إضاءة على اعتوار خطاب الإسلام السياسي الذي يسعى لتحريض العشائر العربية ضد مسد وحجم التضليل فيه

كمال حسين
بعد عقد من النضال في سبيل دولة مجتمع التعددية والعدل والديمقراطية، وفي احتفالية الذكرى السنوية العاشرة لولادة مجلس سوريا الديمقراطية تطلق قياداتها بشائرها للسوريين، وتؤكد عزمها على لسان القائد العام لقواتها الجنرال مظلوم عبدي المضي قُدُماً في تحقيق أهداف السوريين ببناء سوريا الديمقراطية كدولة واحدة تشاركية لجميع السوريين من جميع الأطياف والمكونات والأجناس. ومع أهمية أن تصادفت هذه الذكرى مع الذكرى السنوية الأولى لسقوط نظام الأسد الاستبدادي البائد؛ فإن ما يعد بذي مغزى ما ورد في كلام الجنرال وهو يوجه التهنئة للشعوب السورية بإسقاط النظام، “لقد قمنا بدورنا في عملية إسقاط تطلبت وقتاً، وأن بشائر خير في طريقها إلى حياة السوريين، وأن اندماجاً لقوات قسد في جيش وطني موحد وفق مبادئ اتفاق 10 آذار بات أملأ ممكناً قبل نهاية هذه السنة”.
وبما أن الشيء بالشيء يذكر؛ فإن من الجدير الملاحظة بأن مشروع الحداثة الديمقراطية الذي خرج من رحم الثورة السورية بعيد انطلاقتها بقليل، كمولود موضوعي تحصل واقعته، ويحصل مثيل له في كل ثورات الشعوب، ومع اقترابه من بلوغ حالة اليقينية والنضج، ومن التهديد في أن يصبح مشروعاً ملهماً لشعوب الدول القومية والعقائدية شديدة المركزية وشديدة التنكر لطموحات شعوبها حتى أطلقت قوى الثورة المضادة في سوريا ومحيطها أدواتها الرجعية المناهضة، والمتمثلة بقوى الإسلام السياسي وأصابعه الإرهابية المعدة في مطابخ المخابرات التركية تارة والإيرانية والسورية تارة أخرى، ولتأتي ضمن النسق نفسه النغمة الأشد فبركة والأشد انفصالاً عن الواقع والتاريخ تحت مسمى ثورة العشائر العربية.
فثورة العشائر في المنبت والجذور ليست غير اختلاق دبجته قوى محلية وإقليمية تتلطى بشعارات الإسلام السياسي، وتخدم أجنداته، لا تسنده أي مقدمات موضوعية، كما لا يتفق مع أي دواعي تاريخية، والكلام في ثورة العشائر يقصد منه التوظيف والإعاقة في مسار تحالف مجلس سوريا الديمقراطية كخيار نهوضي لقضايا الشعوب في سوريا وجوارها نحو التحرر والحداثة. ولكي تكون الإعاقة ذات جدوى يجري الزج بالقومية الكردية في أتون هذا الاختلاق المصطنع، ويجري تطوير خطاب كراهية في أوساط العشائر العربية ضد المكون الكردي في المعادلة الوطنية السورية، وضد القومية الكردية في عموم دول المنطقة. وإلى ذلك تدور ثائرة قوى الظلام والإرهاب والفاشية، فتذهب نحو استخدام كل أشكال الاستعلاء القومي وامتهان الكذب والتزييف بقصد تأجيج صراع عربي كردي يخلط الأوراق، ويبعد الشعوب عن جوهر مشكلتها باعتبارها تحمل نزوعاً نحو المساواة والعدالة والديمقراطية، وتوقع إلى التعددية والتشاركية المتكافئة.
فمن أجل هذه الغاية، غاية قطع طريق الشعوب نحو الحداثة الديمقراطية والكرامة الوطنية؛ تؤلب تيارات الإسلام السياسي أتباعها ضد حركة النضال الكردية، وضد تحالفاتها النضالية مع الشعب العربي، ومع تطلعات الشعوب والأعراق والمكونات الموجودة فوق الجغرافيا السورية وفي محيطها. ولأن التثوير المزعوم لعشائر ترسمه البرامج الإسلاموية، وتوجهه الأجندات السياسية التركية؛ فمن الحتمي أن يكون قد تأثر بتطورات المشهد السوري الأخيرة، والتي كان من نتائجها وصول أشرس أنماط الدواعش إلى سدة الحكم في دمشق، ومن الطبيعي أن يكون قد اكتسب زخماً جديداً عكسته فورات النفير العام حصداً لمجازر في الساحل السوري وتالياً في السويداء بحق السكان الأبرياء.
ان حكومة الشرع الأحادية اللون والتفكير والممارسة تسعى إلى تشكيل وطن سوري على قياسها، وتفرض شكلاً للحكم والدستور يتفق مع أحلامها النرجسية المريضة وأحلام مشغليها وداعمي مشروعها التصفوي لكل من لا يدور في فلك مدرستها. ولأنها كذلك لا ترى في المشهد السوري والوطني أحداً غيرها، ولأن الكذب والتضليل ديدنها فهي تخاطر في وضع البلد في عين العاصفة، وتجازف في مصير من تدعي التفويض والوصاية، وحق التوجيه على خيارهم وقرارهم؛ حيث تقع العشائر العربية على رأس قائمة المغدورين حين يجري تضليل قطاع الرؤية أمامهم، وطمس الحقائق التاريخية المتصلة بالتحديات الفعلية التي تناصبهم العَداء والخصومة؛ فالكرد لم يكونوا يوماً في موقع خصومة مع عشائر العرب، ولم يخوضوا حرباً مع العرب، ويحتلوا أرضاً تعود للعرب أو غير العرب طيلة تاريخهم. وعند هذه النقطة، وفيما يتصل بتاريخ العرب والمسلمين يكون الافتراء في أعلى معدلاته حين نتجاهل سيرورة الأخوة العربية الكردية تحت سقف الإسلام؛ سيما حين نتجاهل مكانة القائد الكردي صلاح الدين في نصرة الإسلام والعرب.
أن يزج المناخ الذي خلقته سلطات الجولاني بالعشائر العربية في صِدام مع المكونات الوطنية السورية، وبخاصة مع المكون الكردي، ونموذج مجلس سوريا الديمقراطية تحت مسمى الغيرة على الدين والوطن؛ يدخل اليوم في تصنيف المغالطات الكبرى، أو الجرائم الخطيرة بحق الوطن والعشائر ذاتها، ويخالف في الصميم جوهر الروح الوطنية الجامعة التي درجت نخب العشائر الوطنية على التخلق بها خلال تاريخ سوريا الحديث، وخلال الحقبة المترافقة مع ولادة وتطور تجربة مجلس سوريا الديمقراطية. هذه الحقبة التي شهدت اصطفافات مبكرة كبرى لقوى وشيوخ عشائر عربية معروفة إلى صف المشروع الديمقراطي الوطني الذي تنهض به قوى تحالف مسد، والقول بهذا الانطباع ليس تقديراً أو تلميعاً للواقع؛ بل هو من باب الحقائق الواقعة على الأرض. حيث يشكل العنصر العربي أكثر من نصف القوات المنخرطة طوعاً في قوام هيكل قسد، كما يشكل نفس النسبة في المفاصل الإدارية وفي دوائر القيادة السياسية صاحبة القرار في الإدارة الذاتية وفي القوات المقاتلة، كما قيادة الأحزاب الفاعلة في إطار المجتمع والإدارة.
وحول لب هذه المسألة، هل قسد ومشروعها في مواجهة بنيوية مع محيطها الشعبي؟ أم هي في شراكة عضوية مع بيئتها المجتمعية؟ فالوقائع والمعارك ومواجهة التحديات كلها تؤكد أن المكون العربي هو صاحب المشروع، وفي قلبه منذ نشأته، والتحالف لإنجاحه تحالف عضوي لا تنفك عراه. فمن لا يعرف المكانة الدينية والشعبية للرئيس المشترك السابق لمسد الشيخ رياض دار، ومن لا يعرف الرئيس الحالي الدكتور محمود المسلط، والرئيس المشترك الحالي للإدارة الذاتية الدكتور حسين عثمان، وعبد حامد المهباش وخلف داهود وعلي سعد وأمجد علي سعد وسعود الشمري ومريم إبراهيم من دير الزور في رئاسة حزب الاتحاد الديمقراطي، والناطق باسم وفد التفاوض، وغيرهم الكثير من الكوادر القيادية الفاعلة. والعرض يطول في عمقه وامتداده، ويُكَذِّب صناع الفتنة والقائلين بتناقض مصالح سياسية بين العرب والكرد.
وبالانتقال إلى قائمة مسميات العشائر وشيوخها البارزين في الشمر والعكيدات والجبور وسواها الكثير، فالعرض متنوع وطويل، ومؤتمر العشائر الذي انعقد بحضور ستة آلاف مندوب في العام 2019 بقيادة السيدة أمينة عمر، وقتها قدم حسم الجدل جذرياً لصالح الوحدة الوطنية ولمصلحة الأخوة العربية الكردية. وفي الختام لا يراهن عاقل اليوم على أن السلوك الطائفي الذي تشيعه سلطات الشرع المتطرفة، والمبرمج من الخارج الإقليمي لخدمة أجندات تركية أو إيرانية أو ما شابه؛ سيكتب له النجاح في لحظة حساسة من تطور المناخ الدولي بما يتعاكس مع اتجاه الريح الذي تراهن عليه أنقرة وباقي عواصم تسويق الإسلام السياسي.




