
ما تزال منطقة عفرين ومعها المناطق المحتلة الأخرى من قبل الاحتلال التركي، تحت وطأة الانتهاكات اليومية التي بدأت منذ احتلال المنطقة في 18 مارس/ آذار 2018، ولم تتوقف رغم تغير الأوضاع في سوريا، وسقوط النظام البعثي البائد، بل زادت وتيرة تلك الانتهاكات، وأصبحت أكثر منهجية وخطورة.
انبرت السلطة الجديدة في سوريا إلى اتخاذ عدة قرارات وخطوات فردية، من خلال تعيينها المحافظين والمسؤولين في معظم المدن السورية، وعفرين لم تكن استثناء، فجاء تعيين مدير منطقة فيها، دون استشارة أهاليها، ودون الرجوع والتنسيق بين اللجنة التي تشكلت عقب توقيع الاتفاق بين قائد قوات سوريا الديمقراطية الجنرال “مظلوم عبدي” والرئيس السوري للمرحلة الانتقالية “أحمد الشرع”. واللجنة الخماسية المُشكلة من قبل الإدارة الذاتية للحوار مع حكومة دمشق، ركّزت في أولى جولاتها على ضرورة عودة أهالي عفرين المهجرين قسراً إلى مدنهم وقراهم، وكان المُعيَّن من قبل السلطة “مسعود بطال” مدير منطقة عفرين، مشاركاً في تلك الجولة.
إلا أن القرارات التي تم اتخاذها من قبل إدارة عفرين، تغلق الطريق أمام كل مساعي عودة المهجرين قسراً إلى منطقتهم. فالقرار الذي صدر بتشكيل ما تسمى “اللجنة الاقتصادية في الشمال السوري”، والتي من المفترض أن تعمل على تسليم ممتلكات المهجرين العائدين إلى منازلهم، وكذلك من هم في مناطق النزوح إلى أقربائهم أو وكلائهم. إلا أنها عمدت إلى الاستيلاء على مزيد من الأراضي الزراعية والمحال التجارية والمنازل، بذريعة أنها من ممتلكات “حزب العمال الكردستاني”، رغم عدم وجود أي ثبوتيات ودلائل وقرائن قانونية تثبت ذلك، في حين يمتلك أصحاب تلك الممتلكات كل الثبوتيات القانونية والوثائق، من أوراق ملكية صادرة عن السجلات العقارية تثبت ملكيتها لهم، إلا أن تلك اللجنة رفضت تلك الوثائق، ما يؤكد أن قرار اللجنة سياسي، يهدف إلى نزع ملكية الأراضي من أصحابها.
وقرارات اللجنة تعد الأخطر والأكثر إيلاماً مما سبقها حينما كان مرتزقة الاحتلال التركي يفرضون إتاوات وضرائب على الأهالي الكرد في عفرين، وتتصرف بموارد تلك الأملاك، ولكنها لم تكن تمتلك المسوّغ القانوني في الاستيلاء على تلك الأملاك، إلا أن القرار الجديد يحاول قوننة عملية الاستيلاء.
لا شك أن كل ما تتعرض له مدينة عفرين وأهاليها يأتي بفعل وإرادة الاحتلال التركي وبتخطيط منه، فهو ما يزال ممسكاً بكل الخيوط فيها، ولا يستطيع أياً كان أن يحرك ساكناً دون موافقته وعلمه، فما يسمى الوالي التركي يتحكم بكل مفاصل المنطقة، وعلى كل المستويات. وهو يقف وراء عرقلة عودة أهالي عفرين المهجرين قسراً، من خلال إثارة مخاوف الأهالي من العودة، وكذلك شروعه بعمليات الاعتقال التي طالت العديد من العائدين، كما أنه يقف وراء عدم إخراج مقرات مرتزقته من المدن والبلدات، فما تزال سطوة مرتزقته موجودة في كل مكان، والقرى التي خرجوا منها، سرعان ما عادوا إليها ليمارسوا عملياتهم اللصوصية وسرقة مواسم الأهالي، وفرض إتاوات جديدة عليهم، إضافة إلى الاعتقال والاختطاف بغرض تحصيل فدى مالية، وإقامة حواجزهم، التي أعادت تقطيع أوصال المنطقة.
كل تلك الانتهاكات تحصل على مرأى ومسمع ما تسمى “الإدارة الجديدة” التي فرضتها السلطات السورية على عفرين، وتبدو أنها إدارة لا تختلف كثيراً عن الإدارة السابقة التي فرضها الاحتلال التركي. فكان المفروض أن تبدأ بتهيئة الأجواء لعودة كل المهجرين قسراً إلى منازلهم، وضمان حقوقهم الكاملة، عبر استعادة جميع ممتلكاتهم المسلوبة، ودفع تعويضات للمتضررين منهم، وتوفير بيئة آمنة لهم، من خلال منع التعدي عليهم، والدفاع عنهم ضد ممارسات مرتزقة الاحتلال، والحد من السرقات وأعمال اللصوصية، وإخراج كل مراكز المرتزقة من المنطقة، والتعاون مع أهالي المنطقة لتشكيل إدارة من أبنائها، إن كان في المجال الخدمي، أو الأمني أو التعليمي وما إلى ذلك. إلا أن كل لم يحصل، وليس هناك مؤشرات أن تحصل في المدى المنظور.
إن الخطوة التي أقدمت عليها إدارة عفرين واللجنة التي شكلتها، تثير مخاوف الأهالي من أن اللجنة قد تستخدم كأداة ضغط على الأهالي للتنازل عن أملاكهم، في ظل غياب قضاء عادل يمكن اللجوء إليه. وتزداد تلك المخاطر من خلال توظيف بعض الشخصيات الكردية من أهالي المنطقة في تلك اللجنة، وهي شخصيات معروفة لدى أهالي المنطقة بتبعيتها للاحتلال، حيث عملت منذ اليوم الأول لإطباق الاحتلال التركي على عفرين، على تمرير سياساته الاحتلالية، والعمل ضد مصالح أهالي المنطقة، فكانت واجهة الاحتلال المباشرة، تسهل له سياساته عبر التنسيق مع المرتزقة تحت شعارات واهية لا معنى لها. وقال بعض الأهالي إن اللجنة تنوي الاستيلاء على الممتلكات، وخاصة الأراضي الزراعية المزروعة بالزيتون لتوزيعها على المستوطنين، وهنا تكمن خطورة هذا المشروع التدميري والاستيطاني.
وفي اجتماع عقده “مسعود بطال” ونائبه “محمد شيخ رشيد” مع بعض أهالي المنطقة، وَرَدت عدة شكاوى من الأهالي بخصوص التعديات التي تحصل من قبل المرتزقة والمستوطنين، مثل الاستيلاء على المواسم الزراعية، والرعي الجائر في حقول أهالي المنطقة، وكذلك عودة حواجز المرتزقة وابتزاز، الأهالي وإهانتهم عليها، ما يفيد باستمرار الأوضاع السابقة، من انتهاكات وعمليات بلطجة ولصوصية.
ناشد كثير من أهالي المنطقة اللجنة التي شكلتها الإدارة الذاتية للحوار مع دمشق، وكذلك الوفد الكردي المنبثق عن كونفرانس وحدة الصف الكردي، بالوقوف عند هذه الانتهاكات، ومناقشتها مع الحكومة، وإيجاد حل لما يتعرض له أهالي عفرين، مذكرين أنه حتى ما يسمى المجلس المحلي التابع للمجلس الوطني الكردي لم يتمكن من الدفاع عن شخص واحد أمام استبداد المرتزقة، ووجوده من عدمه سيّان، فهو فاقد للإرادة والقوة لتغيير الأوضاع في عفرين، والكل يعوّل عمّا سيفسر عنه الحوار مع دمشق، فهل سنشهد خلال الأيام القادمة حلاً عادلاً لقضية طالما تمسك بها أصحاب الأرض، وظلوا مرتبطين بها حتى وهم في أماكن نزوحهم؟