تقاريرمقالات رأي

مخطط تفـ.ـجير سوريا

محسن عوض الله
وكأن قدر سوريا ألا تهدأ؛ وكأنها لم تزل في قلب زلزال لا ينتهي، وكأن النظام لم يسقط، وكأن الأرض السورية لم تشبع من دماء أبنائها.
في وقت كان يُفترض أن يبدأ السوريون صفحة جديدة، هناك من يعمل بهدوء ممنهج لإعادة كتابة المشهد بلغة التفجير الداخلي والتقسيم.
بعد شهور من أحداث الساحل، وأسابيع من مآسي اللاذقيّة، يبدو أن هدف المخطط تحول إلى مكوّن جديد من مكوّنات الشعب السوري. لقد حلّ الدور هذه المرة على الأحياء الكردية في حلب — الشيخ مقصود والأشرفية — حيث تُحاك خطوة قد تشعل المشهد بأكمله.
الواقع في الشيخ مقصود والأشرفية لا يمكن اختزاله في مجرد إخفاق إداري أو بطء في تنفيذ اتفاقيات؛ ما نراه عمل ممنهج يخفي خلفه مصالح من يستفيدون من بقاء البلد على شفا انفجار.
إغلاق المداخل وفرض الحصار الخانق على الأهالي، وعودة التحركات المسلحة رغم اتفاقات الأول من نيسان التي وُعدت بفتح ممرات حياة، كل ذلك لا يُفسّر إلا بوجود من يسقي عطشهم من دماء الناس.
هل ما نراه فشلاً إدارياً ذريعاً أم جزءاً من مخطط متعمد لتفجير الداخل السوري؟ الإجابة المرّة على الأرجح أنها مزيج من الاثنين؛ فالإخفاق يوفر غطاءً لمن يزرعون الفتنة، والتواطؤ يغذي مشاريع الربح السياسي على حساب حياة المواطنين البسطاء. وبدلاً من أن تكون السلطة الجديدة محطة لتهدئة الجراح وبناء الثقة، تحولت إلى مشهد من الانقسام والتحريض، مما يعطي مناخاً خصباً للمتطرفين والميليشيات للتمدد واختراق النسيج الاجتماعي.
والأمر الأكثر إيلاماً أن حكومة الشرع، التي وصلت للسلطة بعد أربعة عشر عاماً من الحرب، تتحمل مسؤولية مباشرة سواء بالتقصير أو التواطؤ عن استمرار معاناة الناس.
كيف للرجل الذي يتحدث عن “سوريا الجديدة” أن يغض الطرف عن ممارسات تحول منازل المدنيين إلى حواجز، وتمنع الأطفال من الوصول إلى مدارسهم، وتترك العائلات محاصرة في زوايا منسية؟ كيف تسمح مؤسسات الدولة لأن تُستَغل مناطق سكنية كورقة مساومة في صفقات إقليمية؟
استمرار الخطاب التحريضي والتمييز الطائفي هو أخطر ما يواجه أي أفق للاستقرار. عندما يصبح خطاب التمييز جزءاً من خطاب رسمي أو شبه رسمي، فإن ذلك يفتح الباب أمام موجات من الكراهية والانتقام التي يصعب احتواؤها. هذا الخطاب لا يقتل فقط آمال المصالحة، بل يكتب سيناريوهات للمزيد من العنف التي قد تمتد لتصيب الإقليم برمته.
الأولوية الآن يجب أن تكون حماية المدنيين، وفتح ممرات إنسانية دون شروط؛ فالأمن الحقيقي يبدأ بتمكين الناس من الحياة الطبيعية: المدارس، الأسواق، المشافي، والحرية في الحركة. وهذا لا يأتي إلا بإجراءات عملية وحقيقية، رفع الحصار، إنهاء الاعتقالات التعسفية، محاسبة من يثبت تورطه في استغلال الأوضاع، وإشراك ممثلين من كل المكوّنات في حلول سياسية واضحة المعالم.
لا بد أيضاً من إدانة كل شكل من أشكال التدخلات الخارجية التي تغذي النزاع لصالح حسابات إقليمية ضيقة. السيادة الوطنية لا تتجزأ، وأي محاولات لاستثمار النعرات الطائفية لتحقيق مكاسب مؤقتة ستلقي بظلالها على مستقبل البلاد لأجيال.
الحل السوري يجب أن ينبثق من السوريين عبر آليات شفافة وديمقراطية تضمن تمثيلاً عادلاً، وتحمي حقوق الأقليات.
وعلى المثقفين، والفاعلين المدنيين، والقيادات التقليدية، وذوي الضمائر الحية أن ينادوا بصوت واحد للدعوة لوقف نزيف الدم، ورفض أي محاولات لتفخيخ الداخل، والعمل على صياغة رؤية وطنية تعيد للسوريين الأمل بمستقبل مشترك.
على الجميع أن يدرك إن الوطن أغلى من أن يكون ورقة في لعبة مصالح قصيرة الأمد، وأن الدفاع عن دماء السوريين ووحدتهم وكرامتهم واجب إنساني قبل أن يكون سياسياً.
ختاماً نقول “التاريخ لا ينسي ولا يرحم وعلى من يملك القرار أن يحدد موقفه؛ إما أن يكون جزءاً من حل يوقف دوامة العنف، أو أن يبقى شاهداً على تفكيك وطن، ثم الرحيل إلى مزبلة التاريخ غير مأسوف عليه”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى