مقالات رأي

مقاتلوا داعش، بين التنصل منهم ومحاكماتهم المؤجّلة

موسى موسى

ما زالت قضية مقاتلي تنظيم داعش وعائلاتهم المحتجزين في سجون ومخيمات الاحتجاز لدى قوات سوريا الديمقراطية في شرق الفرات تؤرق المجتمع الدولي يوماً بعد يوم منذ أن بدأ التنظيم يتلقى ضربات موجعة في سوريا والعراق، وخاصة بعد هزيمتهم في آخر معقل لهم في بلدة باغوث بريف دير الزور بداية ٢٠١٩ وانتصار قوات سوريا الديمقراطية- قسد- وتحرير كافة الأراضي التي كانت تحت سيطرتهم في محافظات الحسكة ودير الزور والرقة وحلب، وتثير قضية المقاتلين الاجانب في تنظيم داعش جدلاً في أوربا المختلف في رؤيتها عن رؤية أمريكا في هذه القضية، فأمريكا ترى بضرورة إعادتهم الى بلدانهم وإعادة تأهيلهم وإدماجهم في المجتمع وملاحقة بعضهم قضائياً ومحاكمتهم، وترى أمريكا ان هذا أفضل طريقة لإبعادهم عن المناطق الساخنة ومعالجة أوضاعهم الانسانية.
أما الرؤية الأوربية فتستند على الكثير من المخاوف والقلق الاجتماعي والقانوني والسياسي والأمني بعد إعادتهم الى بلدانهم في اوربا وتتمثل في صعوبة جمع الأدلة اللازمة لمحاكمتهم، فقد لا توجد أدلة كافية لملاحقتهم قضائياً، كما ان إعادتهم لم يلقى شعبية كبيرة في بلدانهم الأوربية، إضافة الى ان عودتهم تشكل فرصة لنشر الفكر المتطرف وتنفيذ عمليات ارهابية مما يشكل صعوبة في تأهيلهم وإعادة إدماجهم وعدم جواز تتبع ومراقبة بعضهم قانونياً.
لذلك تكاد أن تكون رؤية كافة البلدان الأوربية ومخاوفها موحدة في هذا الخصوص وترى بعضها في انتزاع جنسيتها عنهم وخاصة أولئك الذين يتمتعون بجنسية ثانية وسيلة للتخلص منهم وذلك للتخلي عنهم وترك مصيرهم بيد السلطات التي تحتجزهم، رغم وجود صكوك أوربية ودولية تؤكد حق مغادرة وعودة المواطن من وإلى بلده في الوقت الذي يشاء، وحظر التعذيب والمعاملة اللإنسانية أو المهينة وكذلك الحماية والإعادة الى الوطن والمحاكمة والتأهيل والإدماج.
كما ان المواد القانونية- القانون الوطني- للدول سواءً القانون المدني أو الجزائي تنص على تسليم المجرمين ومحاكمة الإرهابيين، وعلى هذا الأساس عُقدت اتفاقيات عديدة ثنائية ومتعددة الأطراف بين الدول لتسليم المجرمين، ولكن لا يمكن التعامل بموجب هذه القاعدة على قوات سوريا الديمقراطية لأنها ليست دولة، لذلك لا يمكن عقد اتفاقيات معها لتسليم مقاتلي تنظيم داعش، وهذه تعتبر إحدى المعوقات التي تعترض مسار القانون والعلاقات الدولية في بعض القضايا التي تخص المجتمع الدولي كقضية إعادة مسلحي تنظيم داعش الى بلدانهم و المحتجزين لدى قوات سوريا الديمقراطية وتحميلها عبئاً لا تستطيع الدول تحمله كعبء الاحتجاز والحراسة والمراقبة والإعاشة والطبابة والمعاملة القانونية الى أجلٍ غير مسمى من خلال عدم السعي الى محاكماتهم عبر انشاء محكمة خاصة ممولة ومقوننة دولياً وبمساعدة مالية وقانونية وإدارية وتكنيكية ضخمة، رغم انهم قنابل موقوتة بعشرات الآلاف ويشكلون خطراً على أمن المنطقة كما حدث في ٢٠/١/٢٠٢٢ في سجن غويران الحسكة من عملية مهاجمة مقاتلي داعش على السجن في مسعى لتحرير مقاتلي تنظيم داعش من ذلك السجن الواقع تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية ودامت العمليات أسبوعاً انتهت بإحباط العملية وإلقاء القبض على الدواعش الهاربين من داعش ووضع قوات سوريا الديمقراطية بمساعدة قوات التحالف الدولي يدها على السجن مرة أخرى بعد معركة قتل قتل فيها ما لا يقل عن 370 من مقاتلي داعش و121 شهيداً بين عمال السجن ومقاتلي قوات قسد، إضافة الى نزوح ما يقارب خمسة واربعون ألفاً من سكان حي غويران والزهور .

سياسياً، يمكن النظر الى هذه المشكلة بأن تنظيم داعش ترتبط بخيوط متعددة مع بعض الدول وإن مصالح تلك الدول تتطلب وجود هذا التنظيم، نشطاً في بعض الفترات وخاملاً في بعض الفترات الأخرى، وتحريكهم بما يتناسب مع مصالحهم، كما ان الدول الغربية إضافة الى ما ذكر ربما تسعى من خلال إطالة تواجدهم في المناطق الساخنة للقضاء عليهم ليغلقوا ملفاً طالما أقلقهم وهذا ما يفسر من تماطلهم ومنعهم من استقبال مواطنيهم من مقاتلي تنظيم داعش، ومع القلق الغربي في هذا الملف فإن دولاً أخرى مثل سوريا والعراق الذي ينتمي اليهما اغلب مقاتلي تنظيم داعش وكذلك الدول الأخرى لا تتقرب من هذا الملف ولا تريد أن تفتح باب النقاش حوله إلا ما ندر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى