أين صوت النخب الوطنية السورية السنيّة ، هل هي غائبة أم مغيّبة أم حسمت أمرها للوقوف خلف هذه السلطة ؟

عبدالوهاب أحمد
بداية لا بدّ من القول: أن ما يحصل في سوريا بعد سقوط بشار الاسد ونظامه من حالة احتقان و تخوين وتبرير للقتل العام على الهوية ضد بعض مكونات الشعب السوري يتحمل مسؤوليته بالدرجة الأولى الإدارة الحالية . وذلك منذ اللحظة التي نصب فيه الشرع نفسه رئيساً عرفياً على السوريين في ” خطاب النصر ” بحضور قادة مجموعات مسلحة توغلوا في قتل السوريين ، وقاموا بافضع الجرائم والانتهاكات بحق المدنيين في مناطق سورية عدة ، ثم بدأ بسلسلة إجراءات عززت من حالة الطلاق بين الشعب والدولة ، بدل ردم الخلافات والشرخ بين المجتمعات السورية التي افرزتها سنوات الحرب ونظام المجرم بشار الاسد.
ما قامت به الإدارة الجديدة، ليست فقط مصادرة الهوية الوطنية من السوريين لصالح الأغلبية السنيّة كما يحاول أن يوهم الحاضنة السنيّة، وإنما صادرت أيضاً رأي الأغلبية السنيّة المعتدلة بقواها السياسية والمدنية والمجتمعية والإقتصادية والثقافية لصالح أجندة جماعته السلفية الجهادية تحت مسمى ” حكومة الأغلبية المظلومة التي إنتصرت على الأسد ” . لتكون تلك الأولى الخطوات لاقصاء أهل السنة المعتدلين ونخبها السياسية قبل اقصاء باقي المكونات لاحقاً من الشراكة في بناء الدولة السورية . ومن هنا بدأت فكرة مضمون الإعلان الدستوري التي منح كامل الصلاحيات للرئيس ، وكذلك فكرة ماسميّ بمؤتمر الحوار الوطني الذي خص به الافراد عوضاً عن الكيانات السياسية أو المدنية ، وتلاها بتشكيل حكومة اللون الواحد ، ناهيك عن توزيع جميع المناصب الإدارية والسيادية والدبلوماسية على حاشيته في حكومة الانقاذ السابقة في ادلب .
الاعتقاد السائد ، أن هذه السلطة ورطت الحاضنة السنيّة بالوقوف خلف مشروعها المزعوم بذريعة « بسط السيادة الوطنية على كامل الجغرافيا السورية ، وإنهاء حالة الإدارات المحلية في مناطق متفرقة من سوريا » ، وروّجت بالتوازي لفكرة أن ” الأقليات ترفض حكم الغالبية ، وأنها تكنُّ العداء ، وتتهيأ للانقلاب على السلطة الجديدة” ، وبهذه « الفزّاعة » بدأت السلطة أولى معاركها « التأديبية» ضد أهل الساحل والسويداء ، ولم تتوانى عن تهديد المناطق الكردية يومياً تحت مسمى « تحرير الجزيرة السورية من قسد » . ليعيد بذلك إلى الأذهان ما قام به بشار الأسد في بداية الثورة السورية عندما جعل الطائفة العلوية شريكة له في سفك الدم السوري بذريعة أن « السنّة ستبيد العلوية اذا استلموا الحكم ، وأن معركتنا هي معركة حياة أو موت » .
في ظل هذا التوجه المدمّر الذي تنتهجه ادارة الرئيس الشرع ، وذهابها بسوريا والسوريين الى حالة اللاعودة بعد تفسيخ الهوية الوطنية ، وفرز السوريين الى طبقة نبلاء وأشراف ، والبقية ثُلة من الخونة والعملاء والفلول والانفصاليين ، لاتزال النخب الوطنية السنيّة تلازم الصمت باستثناء بعض الاصوات الخجولة ، ومازالت صوتها مغيّبٌ في هذا المشهد المأساوي ، ليس دفاعاً عن مظلومية الأقليات ، وإنما منعاً لتوريط الأغلبية السنيّة أكثر في سفك الدم ، وتلطيخ سجلها بالانتهاكات الجسيمة ضد السوريين ، وذلك من خلال النهوض بالدور المنوط بها إنطلاقاً من مسؤوليتها الأخلاقية والإنسانية لإنقاذ الدولة السورية من التشظي والانقسام المجتمعي والجغرافي .
لم يعد مبرراً لهذه النخب كل هذه الصمت المريب حيّال كل ما يجري في سوريا حتى الآن ، ولم يعد مبرراً الإختباء خلف وهم إعطاء الفرصة لهذه السلطة لطالما تتلقى الإعتراف والدعم الدولي والإقليمي ، أو الركون لمغريات حجم العقود الإستثمارية الوهمية ، وأكذوبة تأمين الاستقرار والرخاء وإعادة الإعمار للمناطق السنيّة المتضررة من الحرب . نعم هذا كله لم يعد مبرراً إذا أرادت حكم الدولة السورية بمنطق الأغلبية السكانية ، وإذا أرادت أن تكسب محبّة كل السوريين على اختلاف طيفهم العرقي والديني والطائفي والسياسي ، والذي لا يكون مساره عبر مشروع هذه الإدارة الإقصائي والانتقائي ، وسطوها على السوريين خارج إرادتهم ، بل يكمن في اعلان التبرىء منها ، والدعوة لرفض كل ممارساتها وإجراءاتها ، من خلال موقف صريح تعلن الاندماج والتفاعل والاصطفاف مع حقوق ومطالب كل السوريين خارج سرديات الإدارة الحالية وتوصيفاتها المزيفة ضد الأقليات . ولعل هذا أعظم مسؤولية تنتظر النخب الوطنية السنيّة مع بقية القوى الوطنية السورية من كافة المكونات ، للوقوف في وجه هذه الجماعة التي أثبتت أنها لا تنتمي للعائلة السورية ، ولا للحضارة والإرث التاريخي المدني لشعوبها الذين تميّزوا بها عن باقي شعوب المنطقة ودولها في بناء دولة المؤسسات ، واشاعة الديمقراطية ، وممارسة الحياة البرلمانية ، واحترام الحريات العامة والخاصة ، وتفعيل الحياة السياسية والنقابية منذ البدايات الأولى لتأسيس الدولة السورية . لا تليق بهذه الطائفة العريقة ونخبها الفكرية الراقية ، وبرجوازيتها الإقتصادية ، وكفاءاتها العلمية والسياسية ، أن تصادر جماعة سلفية تكفيرية رأيها ، وتحكم باسمها على الدولة السورية بالموت السريري تنفيذاً لأوهامها الايديولوجية المزعومة .
ختاماً ، من نافل القول : أنّ مهمّة إنقاذ سوريا من الانزلاق لحروب أهلية ، عرقية وطائفية ، أو الذهاب نحو تفتيت البلاد، تتحمل مسؤوليتها بعد الشرع وإدارته الأغلبية الحقيقية السنيّة ، وهذه المسؤولية تبدأ بتصحيح المسار من الآن وليس غداً ، والتفاعل مع بقية المكونات السورية التي تطالب ببناء دولة ديمقراطية مدنية تعددية تشاركية على أساس العدالة والمساواة والمواطنة واللامركزية .