مقالات رأي

سـ.ـياسة التشـ.ـدد الديني والقـ.ـومي تمـ.ـزق خريـ.ـطة سوريا اليوم

كمال حسين

عمل كبير يقوم به اليوم حزب الاتحاد الديمقراطي مع جميع الأحزاب الكردية والعربية والسريانية في حركة المجتمع الديمقراطي، ومعه مؤسسات الإدارة الذاتية التي يقود سياساتها للسير بسوريا وبأزماتها البنيوية على طريق اجتراح حلول تليق بعمق هذه الأزمات، وتنسجم مع حجم تحدياتها، ولئن كان القصد دوما هو ولوج أيسر الطرق للمحافظة على وحدة التراب السوري، وتجنيب الشعوب التي تعايشت على هذه الأرض على مدى القرون الماضية؛ المزيد من سفك الدماء والحروب الأهلية؛ فإن الكلام الذي أطلقه المناضل والقيادي الكردي في حزب الاتحاد الديمقراطي صالح مسلم بخصوص تداعيات الوضع السوري؛ لا يقبل إلا معنى حصريا واحداً مفاده، أن هذه الدولة المتهالكة تحت ضغط أمراضها لم يعد يرجى منها أي نفع، طالما سلكت نفس الطرق، طرق الدولة المركزية والعقيدة العرقية أو الدينية الواحدة، وهو يريد أن يقول؛ وكما دأب الحزب أن يقول للسوريين منذ أن انطلقت ملتقياته الوطنية في عين عيسى واحد واثنين وثلاثة وأربعة، وفي عشية الخامس بالحسكة؛ “إن دولة الأمة الديمقراطية والمجتمع الديمقراطي ومنطق التشاركية، الذي خرج من معطف الفلسفة الأوجلانية كفيلة دون غيرها بالمحافظة على الخريطة السورية، وما لم يجرِ ذلك فسوريا نحو التشظي والاقتتال والعنف.

وإلى ذلك يمكن الوثوق بأن قراءة هذه الأحزاب ترى أن مستقبل سوريا سيحدد ضمن ثنائية الدولة الائتلافية اللامركزية، أو التقسيم إلى دويلات.

وحزب الاتحاد الديمقراطي حين يرصد الواقع وفق هذه الثنائية؛ فلا يخمن أو يرجم في الغيب، بل لأنه بات بفضل التجربة النضالية الغنية التي اكتسبها في ساحة معقدة الظروف والخصائص والتشابكات، وبفضل استرشاده، وقبل كل اعتبار بالمعين المعرفي الأوجلاني، ثم بعد ذلك بفضل تحالفاته مع قوى العصر؛ بات في موقع من يمتلك البوصلة والتفويض الأخلاقي والموضوعي في تقرير اتجاه الريح، كما صار في الرهان على موقفه يتموضع مربط الفرس.

نعم الدولة الفيدرالية أو الاستقلال هو قدر سوريا الوحيد المتبقي، وهو المصير الذي سلكه تطور الأحداث في السويداء، ثم هو عينه، ما يتطلع إليه الشعب الجريح في الساحل، وجميع المكونات والتيارات المؤمنة بقيم دولة المواطنة المدنية الديمقراطية والعلمانية اللامركزية على مساحة الجغرافيا السورية.

والقول، الفدرالية أو التقسيم لا يعد تآمراً على وحدة سوريا بأي حال من الأحوال، بل المتآمرين الحقيقيين هم من أمعنوا في تجاهل الحقيقة السورية، والذي تنكر ومازال يتنكر لطبيعة الفسيفساء السورية المتشكلة من عديد الأعراق والإثنيات والثقافات والمذاهب.

فبين الحتميتين، الفدرالية أو التقسيم؛ تتراكم الكثير من التفاصيل والأكاذيب والتناقضات، وتستدعي الذاكرة تاريخاً طويلاً من تعسف أنصار دولة الدين الواحد والقومية الواحدة، والتشكل الثقافي والمعرفي الواحد، ولم يكن لنهج التفرد الذي أتبعه القوميون العرب، ووافقهم فيه الإسلاميون بكل مدارسهم.

التفرد في رسم البناء الفوقي الذي يُقَوِّل التاريخ مالم يقله، ويزور الواقع حين ينطق بالحكم بأن سوريا عربية إسلامية، لها عدو مركزي واحد هو إسرائيل والصهيونية.

نعم أن تسطيحاً فكرياً وسياسياً قد خلق متلازمة مرضية إلى حد كبير؛ أركانها في فهم الواقع “عروبة، إسلام، العدو الإسرائيلي؛ متلازمة مفاهيم قد أحدثت بدورها تنويماً مغناطيسياً جمعياً على مدى عقود عدة كان له أثره ألبالغ على وعي مفهوم الوطن وحق المواطنة، وعلى قواعد النظر إلى الأولويات والتحديات، وتصنيف العدو والصديق، وأصبح بموجب هذا الاعتوار في النظر؛ التركي شقيق في تقييم نفر واسع من الإسلاميين العرب، حتى لو وصل إلى مكة في احتلاله للأرض العربية، والإيراني شقيق هو الآخر بنظر فريق آخر من العرب.

وبما أن نتائج التجارب، وسياق تطور الأحداث لم يسند قناعات أصحاب هذه المنطلقات المعتلة، وخاصة بعد افتضاح الأنشطة التركية في إطلاق سعير حملات التهجير والإبادة بحق المكونات السورية؛ فقد جاء الرد الجازم على ثقافة التضليل من قبل أنصار مشروع الأمم الديمقراطية في قيادة مجلس سوريا الديمقراطية وحزب الاتحاد الديمقراطي.

وعلى ضوء ذلك، وبما أن سوريا قد تكون صارت أقرب إلى طريق اللاعودة؛ نخلص إلى نتيجة مفادها، وللأسف الشديد، إن حلم قوى الديمقراطية والعدل والسلام، بسوريا واحدة تعددية ديمقراطية لامركزية قد بدده التشدد، وأن غلاة التطرف القومي والديني، وأعداء الواقعية السياسية؛ مرة أخرى يكررون خطأ التاريخ، وها هي الأطراف ذاتها، والذهنية نفسها التي رفضت القرار الدولي بتقسيم فلسطين عام 48 من القرن الماضي تضطلع اليوم بتمزيق خريطة سوريا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى