في أقرب وقت ممكن، لما ستشكله من بوابة لتحقيق الحل السياسي الذي يؤدي إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 بشكل كامل وصارم”.
والقرار المذكور صوّت عليه مجلس الأمن يوم 18 كانون الأول (ديسمبر) 2015 ويؤكد أن “الشعب السوري هو من يقرر مستقبل” البلاد، عبر انتخابات حرة ونزيهة على أساس دستور جديد “في غضون 18 شهراً تحت إشراف الأمم المتحدة”، داعياً حينها الأطراف إلى “اتخاذ تدابير لبناء الثقة من أجل المساهمة في فرص القيام بعملية سياسية وتحقيق وقف دائم للنار”.
لكنّ الظروف الميدانية وتمدّد الصراع في سوريا وانخراط قوى وأطراف إقليمية ودولية فيه بشكل كبير، شكلت عقبات حالت دون الالتزام بالمهل الزمنية التي ينص عليها القرار.
بيدرسون: نحو صياغة إصلاح دستوري
وقال بيدرسون عشية بدء اجتماعات اللجنة الدستورية الأحد: “منذ ما يقارب التسعة أشهر وأنا أتفاوض بين الطرفين، في محاولة لتكوين توافق في الآراء حيال كيفية المضي قدماً. ويسعدني أن أقول إننا توصلنا إلى مثل هذا التوافق”. وأضاف: “يتفق الرئيسان المشتركان الآن على أننا نعدّ فقط للإصلاح الدستوري (…). سنبدأ بالفعل عملية صياغة للإصلاح الدستوري في سوريا”.
وتدور الاجتماعات وفق ثلاثة عناصر أساسية تحكم إجراءاتها ومسارها، وفق بيدرسون: “أولاً احترام المعايير المرجعية والعناصر الأساسية للائحة الداخلية، ثانياً تقديم نصوص المبادئ الدستورية الأساسية قبل الاجتماعات، وثالثاً اجتماعات الرئيسين المشتركين معي قبل جولة المحادثات وبعدها”، آملاً أن لا تقتصر أعمال اللجنة الدستورية على مجرد إعداد مبادئ، بل الدخول في عملية صياغة إصلاح دستوري.
وكانت الأمم المتحدة أعلنت في 23 أيلول (سبتمبر) 2019 “التوصل إلى اتفاق بين الحكومة السورية وهيئة التفاوض السورية حول تشكيل لجنة دستورية متوازنة وموثوقة وشاملة، تضم ممثلين عن كل من الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني، لمناقشة وإعداد إصلاح دستوري لصياغة دستور جديد وإصلاح الممارسات الدستورية، وذلك ضمن مسار الحل السياسي وفق بيان جنيف واستناداً إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 (2015) والقرارات ذات الصلة”.
وتترقب الأوساط السياسية والدبلوماسية ما ستسفر عنه الجولة السادسة الجارية حالياً، وما سيصدر في البيان المتوقع الجمعة بعد نهاية اجتماعات اليوم الأخير. وسيكون تحديد موعد لجولتين إضافيتين قبل نهاية السنة، كما يأمل المبعوث الأممي، أو الفشل في ذلك، مؤشراً إلى مدى نجاح هذه الجولة في تحقيق تقدّم في المسار الصعب والمعقّد نحو صياغة دستور جديد.

ADARPRESS #

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى