مقالات رأي

إعادة تعـ.ـريف الدور الكـ.ـردي في الـ.ـشرق الأوسـ.ـط

قاسم عمر

شهد اللقاء الذي جمع قيادات إقليم كردستان وقائد قوات سوريا الديمقراطية على هامش منتدى السلام والأمن في دهوك لحظة سياسية لافتة، لا باعتباره اجتماعاً بروتوكولياً، بل باعتباره مؤشراً على تحوّل أوسع في تموضع القوى الكردية داخل المشهد الإقليمي. فالمنتدى الذي يستضيف أكاديميين وصانعي سياسات من الشرق الأوسط وأوروبا وأمريكا الشمالية، شكّل منصة لإبراز طبيعة الدور الذي باتت تلعبه هذه القوى، والتحديات التي تواجهها، والفرص التي يمكن استثمارها في ظل التحولات المتسارعة في المنطقة.

جاء اللقاء في سياق يعكس إدراكاً متبادلاً لأهمية تنسيق الجهود في الملفات الأمنية والسياسية، لاسيما مع تراكم المخاطر العابرة للحدود، وفي مقدمتها عودة التهديدات الإرهابية. ولذلك ركزت المحادثات على تعزيز التعاون، وتبادل الخبرات، وتطوير آليات مواجهة مشتركة تضمن استقراراً مستداماً. هذا التوجه يعكس رؤية ظهرت سابقاً لدى شخصيات سياسية كردية طالما دعت إلى بناء شراكات عابرة للجغرافيات الرسمية، القائمة على تبادل المعلومات والعمل الجماعي لتعزيز الأمن.

إحدى النقاط الأكثر حساسية في الحوار تمثّلت في ملف مستقبل قوات قسد ضمن البنية العسكرية السورية. فقد طُرح موقف واضح قائم على أن أي اندماج مستقبلي يجب أن يكون مؤسسياً لا فردياً، وأن يتم الاعتراف بطبيعة هذه القوات ودورها وخصوصيتها، تماماً كما جرى في التجربة الكردية العراقية بعد عام 2003، حين تم الحفاظ على الهوية المؤسسية للقوات المحلية بدلاً من إدماجها كأفراد في الجيش. هذا الطرح يعكس فهماً سياسياً متقدماً للمؤسسات الأمنية المحلية بوصفها جزءاً من سياق حل سياسي، لا عبئاً على الدولة.

ومشاركة قائد قوات سوريا الديمقراطية في مؤتمر دولي خارج سوريا ليست حدثاً عادياً، بل مؤشر على دخول هذه القوى إلى فضاء العلاقات الإقليمية والدولية، وبصورة علنية. فمنذ أن لعبت هذه القوات الدور الأكبر في مواجهة التنظيمات المتطرفة، اكتسبت شرعية واقعية على الأرض. واليوم تحاول ترجمة هذه الشرعية الميدانية إلى حضور دبلوماسي فاعل. وهو ما يتقاطع مع مواقف سابقة لقيادات سياسية كردية تحدثت عن أن أي تسوية مستقبلية في سوريا لا يمكن أن تتم من دون إشراك القوى الفاعلة على الأرض، وضمنها القوى الكردية.

يحمل اللقاء أيضاً دلالات قومية ورمزية؛ فعندما يجتمع القادة الكرد في لحظة سياسية حساسة، وبلا رموز سوى تلك التي تعبر عن هويتهم المشتركة، فإن ذلك يرسل رسالة واضحة؛ بأن القوى الكردية، رغم اختلاف جغرافياتها، تتقاسم رؤية موحدة فيما يتعلق بالحقوق والتمثيل والحلول السياسية. وهذا المعنى يتقاطع مع رؤية طرحها بعض السياسيين الكرد الذين شددوا على ضرورة الحفاظ على الوحدة، سواء داخل الإقليم أو خارجه، باعتبارها شرطاً أساسياً لحماية المكاسب، وتفادي تكرار أخطاء الماضي.

كما جاء النقاش حول الحوار مع دمشق ليبرز معادلة دقيقة: الصبر السياسي ضرورة، لكن التنازل عن الحقوق غير مقبول. هذا الموقف، الذي عُبّر عنه مراراً من قبل أطراف كردية بارزة، يعكس رغبة في إيجاد تسوية عبر التفاوض، من دون التخلي عن المطالب الأساسية المتعلقة بالهوية والإدارة الذاتية والأمن الإقليمي.

من جانب آخر، أعاد ممثلو شمال وشرق سوريا التأكيد على الامتنان للدعم الذي قدمه إقليم كردستان خلال أصعب المراحل، خصوصاً الاستقبال الواسع للنازحين، وهو ما يعكس عمق الروابط الاجتماعية والسياسية بين الضفتين الكرديتين.

في المحصلة، يظهر أن القوى الكردية في سوريا والعراق تتحرك نحو بلورة هندسة سياسية جديدة، تسعى لحجز موقع ثابت في الترتيبات الإقليمية المقبلة، مستندة إلى تجربة سياسية راسخة في الإقليم، وإلى شرعية ميدانية اكتسبتها قوات سوريا الديمقراطية. ومع تراكم التحديات وتغيّر موازين القوى، تبدو هذه اللحظة فرصة تاريخية لصياغة رؤية كردية مشتركة تضع الاستقرار، والشراكة، والحل السياسي الواقعي في مقدمة أولوياتها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى