هل بدأ العـ.ـد التـ.ـنازلي لإنهـ.ـاء ملف “الجـ.ـهاديين الأجـ.ـانب” في سوريا؟
مرة أخرى تصدرت ما تُسمى مسألة “الجهاديين الأجانب” في سوريا المشهد العسكري والسياسي إثر الاشتباكات التي اندلعت بين كتيبة “الغرباء” الفرنسيين التي يتزعمها الفرنسي ذي الأصول السنغالية المدعو “عمر أومسين/ عمر ديابي” في مخيم “الفردان” بمنطقة “حارم” بريف إدلب، وعلى الحدود التركية مباشرة مقابل بلدة “الريحانية” في الجانب التركي.
ذاك الملف هو في ذات الوقت مثار جدل محلي وإقليمي ودولي، خاصة بعد مشاركتها في أعمال التطهير العرقي في الساحل السوري والسويداء وباقي المنطقة السورية إثر سقوط النظام البائد.
وفق مصادر غربية وعربية؛ فإن حكومة “الشرع” تتعرض لضغوط كبيرة لحل ملف “الجهاديين الأجانب”، وأكدت بعض التقارير الموثوقة أن “الشرع” خلال زيارته فرنسا في مايو/ أيار الماضي، تعهَّد للرئيس الفرنسي “ماكرون” بإيجاد حل لـ”الجهاديين الفرنسيين” وعلى رأسهم قائدهم “أومسين”.
حسب مراقبين للأوضاع في سوريا، بدأ مسلسل “تصفية” الجماعات الجهادية مع اعتقال السلطة المؤقتة القيادي الإيغوري “أيوب التركستاني” المعروف بلقب “أبو دجانة التركستاني” مطلع شهر أكتوبر/ تشرين الأول، بعد أن وثَّقَ هو بنفسه مشاركاته في مجازر الساحل والسويداء عبر مقاطع مصوّرة بثها، فيما نقلت بعض المصادر أنباء عن افتتاحه مكتباً للسيارات الفارهة في دمشق تُقدَّر قيمتها بملايين الدولارات. واندلعت احتجاجات في إدلب وريفها مطالبة بالإفراج عن “أبو دجانة” و”أبو إسلام”، وتواترت الأنباء حول الإفراج عنه، إلا أنه تأكد فيما بعد استمرار اعتقاله في أحد سجون الأمن العام في إدلب.
اللافت أن زوجة “أبو دجانة التركستاني” وصلت معها الشطط والمغالاة، بحيث كشفت في مقابلة صحفية مع الصحفي الأمريكي ضمن “هيئة تحرير الشام” المدعو “بلال عبد الكريم” في 15 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، بثتها عبر حسابه على منصة (X)، أن زوجها جاء إلى سوريا “بعد أن رأى نساء مسلمات يرغبن في الحرية، وكرَّس نفسه لتحرير سوريا من الظلم”، وكأن النساء السوريات لم يتحولن إلى سبايا على أيدي تلك الجماعات الإرهابية.
فيما خرج “أبو دجانة الداغستاني” مطالباً بالإفراج عن “أخيه التركستاني”، موضحاً أنه يتعرض للابتزاز في السجن، وأن كل ما نشر عنه بأنه يمتلك ملايين الدولارات افتراء هدفه إبقاءه في السجن.لقد وضعت الولايات المتحدة ضمن إحدى شروطها إنهاء ملف “الجهاديين الأجانب” مقابل رفع العقوبات عن سوريا، وإعادة علاقاتها الدبلوماسية معها، حيث يشكل هؤلاء ملفاً ضاغطاً على الحكومة المؤقتة برئاسة “الشرع”، ولا يمكن أن تستعيد الثقة الدولية بها إلا عند إنهاء هذا التهديد المؤجل.
إلا أن المستشار السياسي للرئيس “الشرع” “أحمد زيدان” برَّرَ في مقابلة له مع إحدى وسائل الإعلام المحلية منح الجنسية السورية لهؤلاء “الجهاديين الأجانب”، معتبراً أنهم قضوا أكثر من عشر سنوات على الأراضي السورية، وبموجب الدستور السوري يحق لهم امتلاك جنسيتها. كما أشار إلى أن لهم “أفضال” على الشعب والحكومة السورية، بأنهم قاتلوا النظام البائد.
وأشار بشكل موارب إلى مسألة بقائهم على الأراضي السورية، عندما قال بأن أياً من الدول لا تقبل بوجودهم على أراضيها، والحكومة السورية مجبرة على ضمهم للمجتمع السوري، وأينما ذهبوا سيشكلون تهديداً لتلك الدولة، وهو يتجاهل عن عمد خطورة وجودهم في سوريا، وكأنهم في سوريا تحولوا إلى حملان وديعة، ما يشير إلى وجود تيار قوي ضمن السلطة الحالية تحاول الاحتفاظ بهم، واستخدامهم ورقة ضغط وتهديد على دول الجوار والعالم أجمع.
مسار التغييرات السريعة في سوريا، والمأزق الذي تمر به سلطة “الشرع” يفرض عليها تنفيذ التزاماتها تجاه الدول الغربية، عبر تفكيك تلك الجماعات “الجهادية الإرهابية”. ففي حين قالت فرنسا إنها كانت تراقب ما يحصل في مخيم “الفردان” عن كثب، كشفت مصادر أخرى أن الصين أيضاً تنسّق مع حكومة “الشرع” بشأن “الجهاديين الإيغور/ الحزب الإسلامي التركستاني”، وأن أي استعادة للعلاقات معها والمشاركة في إعادة إعمار سوريا مرتبطة بإنهاء تلك الجماعة، أو تسليمهم إليها.
بعض الأوساط السياسية والاستخباراتية طرحت سيناريو إعادة هؤلاء إلى تركيا، على اعتبار أنهم استقروا فيها فترة طويلة من الزمن، منذ بدء ما يسمّونه “الجهاد في أفغانستان”، ومن تركيا كانوا يصلون إلى أفغانستان، وأن تركيا حثتهم لدخول سوريا بدءاً من عام 2012، حيث انضم قسماً منهم إلى تنظيم “داعش” الإرهابي، وقسماً انضموا إلى “جبهة النصرة” التي تحولت أخيراً إلى “هيئة تحرير الشام”، فيما قسماً كبيراً من الإيغور حافظوا على هيكليتهم التنظيمية المرتبطة بتنظيم “القاعدة” عقائدياً وإيديولوجياً، واتخذوا من مناطق شمال اللاذقية وجبالها، وصولاً إلى مناطق جسر الشغور أماكن لهم، وحصلوا عبر تركيا و”هيئة تحرير الشام” على السلاح والعتاد واستقروا في منازل نزح عنها أهلها الأصليين، وتسنى لهم فيما بعد استقدام عوائلهم أيضاً.
والإيغور هم الأكثر عدداً ما بين “المجاهدين الأجانب” الذين يطلقون على أنفسهم “المهاجرين”، حيث تشير التقديرات إلى أكثر من 4 آلاف “جهادي متطرف”، وأغلبهم من جماعة ما يطلقون عليهم اسم “العصائب الحمراء”، أي الانتحاريين. فيما يُقدَّر عدد “الجهاديين الأجانب” من كل الجنسيات ضمن “هيئة تحرير الشام” بأكثر من 10 آلاف شخص، دون عوائلهم وأطفالهم، وهو رقم كبير يهدد مستقبل سوريا والمنطقة عموماً.
من جانب آخر تطرح بعض الأطراف الدولية سيناريو إعادة هؤلاء إلى أفغانستان، على اعتبار أن قسماً منهم قضى فترة لا بأس بها في أفغانستان أثناء القتال ضد الاتحاد السوفياتي، وكذلك ضد الولايات المتحدة الأمريكية لاحقاً، ولهم حاضنة شعبية وقبول من قبل حركة “طالبان” التي تدير أفغانستان.
وبكلتا الحالتين الحكومة السورية مضطرة للتخلص من هذا الصداع المزمن بأي شكل من الأشكال، ومهما كانت النتائج والارتدادات عليها. فلا يمكنها الاستمرار مع وجود هذه القنابل الموقوتة بحضنها.
فإن كانت تلك الفصائل تُطلق توصيفات مختلفة على “الشرع” وسلطته بأنها “خرجت عن الملّة” وتحاول التفاهم والاتفاق مع “اليهود والصليبيين”، فإن هذا التوجه سيقود بالتأكيد إلى المواجهة الحتمية بينهما، وكانت شرارتها الأولى مع “المجاهدين الفرنسيين” في مخيم “الفردان”، حيث وصل حراكهم العلني إلى مركز العاصمة دمشق أيضاً، بعد أن هبَّ “الأوزبك والشيشان وغيرهم” لما أطلقوا عليه “فزعة الإخوة الفرنسيين”، لتتوسع دائرة المعارضة والتمرد. غير أن أخطر ما يهدد “الشرع”، حسب بعض المختصين في شؤون الجماعات الإسلامية المتطرفة، هو وجود بعض الشخصيات “الجهادية” ضمن مراكز القرار وفي المؤسسات العسكرية السورية، وكذلك محاولات دمجهم في المجتمع السوري بشكل قسري، رغم أن السوريين لا ينسجمون مع تلك الشخصيات مطلقاً.
فإن كانت حكومة “الشرع” قد جسَّت نبض “الجهاديين الفرنسيين” في أول امتحان لها، وفشلت فيه، حسب العديد من المراقبين، وقبلت بشروطهم، في النقاط التالية:
1 – فك الاستنفار ووقف إطلاق النار بين الطرفين.
2 – سحب السلاح الثقيل إلى الثكنات.
3 – إيقاف التحريض الإعلامي من الطرفين.
4 – إحالة الأمر كله إلى القضاء الشرعي في وزارة العدل.
5 – متابعة قضية “عمر أومسين” في القضاء من خلال الأخوة المهاجرين “أبو محمد التركستاني، عبد العزيز الأوزبكي وأبو أنس الطايفي”
.6 – فتح المخيم أمام الحكومة السورية.
فإنه بعد تلك المواجهة، سيعمل الطرفان على إعادة حساباتهم السياسية والعسكرية من جديد. إلا أن ما تجلى في تلك المواجهة القصيرة؛ هو تحوّل كل طرف إلى خصم للآخر، وهذه الخصومة ستتحول مع قادم الأيام إلى عداوة مستفحلة قد تفجر الأوضاع وتبدأ مرحلة التصفية، وهو صراع لا تستطيع حكومة “الشرع” تجنبه، بل أصبح شرطاً وجودياً لها ولاستمرارها في السلطة، وهؤلاء “الجهاديون” أكثر ما يهددونها.




