سوريا طريق التـ.ـغيير صار أقرب إلى السـ.ـيناريو المـ.ـصري.. والـ.ـثورة الاجتـ.ـماعية على الأبواب

كمال حسين
بينما توشك السلطات الجديدة بقيادة الإسلامي المتشدد أحمد الشرع – الجولاني سابقاً على إنهاء عامها الأول في موقع الحاكم المستبد على أمر البلاد في سوريا، الدولة التي استأثر بحكمها حزب البعث على مدى يزيد عن عقود ستة؛ كان قد شغل آل الأسد وبعض العائلات الأخرى مواقع النفوذ خلال المدة الأطول منها؛ توشك البلاد أن تدخل ضمن تصنيف الدول الفاشلة التي تقف على حافة الانهيار، أو تعيش أجواء ما قبل الانفجار الكبير الذي زرعت أسبابه طغمة متطرفين إسلاميين لا تملك أي رؤية واضحة، أو مقبولة حول وظائف الدولة في حماية السلم الأهلي، كما لا تملك القرار فيه، لا تقيم وزناً لحقيقة أن الدول تقوم على قواعد دستورية تتوافق حولها أوسع فئات الشعب، لا تعترف بقواعد القضاء، ولا تميز بين دور ومؤهلات الداعية في دور العبادة، وما بين مهام قاض على قوس المحكمة. والأخطر هو الجهل بقواعد الاقتصاد، وغياب أي سياسة اقتصادية واضحة تتناول حياة الناس وتطمئنهم لغدهم.
وعلى نحو ذي صلة يؤكد رعونة السياسة الاقتصادية؛ حيث تأتي الزيادة الجنونية الأخيرة على أسعار الطاقة الكهربائية، هذه الزيادات التي لم يحصل مثيلاً لها في أي بلد في العالم، والتي ارتفع بموجبها سعر الكيلو واط من 6 ليرات سورية إلى600 ليرة دفعة واحدة لمعدلات الاستهلاك في الشريحة المنخفضة الأولى، والتي لا تتجاوز ال300 كيلو واط، وإلى 1400 ليرة للشريحة التالية، بمعنى أن الزيادة قد تراوحت ما بين عشرة آلاف بالمائة إلى عشرين ألف بالمائة.
وستلتهم في معدلاتها الوسطى ما يقرب من خمسين في المائة من راتب الموظف في الدولة، ولتدلل بذلك على استهتار الطبقة الحاكمة بمتطلبات حياة المواطنين في الدولة من جهة، وعلى جشعهم المفرط لناحية التفريط بالمقدرات الوطنية، والتواطؤ مع شركات وهمية تحت مسمى استجرار استثمارات جديدة من جهة أخرى.
ولا تنحصر مظاهر الفوضى والاستهتار التي اتبعتها الحكومة القائمة برفع أسعار الطاقة بل ما يزيد الطين بِلة هي محاولة تبرير الخطوة من قبل مسؤولين في الحكومة على أنها خطوة تندرج ضمن محفزات جذب الاستثمارات الأجنبية التي ستنعش الاقتصاد الوطني؛ فيما أن هذا الرأي يخالف الف باء قواعد تشكيل المناخ الملائم لجذب الاستثمارات، والتي يقع في رأسها الأمن والاستقرار، ثم السياسة الاقتصادية الواضحة والضامنة للاستثمار، إضافة إلى العمالة التي تتميز بالكفاءة والطاقة الرخيصة، والقدرة الشرائية حيث لا يخفى أن هذه الشروط مجتمعة لا تتفق بأي شكل مع نهج الحكومة خلال عام من ولايتها، هذا النهج الذي استهل نشاطه برفع أسعار الخبز والمحروقات إلى ما يقرب من عشرة أضعافها، وحرم مئات ألوف المتقاعدين العسكريين بعد ٢٠١١ من رواتبهم، إضافة إلى إغلاق وتعطيل الكثير من المرافق والشركات الاقتصادية المنتجة، مثل الريجي وغيرها.
وعبر الاستغناء عن كوادر قسم كبير منها تحت طائل محاربة فلول النظام البائد، أو تحت مسمى التعارض مع قيم الدولة الإسلامية.
هذه الإجراءات التي كان من نتائجها تقويض القدرة الشرائية للمواطن السوري، وهجرة الكفاءات العلمية، وتخريب فرص الاستثمار.إن ارتفاع أسعار الطاقة الكهربائية بهذا الشكل وبهذا التوقيت، وتهافت أطراف السلطة القائمة على بيع مرافق توليد وانتاج الطاقة الكهربائية في البنية التحتية السورية؛ إلى شركات وهمية تركية وخليجية وأخرى أمريكية بقصد شراء الدعم السياسي من حكومات تلك الدول؛ وهي قد اصبحت على تخوم نهاية العام الأول من تجربة حكم يفترض أن تكون قد راكمت بعض الخبرة، ووفرت بعض الموارد والإعانات.
أن يحصل ذلك بالتزامن مع بدء رحلة ارتفاع جديدة لأسعار المشتقات النفطية، ومع هبوط بسعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار، هذه علامات تضاف إلى المؤشرات السابقة تفيد بأن السلطات الجديدة تواجه عجزاً كبيراً في تمويل مدفوعاتها، مرشحاً لأن يتفاقم بشكل كارثي في الأيام القادمة.
وعلى العموم؛ فإن تخبط الحكومة في أدائها الاقتصادي سيكون له تداعيات اجتماعية خطيرة، وقد تكون نُذُرها بدأت مع تبلور احتجاجات من قبل فعاليات شعبية واقتصادية في أكثر من مدينة سورية، ولابد أن يدخل في هذا التقدير آفاق تحرك تجار دمشق، والذي دعوا فيه إلى تنفيذ إضراب عام في إطار حراك سلمي لا يستثني أي طرف من فعاليات المجتمع الدمشقي. وبالانتقال إلى التطورات على المحور الأمني حيث لم تسجل السلطات أي تقدم في هذا الملف، وتسجل فشلاً متزايداً يستفحل في كل ساعة تمضي، وحيث تمعن المنظمات والفصائل الإرهابية الداعشية في إدامة القتل والخطف وترويع السكان، وتسجل معها سلطات الشرع عجزاً يرقى إلى درجة الاستحالة عن تمييز نفسها عن هذه الجماعات، أو في وضع نفسها على مسافة عنها، بل تتماهى معها في كل الاختبارات والمحطات والمواقف.
من كل هذا نصل إلى استنتاج يؤكد أن كل سلوكيات النظام الإسلاموي الجديد الذي ورث نظام الأسد الشمولي المستبد تضعه في خانة نظام يمارس جوراً اجتماعياً واقتصادياً وانسداداً في الأفق السياسي يتجاوز بكثير ما كان حاصلاً في حقبة الأسد، وبأنه يذهب بالبلاد إلى واقع من الفوضى والخوف والجوع والضياع إلى حد يفوق وصف الدولة الفاشلة.
لكن ما دمنا نعلق في حصيلة عامة على الكوارث الوطنية التي استقدمتها حكومة الشرع إلى حياة السوريين في ختام عامها الأول؛ فثمة تطور إيجابي في وعي السوريين يجب ملاحظته والتدقيق فيه بعناية، تطور يدور حول انكشاف سياسة التطرف الديني الإرهابية لهذه الحكومة التي نجحت في الأشهر الأولى في استقطاب تأييد شرائح واسعة من المسلمين العرب السوريين الذين كانوا قد ضاقوا ذرعاً من طول حقبة الأسد الاستبدادية الفاسدة، لكنهم اليوم صاروا يظهرون وعياً متزايداً حيال الأخطار التي تحملها سياسة الإرهاب والافقار والفوضى والتطييف؛ التي ترتبط بسلوك حكومة الشرع، وعليه يمكن القول إذا جاز الوصف “إن نقول بأن العام الأول في جزئه الأكبر كان عاماً عنوانه الاستقطاب الطائفي؛
فإن الأيام القادمة تشير إلى أن المجتمع السوري سيدشن وقتاً جديداً عنوانه والأولوية فيه الهم الاجتماعي، وظروف الحياة، وقضايا الاستقرار والديمقراطية. بمعنى لم تعد نخب السوريين مقتنعة كما كانت في البداية بخطاب الجذب الفتوي والتوظيف الطائفي أو العرقي.
وجرياً على نفس الرؤية ونفس القاعدة؛ يمكن النظر في الاستنتاج المتشائم الذي أطلقه القائد في قوات سوريا الديمقراطية قبل أيام سيبان حمو بأن الحوار مع حكومة الشرع قد وصل إلى طريق مسدود، في إشارة إلى تعنت حكومة الشرع في مواقفها، وفي انصياعها للإملاءات الخارجية وللضغوط التركية. بما يعطل جديتها في الحوار على مستقبل ووحدة الدولة السورية. كل ذلك على نحو يشير إلى أننا قد بتنا في المشهد السوري على مشارف السيناريو المصري، وأن ثورة وطنية شاملة تشترك فيها كل المكونات السورية بهواجس اجتماعية وديمقراطية قد صارت على الأبواب.




