مقالات رأي

أمريكا والناتو أمام مفترق طرق بخصوص حرب أوكرانيا

حظيت التهديدات الضمنية التي أطلقها الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” بشأن إمكانية استخدام الأسلحة النووية باهتمام كبير في واشنطن.
وتشعر الإدارة الأمريكية بالقلق من تزايد احتمالات هذا السيناريو في ظل نجاح أوكرانيا في هجومها المضاد، بالرغم أن البنتاجون لم يرصد مؤشرات ملموسة على هذا السيناريو حتى الآن.
وفي رده على قرار روسيا ضم 4 أقاليم أوكرانية، تعهد الرئيس الأمريكي “جو بايدن” بمواصلة دعم أوكرانيا لاستعادة السيطرة على أراضيها من خلال تعزيز قدراتها العسكرية والدبلوماسية.
كما حذر “بايدن” موسكو من أن واشنطن ستدافع عن كل شبر من أراضي الناتو، فيما اعتبر الأمين العام لحلف الناتو “ينس ستولتنبرغ” أن تصرفات روسيا الأخيرة أكبر تصعيد منذ بداية الحرب.
وكررت الإدارة الأمريكية وحلفاؤها في الناتو التأكيد على أن الرد على أي استخدام للأسلحة النووية سيكون “حاسمًا”.
وأكد مستشار الأمن القومي الأمريكي أن واشنطن أبلغت الكرملين بشكل مباشر وسري وعلى مستويات عالية جدًا بأن أي استخدام للأسلحة النووية سيقابل بعواقب وخيمة على روسيا، وأن الولايات المتحدة وحلفاءها سيردون بشكل حاسم، وكانت الرسالة واضحة ومحددة بشأن ما سيترتب على ذلك.
وحتى الآن، ركزت الإدارة الأمريكية وحلفاؤها على فرض عقوبات واسعة النطاق على روسيا، كما دعمت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو أوكرانيا بالأسلحة المتطورة التي ساهمت بشكل كبير في نجاحاتها العسكرية، بما في ذلك الهجوم المضاد الذي جرى تنفيذه في الأسابيع القليلة الماضية.
وردًا على التصرفات الروسية الأخيرة بما في ذلك خطاب الضم، فرضت الإدارة الأمريكية ودول أخرى عقوبات إضافية على موسكو، ويعتزم الكونجرس الموافقة على حزمة أسلحة أخرى لأوكرانيا تبلغ قيمتها حوالي 1.1 مليار دولار.
ومع ذلك، تمتنع الإدارة الأمريكية حتى الآن عن تحديد كيف ترى اللعبة النهائية، وبغض النظر عن تصريح لوزير الدفاع “لويد أوستن” في مؤتمر صحفي بعد زيارة أوكرانيا، أن هدف الولايات المتحدة هو إضعاف روسيا بحيث لا تكون قادرة في المستقبل على تكرار ما فعلته في أوكرانيا، تؤكد الإدارة رغبتها في ضمان سيادة أوكرانيا.
وفي 31 مايو/أيار، قال “بايدن” إن الهدف النهائي يجب أن يتضمن استعادة سيطرة أوكرانيا على جميع الأراضي التي استولت عليها موسكو وجعل روسيا تدفع ثمناً باهظاً.
ومن منظور أوسع، تهدف الإدارة الأمريكية أيضًا إلى تعزيز الردع ضد الصين، في ضوء الحديث عن استعدادات صينية لتنفيذ عمل عسكري ضد تايوان.
ومع ذلك، من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت الإدارة الأمريكية ستحقق أهدافها. ومن الواضح الآن أن سياستها الحذرة والمترددة في بعض الأحيان لم تمنع “بوتين” من مواصلة الحرب بل وحتى تصعيدها.
وبينما تستمر الحرب في أوكرانيا وتزداد مخاطر التصعيد بعد تهديدات موسكو باستخدام أسلحة غير تقليدية، يبدو أن الإدارة الأمريكية وحلفاءها يقفون على مفترق طرق.
فمن ناحية، ما زالت واشنطن وحلفاؤها في الناتو يسعون إلى إلحاق الخسائر بروسيا وحرمانها من تحقيق أي إنجاز. ومن ناحية أخرى، يسعون لتجنب تدهو الأمور إلى حرب شاملة.
ومن المشكوك فيه أن السياسة الأمريكية الحالية يمكن أن تعالج التناقض بين هذين الهدفين، ويبدو أن على واشنطن صياغة استراتيجية أكثر تماسكا للحرب في أوكرانيا.
ويجب أن تعالج عملية صنع القرار في واشنطن والعواصم الغربية الأخرى عدة معضلات، الأمر الذي سياسهم في تشكيل السياسة المعتمدة، ومن بين ذلك:

  1. عدم الانجرار إلى الحرب ضد روسيا
    وهو تحدٍ أصبح صعبًا للغاية، خاصة بعد إعلان الكرملين ضم الأقاليم الأوكرانية الأربعة والتهديد بأن الهجوم على هذه المناطق سيعتبر هجومًا على روسيا.
    وحتى الآن، ترفض الولايات المتحدة والناتو أي عمل عسكري أوكراني بيستهدف الأراضي الروسية، كما رفضت واشنطن الاستجابة لطلب أوكرانيا تزويدها بأسلحة متطورة بعيدة المدى، بسبب مخاوف من التصعيد.
    وأصبح هذا الخط إشكاليًا الآن مع توقعات استمرار الحملة العسكرية لفترة طويلة. وتستعد الإدارة الأمريكية لاحتمال أن ينفذ “بوتين” تهديده باستخدام أسلحة غير تقليدية.
    وأثناء محاولتها ردع الروس عن اتخاذ مثل هذه الخطوة، فإنها تأخذ في الاعتبار إمكانية أن يكون لاستخدام الأسلحة النووية، حتى لو كان تكتيكيًا، عواقب استراتيجية قد تتطلب تغييرًا في سلوك الغرب.
    وحتى الآن، ليس من الواضح إذا كانت الإدارة الأمريكية اتخذت بالفعل قرارًا وما إذا كان تم التوصل إلى اتفاق مع حلفائها.
    بطريقة أو بأخرى، يمكن أن يكون الرد اقتصاديًا، وسياسيًا (قطع العلاقات) لكن لا يمكن استبعاد رد عسكري تقليدي.
    على أي حال، من المحتمل أن يتأثر الرد أيضًا بالمخاوف من التصعيد والتي تتملك أعضاء الناتو بما في ذلك ألمانيا وفرنسا.
    ومن الممكن أيضًا (حتى لو بدت فكرة ضعيفة) أن يساعد استخدام روسيا للأسلحة غير التقليدية في ديناميكية تؤدي إلى وقف إطلاق النار إذا مارست الولايات المتحدة ودول أخرى ضغوطًا على أوكرانيا لتسوية تتضمن العودة إلى خطوط فبراير/شباط، بحيث يتمكن “بوتين” من تقديم إنجاز.
  2. الحفاظ على التنسيق والتعاون بين الولايات المتحدة وحلفائها
    تتعرض القيادات الأوروبية لضغوط كبيرة خاصة مع نقص الغاز الطبيعي وما نتج عنه من ارتفاع في الأسعار، وستزداد هذه التداعيات مع اقتراب فصل الشتاء.
    وهناك بالفعل ضغوط الآن لتطوير إجراءات من أجل إنهاء القتال، حتى لو اضطرت أوكرانيا لدفع ثمن إقليمي.
    وحتى لو كانت الردود على إعلان الضم مؤكدة، فمن المفترض أن الخوف من التصعيد سيؤدي إلى زيادة الدعوات لاستئناف المفاوضات والتوصل إلى حلول وسط مع روسيا.
    على أي حال، يبدو أن “بوتين” سيواصل جهوده لتوسيع الشقوق بين الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا.
    وبصرف النظر عن وعدها بتوريد الغاز المسال، فإن الإدارة الأمريكية لا تستطيع تلبية الاحتياجات الأوروبية.
  3. التعامل مع الضغوط الداخلية في الولايات المتحدة
    في الوقت الحالي، تمتنع الإدارة الأمريكية عن ربط سياستها المتعلقة بالأزمة في أوكرانيا بالمشاكل المحلية في الولايات المتحدة.
    ومع ذلك، فإن توقعات زيادة التضخم وخطر الركود يمكن أن تكثف الضغط المحلي على الإدارة الأمريكية لقبول أي صيغة من شأنها إنهاء القتال، خاصة إذا زاد خطر التدهور الذي يؤثر على الاقتصاد، مع بداية التجهيز للانتخابات الرئاسية لعام 2024 بعد انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
  4. إرث الرئيس “بايدن”
    يرى “بايدن” الحرب في أوكرانيا باعتبارها مكون مركزي في إرثه وقدرته على تقديم إنجازات في كشف الحساب الذي سيقدمه للجمهور، لا سيما تعزيز مكانة الديمقراطيات مقابل الأنظمة الاستبدادية.
    ومن وجهة نظر “بايدن” (التي سيتعمد تسويقها) أن الحرب في أوكرانيا كانت فرصة لاستعادة الولايات المتحدة لمكانتها كقوة رائدة، حيث كانت لها تداعيات إيجابية على الصراع مع الصين ومحاولة الدول الأخرى التأثير على نظام عالمي جديد وموقفها تجاه/ مقابل الولايات المتحدة.
  5. ADARPRESS #
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى