اتـ.ـساع دائرة المـ.ـطالبين بالحرية لأوجـ.ـلان وبالأوجـ.ـلانية مخـ.ـرجاً من الأزمـ.ـات
كمال حسين
لم يكن في حساب أصحاب قرار السجن في أروقة دوائر الاستخبارات التركية وداعميها أن المناضل الشاب على موعد مع تجربة في العصف الذهني، وأنه سيحول زنزانته في تلك الجزيرة إلى منصة إبداع وإنتاج لعشرات الألوف من أوراق البحث والتحليل والتنظير في السياسة والاقتصاد والفلسفة، وفي سائر فروع المعرفة. لم يكن في تقدير ذلك السجان الأحمق إنه يرتكب خطأ التاريخ، وأنه يعتقل شخصاً من التاريخ لا بد أن يتحول يوماً من سجين في قضية سياسية، إلى محقق هو من يستجوب سجانيه. نعم هكذا هي مسيرة تطور القصة، فلقد تحولت الحملة من أجل حرية أوجلان إلى حركة ضغط عالمية، وأصبحت السلطات التركية في مواجهة مع قصة الفلسفة هذه المرة، وأصبحت المعركة مع جيش المبدعين وأنصار العقل. هكذا تقول العبرة من دخول أدونيس الشاعر الكبير الغني عن التعريف على خط الدعوة إلى حرية القائد أوجلان، وهكذا تكتسب الحملة العامة المنهمكة بتوفير الحرية لأوجلان زخمها الجديد، وتسجل نجاحاً باهراً وثقلاً محسوباً جراء انضمام قامة أدبية وفكرية فذة تمثلت بشخص الشاعر السوري “علي أحمد سعيد أسبر” المعروف في الأوساط الثقافية بلقب أدونيس، وبانضمام هذا المبدع المفكر صاحب المواقف الجريئة في الفكر والسياسة وفق ما تتحدث به وتعكسه المئات من المؤلفات والدراسات، والذي يعد بحق صديقاً للفلسفة والفلاسفة ومنشئاً لها وليس ضيفاً عابراً لحقلها، وحينما ينضم هذا المبدع التسعيني، والمرشح لنيل جائزة نوبل للآداب لأكثر من ثمان عشرة دورة، والمنحاز إلى صف العلمانية والديمقراطية، وإلى المراجعة النقدية في الموروث الثقافي؛ ينحاز معه أكثر من جيل واحد من أجيال المثقفين، ولا مبالغة في القول إن في كلام أدونيس عن لزوم الحرية لأوجلان معنى يفيد بأن تاريخاً من الثقافة الديمقراطية العلمانية الناقدة بكليته بات يردد بطلب الحرية للقائد أوجلان.
وبالعودة إلى سؤال متى ستأتي قسد؟ متى ستنكسر إرادة العنف والإرهاب؟ ومتى ستبصر النور دولة السلام والمساواة والديمقراطية، ثم متى سيخيم هذا النموذج على أوسع نطاق في الإقليم، وعلى السياق نفسه، وفي إطار البحث عن رجع صدى الأفكار الأوجلانية في أذهان الشعوب؛ يتجه الاهتمام في الداخل التركي إلى مبادرة السلام التي أطلقها القائد أوجلان قبل نحو عام، وإلى تفاعلاتها في الأوساط السياسية والإعلامية، وضمن أروقة البرلمان التركي. حيث يكثر الجدل عن تأخر تفعيل مبدأ حق الأمل الذي قد أقرته محكمة حقوق الإنسان في دول الاتحاد الأوروبي.
هذا التشريع الذي أقر في العام 2024 ويمنح لمن أمضى 25 عاماً من فترة محكوميته المؤبدة، ويضمن الحق بتقديم طلب للعفو عن باقي مدة محكومية. هذه الفرصة التي صارت من حق القائد أوجلان الذي أمضى أكثر من 26 عاماً في السجن في جزيرة إمرالي التركية، فاستحقاق استخدام مبدأ حق الأمل وتلكؤ السلطات التركية في منحه يدخل هذه السلطات في مأزق شديد، وذلك لحسابات ثلاث، الأول، توفر الشرط القانوني الذي يخول محامي أوجلان المطالبة بتنفيذ حق الأمل. والثاني، تواتر المبادرات الأوجلانية ذات المصداقية نحو السلام، والتي جاءت ترجمتها من خلال المبادرة إلى حل حزب العمال الكردستاني، ودعوة كوادر الحزب إلى إلقاء السلاح. الثالث، تصاعد وتيرة الحملات الإنسانية، وحملات المنظمات الحقوقية والمؤسسات الثقافية المُطالِبة بضرورة تأمين الحرية الجسدية للقائد أوجلان.
في الختام نخلص إلى استنتاج يقول “إن الحكومة التركية لن تستطيع الصمود طويلاً في وجه الحركات والضغوط المطالبة بالحرية لأوجلان، وسيكون طليقاً في الأيام القليلة القادمة، وبأن اتجاه الريح يعمل لصالح مدرسة القيم الأوجلانية التي طالما نادت بمشروع السلام والمساواة والتشاركية، ولأنها تستجيب لحاجات المجتمعات المتطلعة إلى الاستقرار والتحضر، وتجيب على الأسئلة التي خلفتها الأزمات وخلقتها النماذج السابقة.



