مقالات رأي

ماذا لو كان مظلوم عبدي رئـ.ـيساً لـ سوريا؟

محسن عوض الله

خلال متابعتي لما تقوم به الدولة السورية من مفاوضات ومباحثات شاقة مع الطرف الإسرائيلي والجولات المكوكية التي يقوم بها السيد أسعد الشيباني وزير الخارجية من باكو إلي باريس وواشنطن لمقابلة مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى.

والتصريحات الأمريكية التي خرجت قبل فترة ليست بعيدة على لسان المبعوث الأمريكي توماس براك أن الرئيس السوري أحمد الشرع يحقق أهداف أمريكا في المنطقة.

بجانب إعلان الرئيس الشرع بنفسه عن اتفاق قريب قد يتم توقيعه من إسرائيل خلال أيام وربما بحسب تسريبات قد يتم ذلك في نيويورك برعاية شخصية ترامب خلال أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة التي يشارك فيها الشرع لأول مرة لرئيس سوري منذ أكثر من نصف قرن.

هذه التحركات والتصريحات والمفاوضات، أثارت في ذهني سؤالاً قد يبدو مثيراً للجدل، وهو ماذا لو كان الرئيس السوري الحالي وطاقم إدارته من الكرد؟

لا أتحدث بالطبع عن انتماء الشرع، ولكن ماذا لو من يجلس في قصر الشعب الأن هو مظلوم عبدي ووزير خارجية سوريا كان صالح مسلم!

ماذا كان سيحدث لو اجتمع صالح مسلم بالإسرائيليين بشكل علني كما يفعل الشيباني كل إثنين وخميس؟

ماذا لو خرج متحدث أمريكي ليعلن أن الرئيس السوري مظلوم عبدي يخدم مصالح أمريكا، ويحقق من خلال منصبه أهداف واشنطن في الشرق الأوسط، كيف كان السوريين سيستقبلون مثل هذه التصريحات؟

وكيف سينظرون لرئيسهم الكردي؟

بل لنعود للوراء قليلاً، ماذا لو كانت قسد هي من دخلت دمشق في الثامن من ديسمبر، وأستولت على نظام الحكم بدعم أمريكي كونها حليف عسكري لواشنطن؟

ماذا لو اختار الغرب قسد لتقوم بمهمة إسقاط الأسد، وإنهاء حكمه بدل من جماعة الجولاني؟

بل ربما لو كان قسد من قامت بتلك المهمة لكان الأمر أكثر قبولاً ومنطقية بحكم علاقاتها المعروفة بالتحالف الدولي بقيادة واشنطن.

تخيل معي أن مظلوم عبدي يجلس في قصر الشعب والطائرات الإسرائيلية تغزو أجواء دمشق، وتحتل جنوبها وتقصف قوات الجيش في السويداء.

تخيل معي أن صالح مسلم يظهر على طاولة مفاوضات واحدة مع مسؤول إسرائيلي ليتحدث عن مفاوضات وتنسيقات أمنية مشتركة.

هل كان الائتلاف السوري المعارض سيلتزم الصمت كما يفعل الآن؟

هل كانت الحكومة السورية الموالية لتركيا غرب سوريا ستلتزم الصمت كما هو الحال الآن؟

لا أبالغ إن قلت أن وجود الشرع في سدة الحكم وسياساته الحالية تخدم الكرد بشكل كبير، فلو كان الرئيس الحالي هو مظلوم عبدي؛ ومارس وانتهج نفس السياسات التي ينفذها الرئيس الشرع لخرجت عليه المظاهرات الداعية لإسقاطه لكونه “عميل للأمريكان والصهاينة” وفق التعبير الذى تصف به المعارضة الكرد حتى وقت قريب.

لو كان عبدي رئيساً وانتهج سياسات الشرع الحالية لخرج عليه الشرع نفسه في ثوب الجولاني قائد إمارة إدلب معلناً الجهاد عليه، ولكان وصفه بأبشع الصفات، ولقال عنه بأنه لطخ سمعة السوريين، وأهان دمشق عاصمة الأمويين برضوخه وانكساره أمام الصهاينة والأمريكان.

لو كان عبدي رئيساً لانطلقت مظاهرات الائتلاف الوطني السوري تطالب بإسقاطه بتهمة التطبيع مع الكيان الإسرائيلي المحتل، وتنفيذ إرادة ومصالح وأهداف المستعمر الأمريكي كون الكرد من الأساس ” عملاء لأمريكا” كما تصفهم المعارضة التي هي بالأساس صنيعة تركية.

لو كان عبدي رئيساً وانتهج نفس سياسة الشرع لخرجت عليه مرتزقة تركيا كأمثال أبو عمشة وأبو شقرا من الحمزات والعمشات والسلطان مراد وغيرها طلباً لرأسه، نظير خيانته وعمالته لإسرائيل وتفاوضه معها على التنازل عن الأرض السورية سواء في جبل الشيخ أو الجولان.

أقولها وأكررها، وجود الشرع ذو الخلفية الجهادية على رأس السلطة في سوريا منح الكرد براءة تاريخية من تهمة طالما حاولت تركيا وأذنابها السوريين إلصاقها بهم وهي تهمة الخيانة والعمالة.

استفاد الكرد من وجود الشرع في السلطة حيث قدم نموذجاً للبراغماتية السياسية التي تضر بمستقبل سورية كدولة موحدة ذات سيادة، تل البراغماتية التي لو فعلها غيره لاستباح السوريين دمه.

أنا لا ألوم الشرع، وأدرك أن الأزمة السورية وأرث البعث الذي قضى على مظاهر الحياة في سوريا على مدار أكثر من نصف قرن أعقد مما يتخيل البعض.

الشرع يسير على الأشواك، ويحطم تابوهات وثوابت طالما ارتبطت في أذهان السوريين بالتيار الديني والجهادي، لا ألوم الشرع ولا أزايد على مواقفه فهو في موضع المسؤولية، ويعلم ما لا نعلم، ويفعل ما يملى عليه، وربما يأت يوم ويتمكن السوريين من محاسبته على سياساته وقرارته؛ ولكن أتساءل بكل صدق ماذا لو كان عبدي مكان الشرع؟ هل كنا سنشاهد نفس ردود الأفعال على المفاوضات مع إسرائيل والتنازلات أمام أمريكا، رغم أن جميع مؤيدي ومسؤولي السلطة الانتقالية في دمشق لا ينكفون عن نعت الكرد بالعمالة لإسرائيل وخيانة سوريا، تاركين الشرع وحكومته الانتقالية يوقعون لإسرائيل على بياض دون أدنى ردة فعل.

وفي الختام، ربما يكون الله نجا سوريا من مصير مظلم حال وجود رئيس كردي مكان الشرع في هذه الفترة الانتقالية؛ نظراً لما كان سيحدث من فتن وفوضي وتحريض على الرئيس لكونه كردياً فقط، ولكن المؤكد أن الله نجا الكرد من مسؤولية كان كفيلة بإسقاط مشروعهم السياسي؛ الذي مازلت أعتقد أنه قادر على إخراج سوريا من دوامة الفوضى والعنف، وأنه الخيار الأنسب لسوريا المستقبل التي تستحق قيادات أفضل بكثير من الأسد والشرع أيضاً.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى