مانشيتمقالات رأي

سوريا بين قوة القانون وقانون القوة

محسن عوض الله

جاء بيان خبراء الأمم المتحدة حول أحداث العنف التي شهدتها محافظة السويداء، ذات الغالبية الدرزية جنوب سوريا الشهر الماضي، ليضع إصبعه على جرح البلاد المفتوح.

صوت الخبراء بدا وكأنه قادم من قلب المأساة السورية، مذكّراً بما يعرفه السوريون ويخشون البوح به: ما جرى في السويداء، وما شهدته قرى الساحل، ليس سوى انعكاس لبلد فقد قوة القانون واستسلم لقانون القوة.

في بيانهم الصادر يوم الخميس 21 أغسطس/آب، لم يختبئ الخبراء الأمميون خلف لغة دبلوماسية باردة، بل وصفوا المشهد بوضوح، متحدثين عن جرائم قتل وخطف وإخفاء قسري ونهب وتدمير للممتلكات، إضافة إلى انتهاكات جنسية طالت النساء والفتيات في السويداء.

الأخطر في التقرير أن أصابع الاتهام وُجِهَتْ إلى قوات مرتبطة بالسلطات المؤقتة التابعة لحكومة أحمد الشرع، وهي الجهة المفترض أن تكون مسؤولة عن حماية الناس وصون حقوقهم.

وأشار الخبراء إلى مناخ خانق يسوده الإفلات من العقاب، جعل العائلات تصمت مُكرَهة، إذ كيف تطالب بكشف مصير أبنائها فيما الجناة ما زالوا يلوّحون بالسلاح؟

السويداء لم تكن وحدها في هذا المشهد القاتم، فقد سبقتها قرى الساحل السوري إلى المأساة ذاتها، حيث ارتكبت مجازر بحقهم، وسبيت نساؤهم، وأُحرقت البيوت، ونهبت الممتلكات، ونزحت عائلات كاملة تحت وطأة الخوف.

رسائل متطابقة من الجنوب والغرب؛ تؤكد أن غياب القانون يجعل السلاح هو الحكم، وأن سوريا تتحول من دولة إلى ساحة تتنازعها الطوائف والمليشيات. مثل هذه الانتهاكات لا يمكن تبريرها تحت عناوين “تفلت أمني” أو “حوادث فردية”، فهي دليل صارخ على غياب عقد وطني جامع يساوي بين السوريين.

في غياب القانون، لا تعود المواطنة أساس الانتماء، بل تتحول الولاءات إلى الطائفة أو القبيلة، ويحل الخوف محل العدالة، ويغدو الصمت بديلاً عن الحق. الدولة التي بلا قانون ليست حضناً لمواطنيها، بل فراغاً يبتلع ثقتهم.

القانون ليس شعاراً يرفع على المنابر، ولا مادة جامدة في الدساتير، بل هو الضمانة الحقيقية لكرامة الناس. فلو كانت قوة القانون حاضرة، لما استهدفت قرى السويداء، ولما احترقت بيوت الساحل، ولما تحولت أجساد النساء إلى مسرح لانتهاكات صامتة.

قوة القانون وحدها القادرة على تحويل السلطة من عصا غليظة إلى مظلة آمنة، وعلى جعل ولاء الناس للدولة نابعاً من الثقة لا من الخوف.

اليوم تقف سوريا أمام مفترق طرق، إما أن تختار بناء دولة عادلة تحكم الجميع بالحق، أو تبقى أسيرة قانون القوة، حيث يفرض السلاح سلطته، ويهيمن الخوف على المصير.

لقد أثبتت أحداث السويداء والساحل أن البلاد ليست بحاجة إلى مزيد من البنادق، بل إلى منظومة قانونية تحمي الضعفاء قبل الأقوياء. فلا سلاح يعوض غياب العدالة، ولا قوة تعادل قوة القانون. ومن دونه ستبقى سوريا عالقة بين ركام الأمس وخوف الغد، تبحث عن دولة ضاعت ملامحها ووطن لم يعد يشبه نفسه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى