تأجيل لقاء باريس بين الإدارة الذاتية وحكومة دمشق.. واتفاق “باشان” يتصدر المشهد السوري

أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية عن تأجيل موعد الاجتماع المقرر له أن يُعقدَ، يوم أمس، الجمعة في باريس، ولم تحدد موعداً محدداً لعقده، ولكنها أوضحت أنه سيُعقد “خلال وقت قريب”، حيث كان من المقرر أن تعقد جلسة حوار بين وفد الإدارة الذاتية برئاسة الجنرال “مظلوم عبدي” القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مع وفد من الحكومة السورية المؤقتة برئاسة وزير خارجيتها “أسعد الشيباني”، حول سبل إخراج اتفاق 10 مارس/ آذار من عنق الزجاجة، والبدء بتنفيذ بنوده، بعدما ماطلت الحكومة السورية الالتزام بمواعيدها، إثر دعم تلقته من المبعوث الأمريكي إلى سوريا “توماس باراك” وبعض الدول العربية والإقليمية وعلى رأسها تركيا.
وحول تأجيل لقاء وفد الإدارة الذاتية مع ممثلي الحكومة السورية المؤقتة، قال الكاتب والمحلل السياسي الكردي “حسين عمر” في مقالة له “جاء تأجيل اللقاء المنتظر في باريس بين ممثلي الإدارة الذاتية وحكومة الجولاني، ليفتح الباب أمام مرحلة جديدة من المراجعة السياسية، ليس فقط على مستوى الطرفين المعنيين بالمفاوضات، بل على صعيد الفاعلين الإقليميين والدوليين الذين يعيدون اليوم تقييم تموضعهم في الملف السوري المعقد”.
وحول أسباب تأجيل اللقاء، أوضح “لم يكن هذا التأجيل وليد صدفة، بل جاء وسط تزايد التقارير الأممية والإعلامية التي كشفت، بالأدلة، عن انتهاكات ممنهجة ارتكبتها حكومة الجولاني في الساحل والسويداء. وقد فجّرت وكالة رويترز قنبلة سياسية حين كشفت عن نشوء ما يشبه “دولة عميقة” يقودها مقربون من الجولاني، يُعتقد أن والده أحد أركانها، وهي تستحوذ على المال العام والخاص دون أدنى محاسبة أو وجود قانوني، في مشهد يعيد إلى الأذهان أسوأ صور الفساد السلطوي”.
وحول تصريحات المبعوث الأمريكي لسوريا “توماس باراك”، أشار إلى أنه “في واشنطن، لم تمر تصريحات توم باراك – التي بدا فيها وكأنه ناطق رسمي باسم الجولاني – مرور الكرام. تشير المعلومات إلى أن الخارجية الأمريكية وجهت له تحذيرات واضحة، وهو ما يفسر تغييره المفاجئ في اللهجة خلال الأيام الماضية. يبدو أن الدعم المفتوح لمشروع الجولاني بدأ يتآكل، تحت ضغط الحقائق التي يصعب إنكارها”.
وإزاء السياسة التي اتبعتها الإدارة الذاتية، لفت “عمر” إلى أن “الإدارة الذاتية بدورها، أبدت قدراً من النضج السياسي بعدم الانجرار نحو تفاهمات مستعجلة مع حكومة تفتقر إلى المشروعية، وتقوم على أسس إيديولوجية إقصائية لا تعكس هوية المجتمع السوري بتعدده وتنوعه”.
وخَلُصَ إلى القول “اليوم، بات واضحاً أن تأجيل لقاء باريس لم يكن تعطيلاً لمسار تفاوضي، بل بداية لتحوّل أوسع. تحوّلٌ قد يُعيد خلط الأوراق، ويضع ملف “حكومة الجولاني” في دائرة المساءلة الدولية، بعدما تجاوزت تجاوزاتها كل الخطوط الحمراء”. هذا فيما تحدثت مصادر أخرى أن الحوار والمفاوضات بين الإدارة الذاتية ودمشق، ربما تشهد مساراً يشبه مسار جنيف بين المعارضة السورية السابقة ونظام بشار الأسد.
إن السيناريو الذي أعد له “باراك” في قصر الشعب الجمهوري بدمشق غداة زيارة وفد الإدارة برئاسة الجنرال “عبدي” انقلب عليه، وأدخل نفسه وحكومته وكذلك الرئيس السوري في مأزق حقيقي، عمقته أكثر الأحداث الدموية التي وقعت في السويداء، وبما خلفته من ارتدادات سياسية على المسار الذي كان يعمل عليه “باراك” في تعويم “الشرع” وحكومته، ضاغطاً على وفد الإدارة للقبول بالانضمام إلى ما تسمى “الحكومة السورية” دون أي شروط أو ترتيبات، وكذلك دعا قوات سوريا الديمقراطية إلى حل نفسها ضمن ما تسمى “وزارة الدفاع”، دون أي خصوصية، ليفسح المجال أمام “الشرع” وحكومته، لرفض كل مطالب وفد الإدارة، ويضرب عرض الحائط كل ما توصل إليه الطرفان خلال جلسات الحوار السابقة، وبالتالي نسف اتفاقية “عبدي – الشرع” من أساسها.
خلقت تصريحات “باراك” توجّساً لدى معظم الدول الغربية المهتمة بالشأن السوري، ودارت تكهنات حول دوره المريب لصالح أجندات مشبوهة، أقل ما يقال عنها أنها تتناقض مع مصالح الشعب السوري، وكذلك مع مصالح وتوجهات الإدارة الأمريكية وإستراتيجيتها في سوريا. وصدر بيان عن وزارة الخارجية الفرنسية نشرته عبر حسابها على منصة (X)، قالت فيه إنه “لا يمكن إحلال السلام من غير تحقيق العدالة، ولا يمكن تحقيق العدالة من غير كشف الحقيقة”، وأن فرنسا “تدعم الآلية الدولية المحايدة والمستقلة من أجل سورية، وتؤكّد مجدداً التزامها من أجل عملية انتقالية سياسية شاملة تخدم سلم الشعب السوري وحريّته”، في إشارة إلى عدم قبولها بتصريحات “باراك” الأحادية الجانب والتي كشف فيها بكل بجاحة عن دعمه غير المبرر لحكومة “الشرع”، دون الاستناد إلى أي محفزات إيجابية على الأرض. وعادت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية “تامي بروس” لتصحح الأخطاء التي وقع فيها “باراك”، وتعيد التأكيد على الثوابت الأمريكية في سوريا، المتمثلة بضرورة العمل على إشراك كل مكونات الشعب السوري في إدارة البلاد، والوصول إلى دولة تشاركية تعددية، ولم تستبعد حتى الفيدرالية، ولتترك المجال مفتوحاً أمام السوريين أنفسهم ليختاروا النظام الذي يناسبهم، على خلاف تصريحات “باراك” التي أعلن فيها عن نفسه كأحد مستشاري “الشرع” عبر القول “دولة واحدة، جيش واحد، حكومة واحدة”. وكما أكدت “بروس” على ضرورة محاسبة مرتكبي الجرائم في الساحل السوري والسويداء، حتى إن كانوا من أعضاء وزارة الدفاع والأمن السوري، كما شددت على أن بلادها تراقب الأوضاع في سوريا عن كثب ولها عاملين على الأرض وينقلون لهم صورة الأوضاع بشكل دقيق.
إثر تصريح الخارجية الأمريكية، استدار “باراك” مئة وثمانين درجة، وعاد ليحاول تصحيح ما أفسده خلال الفترة السابقة، ويطلب لقاء القائد العام لـ(قسد) الجنرال “عبدي”، ووافق الأخير، حيث عقد الاجتماع بينهما في العاصمة الأردنية عمان، وليقبل بالشروط التي وضعها “عبدي” في استئناف الحوار مع دمشق.
وحول اجتماع عمان، كتب المحلل السياسي الكردي “زانا عمر” على حسابه في الفيس بوك أن “اللقاء الأخير بين الجنرال والمبعوث الأمريكي يُعدّ ثمرة إيجابية تُحسب للجهود الدبلوماسية والعسكرية المستمرة في شمال وشرق سوريا”. وأوضح “لن يُمنح طوق نجاة لأحد على حساب المبادئ أو التضحيات. فالموقف التفاوضي للإدارة الذاتية أصبح اليوم أقوى من أي وقت مضى، مدعوماً بثبات سياسي وعسكري، ومؤسساً على رؤية وطنية شاملة لحماية جميع المكونات السورية دون استثناء”.
وحول إمكانية فتح كريدور إنساني من مناطق شمال وشرق سوريا نحو السويداء، قال “عمر”: “أما بخصوص تحرّك قوات سوريا الديمقراطية لفتح ممر إنساني باتجاه السويداء، فالمسألة شديدة التعقيد، وتحتاج إلى توافقات إقليمية ودولية ما تزال غير ناضجة حتى الآن، رغم الاستعداد الكامل والرغبة الصادقة لدى قسد للاضطلاع بهذا الدور الإنساني، متى توفرت الظروف والضمانات اللازمة”.
وعن ملامح المرحلة الحالية والقادمة في سوريا، قال “عمر”: “نحن أمام مرحلة جديدة، تتّجه نحو حل مستدام، وقد بدأت الأبواب التي كانت موصدة تُفتح على مصراعيها أمام مشروعنا السياسي والوطني.
من جانب آخر تعالت أصوات المعارضين لاتفاق دمشق وتل أبيب، واصفة أن إسرائيل تضع شروطاً وصفها البعض بـ”المهينة” أمام دمشق، خاصة بعد أن وجدت إسرائيل نفسها منتصرة في تدخلها بسوريا في أحداث السويداء، مقابل ما أسمته “هزيمة نكراء” لدمشق، حسب وصف بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية. تلك الشروط المجحفة، وضعتها تل أبيب في عهدة الجانب الأمريكي، لتتكفل هي بالإشراف على تنفيذها، منذرة أن أي خلل فيها قد يستدعي تدخلاً أقوى من الأول. وقد سربت وسائل الإعلام الإسرائيلية شروط تلك الاتفاقية التي وُقِّعت بين الطرفين، وقالت إن الجانب السوري “وافق عليها مرغماً”، وهي كالتالي، كما نشرها المرصد السوري لحقوق الإنسان:
1 – يحوَّل ملف السويداء إلى الأمريكيين، وهم سيلتزمون بمتابعة تنفيذ بنود هذا الاتفاق.
2 – انسحاب جميع قوات العشائر وقوات الأمن العام إلى ما بعد القرى الدرزية.
3 – الفصائل الدرزية ستقوم بتمشيط جميع القرى للتأكد من إخلائها من قوات العشائر وحكومة دمشق.
4 – تشكيل مجالس محلية من أبناء السويداء تتولى مهمة تقديم الخدمات.
5 – تشكيل لجنة لتوثيق الانتهاكات، حيث سترفع تقاريرها إلى الطرف الأمريكي.
6 – نزع السلاح من القنيطرة ودرعا وتشكيل لجان أمنية محلية من أبناء تلك المناطق، بشرط ألا تمتلك الأسلحة الثقيلة.
7 – يُمنع دخول أي منظمة أو مؤسسة تابعة للحكومة السورية إلى السويداء، مع السماح بدخول منظمات الأمم المتحدة.
فيما أطلقت بعض الجهات الإسرائيلية اسم “إقليم السويداء” على مدينة السويداء وريفها.
وقد تحدثت بعض وسائل الإعلام العبرية عن مخطط إسرائيلي في المنطقة الممتدة في الجنوب السوري، وتشمل ثلاث محافظات، “درعا، القنيطرة والسويداء”، لضمها إلى الأراضي الإسرائيلية والتي تُعرف باسم “إقليم باشان”، وفق رواية توراتية، ويجري تنفيذه على الأراضي السورية، وجرى التخطيط له من قبل إسرائيل وبعض أجهزة الاستخبارات الغربية منذ عام 2011. مؤكدة أن “فرقة الجليل/ الفرقة 210” في الجيش الإسرائيلي والتي تحتل الجولان، اسمها الرسمي هو “فرقة باشان”، وهي ستتولى التوغل داخل الأراضي السورية في درعا، القنيطرة والسويداء وتقوم بسلخها عن الخارطة السورية وضمها إلى إسرائيل، لتشكل بوابة تنفيذ مشروع “ممر داود” الذي يبدأ من ميناء “حيفا” ويمر بـ”إقليم باشان”، ثم بادية التنف ودير الزور، ويصل إلى حقول النفط والغاز في كركوك. وتتقاطع في منطقة التنف مع خطوط النفط والغاز والطرق البرية وطرق السكك الحديدية ضمن مشروع “الممر الهندي”.
وعلى ضوء التغيرات المتسارعة في المشهد السوري؛ عقد في باريس، الجمعة، اجتماع هام، ضم كلاً من وزير الخارجية الفرنسي جان نويل باروت مع نظيره السوري أسعد حسن الشيباني، وسفير الولايات المتحدة في تركيا والمبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، توم باراك، ضمن إطار التعاون الوثيق بين الأطراف المشاركة. أطلقت فيه خارطة طريق لاستقرار سوريا.
وصدر عن اللقاء بيان مشترك سوري أمريكي فرنسي بشأن المحادثات حول الاستقرار في سوريا جاء فيه:
1 – الانخراط السريع في الجهود الجوهرية لإنجاح مسار الانتقال في سوريا، بما يضمن وحدة البلاد واستقرارها وسيادتها على كامل أراضيها.
2 – الالتزام بالتعاون المشترك لمكافحة الإرهاب بجميع أشكاله، ودعم قدرات الدولة السورية ومؤسساتها للتصدي للتحديات الأمنية.
3 – دعم الحكومة السورية في مسار الانتقال السياسي الذي تقوده، بما يهدف إلى تحقيق المصالح الوطنية وتعزيز التماسك المجتمعي، لا سيما في شمال شرق سوريا ومحافظة السويداء.
4 – عقد جولة من المشاورات بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” في باريس بأقرب وقت ممكن، لاستكمال تنفيذ الاتفاق العاشر من آذار بشكل كامل.
5 – دعم الجهود الرامية إلى محاسبة مرتكبي أعمال العنف، والترحيب ضمن هذا الإطار بمخرجات التقارير الشفافة بما في ذلك التقرير الأخير للجنة الوطنية المستقلة المكلفة بالكشف والتحقيق في الأحداث التي شهدها الساحل السوري.
6 – التأكيد على عدم تشكيل دول الجوار لأي تهديد لاستقرار سوريا، وفي المقابل تأكيد التزام سوريا عدم تشكيلها تهديداً لأمن جيرانها حفاظاً على استقرار المنطقة بأسرها.
وأعلن المبعوث الأمريكي إلى سوريا توم باراك، أنه التقى في باريس مسؤولين سوريين وآخرين إسرائيليين “من أجل الحوار وتهدئة الأوضاع”.
وأول أمس، الخميس، عقد في العاصمة الفرنسية، اجتماع غير مسبوق بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ووزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي “رون ديرمر”، بحسب ما أفاد مصدر دبلوماسي رفيع المستوى لوكالة الصحافة الفرنسية والمبعوث الأمريكي لسوريا توم باراك.
وقال المصدر الدبلوماسي الرفيع طالباً عدم نشر اسمه إنّ الاجتماع بين الوزيرين السوري والإسرائيلي “مهّد له” المبعوث الأمريكي.
وفي تغريدة له على حسابه في “إكس”، قال “باراك”: “حققنا الهدف من اللقاء مع السوريين والإسرائيليين في باريس.. السوريون والإسرائيليون أكدوا التزامهم باستمرار جهود خفض التصعيد”.
يأتي هذا بينما قال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية “تومي بيغوت”، إن سوريا تمر بـ”منعطف حاسم” نتيجة الأحداث التي شهدتها محافظة السويداء جنوبي سوريا.
وحول الاجتماعات التي يعقدها براك مع مسؤولين سوريين وإسرائيليين، قال “بيغوت” إن المبعوث الأمريكي ووزير الخارجية ماركو روبيو “على تواصل مع جميع الأطراف منذ أيام، وهذه الجهود مستمرة”.
ووصفت القناة 13 العبرية، نقلاً عن مسؤول إسرائيلي “الاجتماع بين رون ديرمر والشيباني يُعَدُّ بالغ الأهمية، لكن المسألة الأساسية تكمن في مدى استعداد الأمريكيين للانخراط بعمق هذا المسار”، في إشارة إلى الاتفاق المشار إليها آنفاً. وأكد أن “التوصل إلى اتفاق مع سوريا سيكون عملية طويلة وليست مسألة تحسم بسرعة”.
الخاسر الوحيد في هذه العملية يبدو أنها تركيا التي أشعلت فتيل الحرب في السويداء، ورغم محاولاتها الحثيثة في إفشال أية جهود تفضي لاستئناف الحوار بين الإدارة الذاتية ودمشق، إلى أن مخططاتها بدأت تنكشف، حيث أن الضربة التي تلقتها هي ومرتزقتها في السويداء، أكملتها إسرائيل في استهداف معمل لإنتاج الطائرات المسيرة في ريف إدلب، تابع للحزب الإسلامي التركستاني، بالتزامن مع إسقاط القاعدة الروسية في حميميم طائرة مسيرة لها، وتحليق طيرانها فوق رتل عسكري تابع لها كان ينوي التوجه إلى الداخل السوري. كل هذه التطورات التي لا تسر تركيا؛ دفعت وزير خارجيتها “حقان فيدان” لطلب وزير الخارجية السوري “الشيباني” واللقاء به في بغداد، لإعداد سيناريو آخر يتوافق مع مصالحها ويحبط الجهود الدولية في إعادة سوريا إلى مسارها الوطني الصحيح.