
أعلن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، خلال مؤتمر صحفي عقده يوم الأربعاء أن بلاده تعمل على تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية، مشيراً إلى أن الجماعة “مثيرة للقلق البالغ، ولها أفرع عدة حول العالم”.
وأوضح روبيو أن وزارة الخارجية بالتعاون مع مؤسسات الأمن والاستخبارات تعمل على تهيئة الملفات والأدلة القانونية التي تثبت تورط الجماعة في أنشطة إرهابية، بهدف ضمان صمود هذا التصنيف أمام أي طعون قضائية محتملة.
وأضاف الوزير أن الجهود تشمل أيضاً إدراج منظمة “كير” (CAIR)، وهي منظمة إسلامية أمريكية بارزة، في قوائم الإرهاب، إذا ما ثبت ارتباطها بتمويل أو دعم أنشطة متطرفة. وشدد على أن أي خطوة في هذا الاتجاه “تستلزم أدلة قوية، وإلا سيتم إسقاط القرار قضائياً”.
ولكن لا يعرف بعد إن كان سيتم إدراج التنظيم الدولي للإخوان المسلمين على قائمة الإرهاب، أم سيقتصر على فروع معينة، حيث أن للتنظيم أكثر من 76 فرعاً في العالم حالياً، وهناك محاولات حثيثة من الجماعة لتشكيل وافتتاح فروع لها في كافة الدول، تمهيداً للوصول “لأستاذية العالم” التي نادى بها قادة الجماعة منذ عهد “حسن البنا” وحتى الآن.
ومنذ نشأته يعتمد التنظيم أسماء وواجهات أخرى عديدة، للتهرب من الملاحقات الأمنية والقضائية في عدد من البلدان، ولكنه يحاول بشتى الوسائل، السلمية والعسكرية، القفز على السلطة في جميع البلدان، ويستغل الجمعيات والمساجد والهيئات التعليمية والدينية، والمؤسسات الخيرية والإنسانية، والتنظيمات الشبابية والنسائية لتمرير أجنداته الخاصة عبر سلوك طرق ملتوية غير شرعية وقانونية، لإقامة “حكم إسلامي” في البلدان التي ينتشر فيها، وصولاً إلى إعلان ما تسمى “الأمة الإسلامية”، حسب زعمه، لطالما أنه لا يتعرف بالأوطان.
تعرض التنظيم في مختلف الدول الإسلامية إلى حملات الملاحقة والاعتقال، وأعدم العديد من قياداته التاريخية، وخاصة في مصر وسوريا، كما أن عدة فروع له لجأت إلى استخدام العنف العسكري في سبيل تحقيق أهدافه في الوصول إلى تأسيس تلك “الدولة الإسلامية”، حيث قاد التنظيم حركة تمرد واسعة ضد النظام السوري البائد في نهاية سبعينات وأوائل ثمانينات القرن الماضي، وانتهت بالقضاء على التنظيم ومقتل واعتقال الآلاف منهم.
عقد التنظيم الدولي للإخوان اجتماعاً مفصلياً وتاريخياً له في تركيا في يناير/ كانون الثاني عام 2013، تقرر فيه توسيع ما يسمى “مجلس شورى التنظيم”، وتم فيه تقديم بعض الشخصيات الإخوانية كرموز على الساحة العالمية، والعمل على إنشاء جماعات لوبي ضغط بالتعاون مع بعض المؤسسات الغربية، وخاصة المؤسسات البريطانية، حيث أن بريطانيا ما تزال ترعى التنظيم وتحافظ على مصالحه في العالم، وتدافع عنه، وهي التي أنشأت التنظيم عام 1928، بتوجيه مؤسسها “حسن البنا”، كذراع لها في منطقة الشرق الأوسط، ومعظم قيادات الإخوان يقيمون في بريطانيا ويحملون جنسيتها، ولهم فيها مؤسسات تنظيمية ومالية ضخمة. وفي عام 2016، اقترحت الولايات المتحدة إدراج التنظيم على لائحة الإرهاب، إلا أن بريطانيا اعترضت عليه، ولم يرَ المشروع النور.
عقب سقوط حكم الإخوان في مصر، وعزل الرئيس الإخواني “محمد مرسي”، عقد التنظيم اجتماعاً آخر له في إسطنبول بتركيا في يوليو/ تموز من العام 2013، وكان مقرر الجلسة هو التونسي “راشد الغنوشي” نائب الأمين العام للتنظيم الدولي، ورئيس حركة النهضة الإسلامية في تونس، (وهي تمثل تنظيم الإخوان في تونس)، وخلال ذلك الاجتماع أقر التنظيم الدولي خطة مواجهة الفرع المصري للنظام المصري الجديد، وإقرار السياسة الجديدة للجماعة، وكذلك اتخذ قرار تحول الإخوان إلى نظام بلا تنظيم خاصة بأوروبا وأمريكا ودول الخليج العربي.
ويسعى التنظيم الدولي للإخوان إلى تشكيل شكل تنظيمي جديد له في ظل التطورات العاصفة بالعالم وخاصة الشرق الأوسط، فتقرر في الاجتماع المذكور آنفاً تشكيل ما تسمى بـ”الهيئة الإسلامية الجامعة” التي تمثل فروع التنظيم وفروعه في العالم، وقرر تقسيم مناطق عمله وتنظيمه المختلفة في العالم إلى /7/ مناطق، الأولى تضم شمال إفريقيا، وتتكون من مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، والثانية تضم دول أوروبا، والثالثة تضم دول أمريكا الشمالية واللاتينية وكندا، والرابعة شرق آسيا والباسفيك، والخامسة وسط آسيا، والسادسة اليمن والخليج وإيران وأفغانستان، والسابعة والأخيرة دول بلاد الشام، فيما تقرر تعيين مشرف خارجي على كل منطقة، مع استحداث وسائل جديدة للتواصل بين كل تلك المناطق.
وتصدرت الخلافات بين قيادات بارزة في صفوف التنظيم العالمي، منها ما بين ما يسمى “جبهة إسطنبول” والتي يتزعمها القيادي “محمود حسين”، وبين ما تسمى “جبهة لندن” بقيادة “إبراهيم منير”، الذي مات في ظروف غامضة. ويطالب “حسين “بأحقيته في إدارة كامل شؤون التنظيم، وأنها هي المخولة بالإدارة، ما يعكس بشكل مباشر الصراع الداخلي، فيما “جبهة لندن” تتحكم بمعظم المفاصل المالية وقدرات التنظيم التمويلية، ما يحد من قدرة التنظيم على العمل دون تمويل. وتبرز مؤشرات قوية على احتمال حدوث انقسام جديد، خصوصاً مع تصاعد الخلاف بين جبهات لندن، وإسطنبول، حتى بعد موت “إبراهيم منير”.
ويعتمد التنظيم على عدة مؤسسات تمويل وبنوك في العالم، إضافة إلى أنه يعمل تحت أسماء جمعيات خيرية وهمية في العديد من البلدان الإسلامية، وكذلك في الدول الغربية. أغلق بنك “إتش إس بي سي” في العاصمة لندن، حسابات عدد من المؤسسات الإسلامية في بريطانيا، منها مؤسسة قرطبة للبحوث، المقربة من جماعة الإخوان ورئيسها “أنس التكريتي”، ومسجد “فنسبري بارك”، الذي ارتبط سابقاً باسم أبو حمزة الداعية المصري المحتجز في الولايات المتحدة على ذمة قضايا الإرهاب، وكذلك إغلاق حساب “صندوق رعاية الأمة”. وأهم ممولي التنظيم الدولي هو “عبد الرحمن أبو دية” وكنيته “أبو عامر”، ويعتبر أحد القياديين البارزين في التنظيم الدولي للإخوان، فلسطيني الأصل، ويحمل الجنسية البريطانية، ولديه استثمارات في تركيا وأوروبا لصالح التنظيم، ويتولى هذا الرجل الغامض تمويل فضائيات ومنصات ومواقع الإخوان، كما أضافت أن “أبو دية” شخصية غامضة، لا يسمح لأحد على الإطلاق بالتقاط صور معه، أو تداول اسمه عبر وسائل الإعلام الإخوانية. وكذلك يبرز اسم “يوسف ندا” صاحب “بنك التقوى”، وهو رجل أعمال مصري من أبرز قادة الإخوان المسلمين في الخارج، كان مفوضاً دولياً باسم الجماعة، وتوسط في قضايا مهمة بارزة بين دول عدة. اتهمه الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن بدعم الإرهاب، فجمدت أمواله، ووضع رهن الإقامة الجبرية، وحققت معه جهات استخباراتية عدة. وتوفي في المهجر يوم 22 ديسمبر/ كانون الأول 2024.
كما للتنظيم عدد مؤسسات بحثية ومراكز دراسات في الغرب، منها “مركز الدراسات الإسلامية” الذي يرأسه المتحدث السابق باسم الإخوان المسلمين في سوريا المدعو “زهير سالم”، والذي يحمل الجنسية البريطانية مع عدد آخر من قيادات التنظيم السوري مثل “محمد الشقفة” و”علي صدر الدين البيانوني” وآخرين.
وعمل فرع التنظيم السوري منذ اليوم الأول لانطلاق الاحتجاجات ضد النظام السوري السابق، إلى استغلالها وتجييرها لصالحه، وذلك انطلاقاً من تركيا، التي تحولت على مركز وغرفة عمليات للتنظيم، ومنها كان يتم توجيه الاحتجاجات والتظاهرات، ومن ثم انتقل إلى عسكرتها، وإدخال إرهابيين أجانب إلى سوريا، والبدء بالحرب الأهلية التي حصدت أرواح مئات الآلاف من السوريين. وانتشر تشكيل ما تسمى “الفصائل العسكرية” على الجغرافيا السورية مثل انشطارات الباراميسيوم، وكلها بتوجيه من جماعة الإخوان، وبات كل من يحمل اسم “الشام”، من فصائل عسكرية ومؤسسات إعلامية وجمعيات ومنظمات “خيرية” تتبع بشكل مباشر لجماعة الإخوان. وعملت على تقسيم سوريا على أساس الانتماء المذهبي والطائفي والديني، لتقيم مؤسساتها الوهمية في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام.
إلا أن الوجه الأسود للتنظيم، برز أكثر أثناء الهجوم التركي على المناطق الكردية في روجآفاي كردستان، خاصة أثناء الغزو التركي على عفرين، حيث أصدرت جماعة الإخوان المسلمين – الفرع السوري، عدة فتاوى عن طريق ما يسمى “المجلس الإسلامي السوري” الذي يتبع لها، وكان يترأسه حينها المدعو “أسامة الرفاعي” الذي تسلم مفتي الجمهورية السورية لاحقاً، وأصدر حينها فتاوى، حلل فيها قتل الكرد والاستيلاء على أموالهم وممتلكاتهم واعتبارها “غنائم حرب”، حسب توصيفه. كما شاركت جميع الفصائل التابعة له في العمليات العسكرية ضد الأهالي، وما تزال ترتكب كل الانتهاكات في عفرين إلى يومنا هذا. وأعلن عدائه لتطلعات الكرد ووقوفه مع تركيا، وتبرير احتلالها للأراضي السورية، تحت مزاعم “التحرير”، كيف لا، والتنظيم منذ بداية تأسيسه، سلم لواء إسكندرون هدية مجانية إلى مؤسس الدولة التركية “أتاتورك” في ثلاثينات القرن الماضي، وذلك من قبل “تاج الدين الحسيني” عندما كان رئيساً لسوريا. وعمل التنظيم على نشر التشدد الديني في المناطق الكردية المحتلة من قبل تركيا، وافتتاح المراكز الدينية التي تعلم الصغار على الفكر الديني المتشدد، وكذلك عمل مع سلطات الاحتلال على تغيير ديمغرافية عفرين، واستقدام الغرباء والأجانب وتوطينهم في عفرين، عبر بناء مستوطنات سرطانية شبيهة بالمستوطنات الإسرائيلية في فلسطين، وما يزال يعمل على تغيير هوية عفرين الكردية، ومحو كل آثارها، وإسباغ لون ديني واحد متشدد عليها، رغم التنوع الديني والمذهبي في عفرين، وكل ذلك يتم بدعم ومساندة من سلطات الاحتلال التركي.
وبعد سقوط النظام البائد؛ سارع التنظيم إلى استغلال الفرصة، والتمركز ضمن مؤسسات الدولة، والوصول إلى مراكز القرار السياسي والاقتصادي والعسكري، عبر إعادة العلاقات مع “هيئة تحرير الشام” إلى سابق عهدها، والدفع باتجاه الارتباط بتركيا، وفتح المجال أمامها لبسط نفوذها على كامل سوريا.
ويعتبر تنظيم الإخوان المسلمين الأم الولودة لكل أشكال التطرف والتنظيمات السلفية والإرهابية في العالم الإسلامي، و”جبهة النصرة، داعش” وغيرها تعتبر أبناءها الشرعيين، ولا تختلف عنها إلا ببعض الأساليب البسيطة، وهذا ما أثبتته تجربتها في سوريا.
ولكن هل ستنجح الولايات المتحدة في مسعاها لإدراج هذا التنظيم الإرهابي على لائحة الإرهاب، وتتحرر من “الفيتو البريطاني” هذه المرة؟ يبدو أن هناك جدية واضحة وإرادة قوية لدى الولايات المتحدة هذه المرة، أو أن هناك توافق دولي حول إدراج هذه المنظمة على لائحة الإرهاب الدولي، لقناعتها أن السلام لن يعم منطقة الشرق الأوسط دون تقييد حركة هذا التنظيم الأخطبوطي.