تقارير

تفكـ.ـيك ما تبـ.ـقى من مسـ.ـتوطنات في عفرين وعـ.ـودة أهالـ.ـيها مفـ.ـتاح حل الأزمـ.ـة السورية

واصلت دولة الاحتلال التركي نشاطاتها الاستيطانية في منطقة عفرين منذ اليوم الأول لإطباق احتلالها عليها، وفق مخطط مسبق أعَّدته، بهدف تغيير بنيتها الديمغرافية والسكانية، ودفع من تبقى من سكانها الكرد الأصليين نحو النزوح بل اقتلاعه من جذوره، وكذلك عملت بشكل عميق على تغيير هوية عفرين الكردية، من خلال فرض الأسماء التركية على القرى الكردية، وافتتاح المدارس الدينية التي تنشر التطرف الديني، إضافة إلى تدريس اللغة التركية في المدارس، مقابل إلغاء اللغة الكردية، إلى جانب إطلاق أسماء تركية على الشوارع والأحياء والساحات العامة في مدن وبلدات عفرين.

وفق التقارير التي نشرتها مراكز حقوقية وإعلامية عالمية ومحلية؛ فإن تركيا عوَّلت كثيراً على بناء المستوطنات في عفرين، مثلما اعتمدت على فصائل المرتزقة في غزوها لعفرين أيضاً. لقد سَعَتَ إلى تكريس احتلالها من خلال توسيع بناء المستوطنات، بالتعاون المباشر مع جماعة “الإخوان المسلمين” الإرهابية وأذرعها، وبتمويل مباشر من دولة قطر وبعض المؤسسات والمنظمات الخليجية الأخرى، من بينها السعودية والكويت.

لتعزيز قوة وحضور الإخوان المسلمين ضمن المجتمعات المختلفة في المنطقة، عمدت قطر إلى إنشاء الجمعيات الخيرية المرتبطة بالإخوان، في مسعى للسيطرة على المجتمعات، وكذلك سارعت في بناء المساجد ونشر الفكر الديني السلفي، وربط المجتمعات بالدين، وافتتاح دورات تدريبية لتلقين الشباب الأفكار والإيديولوجية الدينية المتشددة، والتي ترفض نظام الدولة وتكفّرها وتدعو إلى إقامة دولة إسلامية، وتجلى الدعم القطري بشكل واضح في دعم بناء المستوطنات في عفرين.

عملت الجمعيات التابعة للإخوان المسلمين، وبدعم مالي قطري وإشراف تركي، على بناء مستوطنات في منطقة عفرين التي وقعت تحت الاحتلال التركي في 18 مارس/ آذار 2018، منها “جمعية الأيادي البيضاء – تركيا” وبتمويل من “جمعية العيش بكرامة – فلسطين 48″، وهي جمعية تابعة لحركة “حماس” الإخوانية، وجلبت أكثر من خمسين ألف من الفلسطينيين وتم توطينهم في المستوطنات التي أقامتها الجمعيات الإخوانية وتركيا في عفرين، وأطلق على إحدى المستوطنات اسم قرية “بسمة”.

وجرى تمويلها أيضاً من عرب عام 1948 وشارك في تمويلها أيضاً “مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية في المملكة العربية السعودية” وتوجد أيضاً “مؤسسة وفاء المحسنين الخيرية – Ihveder” وهي تابعة للإخوان تأسست في تركيا عام 2018، ولها مكاتب وفروع في العديد من الدول (تركيا، فلسطين، سوريا، لبنان، اليمن، بورما، وبوركينا فاسو)، ورئيس مجلس إدارتها هو “عبد الله محمد الأسطل” المنحدر من مدينة “خان يونس / قطاع غزة الفلسطينية”. وأيضاً هناك “مؤسسة الخير – مكتب الشرق الأوسط” قامت ببناء مستوطنة قرى جبل “الأحلام” في قرية “كيمار” بناحية شيراوا / جبل ليلون، بالتعاون مع “الهيئة العالمية للإغاثة والتنمية (أنصر) – تركيا” والتي تعد شريكها الرئيسي. وأخطرها جمعية “البيان” القطرية التابعة للإخوان في قطر.كما يوجد “المنتدى السوري” الذي يرأسه “غسان هيتو” ويعمل بالتنسيق مع مؤسسة “الإحسان للإغاثة والتنمية” الذي يرأسها “براء الصمودي” المرتبطة بشكل مباشر بجماعة الإخوان المسلمين.

وجمعية “كويت الرحمة” التابعة لجماعة الإخوان في الكويت.كما توجد عدة جمعيات من أمثال “Sadakataşı” التركية والتي تتلقى تمويلها من جمعية إخوانية باكستانية، وكذلك جمعية البيرق، تراحموا – سنابل الخير، المؤسسة الدولية للتنمية الاجتماعية، منظمة الرحمة العالمية، منظمة حقوق الإنسان الدولية (HCI)” في كندا”.

هذا جزء يسير من نشاطات الإخوان في عفرين بالتنسيق المباشر مع تركيا وقطر.جميع تلك المنظمات والجمعيات عملت بشكل منسّق مع تركيا في بناء المستوطنات التي انتشرت كالخلايا السرطانية على جغرافية عفرين، وتم توفير الدعم المادي والعسكري للمستوطنين، ليغيروا صورة عفرين بالكامل، من خلال إطلاق أيدي المستوطنين المدعومين من مجاميع المرتزقة المسلحين في انتهاك منازل وممتلكات أهالي عفرين، وعدم وجود أي حسيب أو رقيب على سرقاتهم وابتزازهم لأهالي عفرين الكرد ممن بقوا فيها، إلى جانب انتشار حالات التنمر والاستعلاء من قبل المستوطنين.

تمكنت دولة الاحتلال التركي منذ احتلالها لعفرين في 18 مارس/ آذار وحتى سقوط النظام البعثي، من بناء أكثر من /40/ مستوطنة في مناطق عفرين المختلفة، وتوطين أكثر من /700/ ألف من مرتزقتها وعوائلهم فيها، مقابل تهجير قسري مارسته على سكانها الكرد الأصليين عبر أدواتها من مرتزقتها وخاصة ما تسمى “الحمزات والعمشات”.

إلا أنه بعد سقوط النظام السابق، أصيبت دولة الاحتلال التركي ومن ورائها كل من قطر وجماعة الإخوان المسلمين، بخيبة أمل كبيرة جراء إفراغ معظم المستوطنات التي أقامتها في عفرين، حيث عمد معظم القاطنين فيها إلى إخلائها وسرقة محتوياتها والعودة إلى مناطق سكناهم الأصلية، رغم أنه ما يزال الكثير من عوائل مرتزقتها يقيمون فيها، خاصة في منازل المهجرين الكرد القسريين.

ولكن يمكن القول إن أكثر من 70% من المستوطنين قد خرجوا من تلك المستوطنات، وما بقي منهم يهدفون إلى الاستمرار في أعمال السرقة واللصوصية، وأغلبهم من عوائل مرتزقتها العاملين ضمن صفوف فصائلها المرتبطة بالاحتلال التركي.

وفي وقت سابق من هذا العام، وبعد بدء جولات التفاوض بين قوات سوريا الديمقراطية وحكومة دمشق؛ طرحت الأولى فكرة إخلاء منطقة عفرين من المستوطنين، وضمان عودتهم إلى مناطقهم الأصلية بمرافقة قوات الأمن العام التابعة للحكومة خاصة من أهالي مناطق ريف دير الزور الشرقي، مقابل عودة جميع المهجرين القسريين الكرد من أهالي عفرين إلى قراهم ومدنهم بمرافقة من قوى الأمن الداخلي (الأسايش)، والعمل على إنشاء إدارة مشتركة في عفرين، وكذلك في مناطق ريف دير الزور الشرقي. إلا أن حكومة دمشق ماطلت ولم ترد على طلب (قسد).

فيما قالت بعض المصادر المقربة من الحكومة بأن الاحتلال التركي رفض المقترح الذي قدمته (قسد)، إدراكاً منها أن أي عودة شاملة للمهجرين إلى عفرين وتشكيل إدارة مشتركة ما بين قوات (الأسايش) والأمن العام، يعني بالضرورة نسف وجود الاحتلال وكل مرتسماته ومظاهره، بالتالي عودة الهوية الكردية إلى عفرين.

مُنِيَتْ تركيا ومعها قطر وجماعة “الإخوان المسلمين” بفشل ذريع في مسألة بناء المستوطنات في عفرين. صحيح أن الظروف العامة التي مرت وتمر بها سوريا من سقوط النظام السابق قد تغيّرت، وتولدت رغبة لدى كل مواطن للعودة إلى منزله الذي هُجَر منه ولو كان كومة من الركام، إلا أن جميع تلك الظروف ساعدت في نسف مشروع الاستيطان، ولكن الكفاح الذي خاضه أهالي عفرين في أماكن النزوح والخارج، بالتضافر مع جهود الإدارة الذاتية بجميع مؤسساتها؛ كان لها الدور البارز في التمهيد لوقف الاستيطان وإفشال المشروع التركي – القطري – الإخواني في تغيير ديمغرافية عفرين وهويتها الأصلية.

نقلت وسائل الإعلام المختلفة مشاهد تدمير المستوطنات في عدة مناطق بعفرين، إن كان من قبل المستوطنين الذين خرجوا منها، أو من قبل من تبقى من أهالي عفرين. وإن كانت هناك بعض المستوطنات باقية لم يتم تفكيكها وإعادة قاطنيها إلى موطنهم الأصلي بعد؛ فإنه من المنتظر أن تتهيأ ظروف جديدة، يتم فيها إخراجهم، وتفكيك تلك المستوطنات أيضاً، وإعادة الأراضي إلى أصحابها الكرد الأصليين من سكان عفرين، حيث أن العديد من المستوطنات بُنِيَت على أراضي أهالي عفرين بشكل تعسفي وجائر، والقانون يكفل بأن يتم إزالة كل الإشغالات على أراضيهم؛ لأنها تمت دون موافقتهم ورضاهم.

حاول الاحتلال التركي نسخ تجربة إسرائيل في فلسطين لبناء المستوطنات، وتوطين مرتزقته الإرهابيين فيها، لتغدو عفرين بؤرة تصدر الإرهاب إلى الشرق الأوسط والعالم، إلا أنها لم تحقق فيه أي نجاح يذكر، على العكس من ذلك، هناك عمل دؤوب من قبل الإدارة الذاتية والمؤسسات الحقوقية والإنسانية، على إلزام الاحتلال التركي وكل الكيانات الإرهابية المرتبطة به، وخاصة جماعة “الإخوان المسلمين” على جبر أضرار أهالي عفرين، ودفع تعويضات لهم جرّاء ما لحقت بهم من أضرار مادية ومعنوية بسبب بناء المستوطنات على أراضيهم.

إن أي اتفاق جدي مستقبلي بين الإدارة الذاتية وحكومة دمشق من شأنه أن يعيد لعفرين هويتها الأصلية، وهي النقطة الخلافية والتفاوضية الأولى في لقاء وفد شمال وشرق سوريا مع دمشق، حتى أن غدت عفرين في هذه المرحلة الحاسمة، مفتاح الحل بين الطرفين، وأي رؤية أو تصور لا يتضمن إنهاء الاحتلال وتفكيك ما تبقى من مستوطنات على أراضيها، وضمان عودة آمنة وكريمة لمهجريها، لن يحقق الأمن والاستقرار في سوريا برمتها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى