مانشيتمقالات رأي

هل يقرب التصعيد التركي بين دمشق وقسد؟


مع الإصرار التركي على القيام بغزو جديد لمناطق في شمالي سوريا، وطرح سلسلة مشاريع استيطانية من أجل التغيير الديمغرافي والسياسي بحجة إعادة اللاجئين السوريين، وإقامة منطقة آمنة تحت سيطرة تركيا خلافاً لمفاهيم ومحددات المناطق الآمنة التي تقام عادة لتأمين الحماية للأهالي المهددين بسبب الحرب، وبموجب قرارات دولية، بما يحمل كل ما سبق ملامح استراتيجية تركية لاحتلال دائم في هذه المناطق على غرار ما جرى للواء اسكندرون، تبدو ثمة أولوية تفرض نفسها على كل من قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والحكومة السورية في دمشق، وهي أولوية حماية أراضي الدولة السورية عبر خلق أشكال من التعاون والتحالف لمواجهة التصعيد التركي، ولعل في هذا السياق ينبغي النظر إلى دعوة قائد قسد مظلوم عبدي، الحكومة السورية إلى استخدام أنظمة الدفاع الجوي ضد الطائرات الحربية التركية، وتأكيده أن “قسد” منفتحة على العمل مع القوات الحكومية السورية للتصدي للتصعيد التركي.

في الواقع، مع الإقرار المسبق بوجود كم كبير من الخلافات والمشكلات، وتناقض في الرؤى بين دمشق و”قسد” بخصوص العديد من القضايا الحيوية، ومع التأكيد على أن تجربة عفرين بهذا الخصوص لم تكن بمستوى رؤية خطر المشروع التركي، فإن ثمة تقاطعات وتوافقات تجعل من إمكانية التعاون والتحالف بين الجانبين مسألة وطنية سورية بامتياز، وهو إن حصل فسيلقب المشهد السوري الداخلي والخارجي لصالح الانتصار لمفهوم الدولة، كمفهوم جامع ينطوي الجميع تحت رايته من أجل حماية الأراضي السورية في وجه المخاطر الخارجية بعد أن أصبح الخطر التركي محدقاً، لاسيما في ظل القناعة التركية بأن تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية وفرت فرصة جديدة لاحتلال مناطق سورية من جديد، وفي هذا الإطار ينبغي النظر إلى دعوات تركية جديدة تطالب بإعادة احتلال حلب.

في آفق التوافق والتفاهم بين “قسد” ودمشق، ثمة نقاط يمكن الانطلاق منها لوحدة الصفوف، ليس لمواجهة التصعيد التركي فحسب، بل لتحرير باقي المناطق التي احتلتها تركيا خلال السنوات الماضية، ولعل من أهم النقاط: 1- أن تاريخ العلاقة بين دمشق و”قسد” لم يحمل أي صدام أو مواجهة عسكرية دموية بين الجانبين، رغم الخلافات العديدة بينهما بشأن كيفية رسم مستقبل سوريا، بل أكثر من ذلك ثمة حالة من التعايش المضبوط بين مؤسسات الجانبين في المناطق الواقعة تحت سيطرة “قسد”، ولعل في القامشلي والحسكة أمثلة كثيرة على هذا التعايش.

2- إن الخطر التركي يهدد الجميع عرباً وكرداً (…) رغم كل محاولات تركيا القول إنها تستهدف “قسد” فقط على اعتبار أنها تابعة لمشروع حزب العمال الكردستاني، مع أن الجميع يعرف أن الحرب التركية تستهدف كل من يعيش في المناطق التي تحتلها، بل تذهب تركيا أبعد من ذلك عندما تغير البنى الاجتماعية والسياسية والتحتية والخدمية في الشمال السوري لصالح البقاء الدائم في هذه المناطق، كما حصل مع شمال قبرص، ومن قبل مع لواء اسكندرون.

3- إن اللاعب الروسي الذي هو حليف دمشق وعلى علاقة تعاون مع “قسد” يمكن أن يلعب دوراً إيجابياً ناظماً بين الجانبين في إطار الحفاظ على وحدة الأراضي السورية ومنع احتلالات تركية جديدة، ولعل التفاهم العسكري الذي جرى بين الجانبين عقب الاحتلال التركي للمنطقة الممتدة بين رأس العين وتل أبيض عام 2019، حيث بموجبه تم نشر قوات سورية في الشريط الحدودي، يشكل مثالاً على هذا التعاون، ومن شأن تطوير هذا المسار تقوية الموقف الروسي في مواجهة تركيا التي ترى أن الحرب الأوكرانية أضعفت من الموقف الروسي في سوريا لصالح تركيا.

4- إن ثمة توافق نظري بين دمشق و”قسد” على رفض الاحتلال التركي ومشاريعه في شمالي سوريا وشرقها، وعليه يمكن بناء تفاهمات عملية بين الطرفين على الأرض، بما يتطور ذلك إلى حوار على القضايا السياسية وصولاً إلى تفاهم دائم على إيجاد حلول مقبولة للطرفين، تحفظ وحدة الأراضي السورية ويقر بالحقوق القومية والثقافية للكرد.

دمشق تتحفظ على العلاقة بين “قسد” والتحالف الدولي على اعتبار أن القوات الأميركية جاءت من دون موافقة الحكومة السورية، لكن الثابت أن إخراج القوات الأجنبية من سوريا مسألة أكبر من طرف مثل “قسد”، لاسيما في ظل استمرار الأزمة السورية، بل واحتمال اشتدادها في ظل تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، واحتمال عودة “داعش” من جديد في ظل التهديد التركي بغزو جديد، كل ذلك قضايا إشكالية لكنها تبدو ملحة للتفاهم من قبل الجميع من أجل معركة البقاء والحفاظ على البلاد في مواجهة الأطماع التركية الدفينة.

خورشيد دلي/ نورث برس

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى