مقالات رأي

في إشكاليات المسألة الكردية في سوريا

ماجد كيالي/الغد

باتت المسألة الكردية واحدة من أهم المشاكل، الحقوقية والقومية، في سوريا، وفي الصراع السوري الدائر في ذلك البلد منذ 11 عاما، إلا أنها لم تحظ بالاهتمام المناسب من قبل المعارضة، أو معظمها، فثمة من اعتبرها بمثابة تحصيل حاصل، أي لا داعي لتمييزها، بدعوى أن الوعد بدولة مواطنين ديمقراطية سيفي الكرد حقوقهم، مثل كل السوريين، علماً أنه، مع أهمية ذلك، إلا أن المسألة لا تتعلق بالحقوق الفردية، فقط، وإنما بالحقوق الجمعية والقومية، أيضاً، ومصدر شرعية ذلك أن سوريا تعيش واقعا من صراعات هوياتي، ضمن صراعات أخرى. وثمة على جبهتي النظام والمعارضة، أيضا، من ينكر وجود مسألة كردية في سوريا، أو يقلّل من شأنها، أو يعتبر أنها دولة عربية وفقط، بل وثمة من يعتبر الأكراد مثلهم مثل أي جماعة اثنية وافدة، أو طارئة، على البلد، أو كأنهم أتوا من المرّيخ!

في المقابل، فإن الوضع عند الكيانات السياسية الكردية ليس بأحسن حال، إذ لا يوجد اجماعات داخل تلك الجماعات، إذ أنها تتنافس وتتناحر فيما بينها، هذا أولاً. ثانياً، ثمة تنافس بين نزعتين، لدى الأكراد السوريين، وجماعاتهم السياسية، بين النزعة “القومية”، أو الأيديولوجية، التي ترى الخلاص في تحقيق دولة (كردستان الكبرى)، والنزعة العملية، أو البراغماتية، التي تقر بتنمية الهوية الجمعية الكردية، وتعزيز حقوق الكرد، لكن في إطارات الدول القائمة؛ علماً أن ثمة تداخل بين هاتين النزعتين. ثالثاً، لم تنجح الجماعات السياسة الكردية، أو القوى الفاعلة والأكثر تمثيلاً فيها، بإيجاد مقاربات في الشأن السوري، يمكن تبنيها من قبل المعارضة، أو معظم أطرافها. رابعاً، يفاقم من هذا الأمر شبهة انضواء حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري، الذي تتبع له “قوات حماية الشعب” أو “قوات سوريا الديمقراطية”، في مشروع حزب العمال التركي (PKK)، الذي يعتبر أن وظيفته الأساسية تتعلق بمناهضة الدولة التركية وتحقيق الحكم الذاتي، وهو ما ترى فيه تركيا مسّاً بأمنها القومي، وكدعوة انفصالية تهدد وحدة أراضيها؛ كما يؤخذ على هذا الحزب هيمنته بالقوة على مجتمع الكرد السوريين، واستئثاره بإدارة مناطقهم، بشكل أحادي، وبمعزل عن القوى الكردية الأخرى.

على هذه الخلفيات تأسست الشبهات بين السوريين، على جبهتي النظام والمعارضة. وبخصوص هذه الأخيرة فقد وجدت نفسها مفترقة عن المسألة الكردية، وتنظر بعين الريبة إلى حزب الـ بي يي دي، وتالياً “قوات حماية الشعب”، وبعدها قوات “قسد” (قوات سوريا الديمقراطية) بخصوص علاقته بالنظام، أو عدم حسمه في مسألة الوقوف مع المعارضة. وتستند هذه الشبهات إلى اشتباكات بين قوات “حماية الشعب” أو قسد وبعض فصائل المعارضة سيما في الشمال السوري، وبعض أماكن أخرى، وإلى التنسيق الجاري بينه وبين النظام في الأماكن التي يسيطر عليها، وتشكيله مجالس إدارة محلية، ما يثير المخاوف من نزعات انفصالية عنده، كما تستند إلى تبعية حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري إلى حزب العمال الكردستاني التركي، وقيادة جبال قنديل (القريبة من إيران)، مع شبهة بعد مذهبي يربط بينها وبين نظام الأسد.

مع ذلك يحسب لمشروع “الإدارة المحلية أو الذاتية” في المناطق الكردية تنظيم الأوضاع فيها، واستتباب الأمن، والقرار الموحد، بالقياس للمناطق المحررة، التي تخضع لهيمنة جماعات المعارضة السورية المسلحة، وما يسمى “الهيئات الشرعية”، ومع ما تعيشه من فوضى ومزاجية وفرض رؤاها بالإكراه على الناس، هذا إضافة للاختلاف والتنافس وحتى الاقتتال بين الجماعات المذكورة.

بيد أن المشكلة الأساسية معظمها عند الجماعات الكردية هي، أولاً، ضعف التمييز بين القضية الوطنية الكردية ـ السورية، وبين القضية القومية الكردية عموماً. وثانياً، ضعف التمييز بين قضيتهم الكردية العادلة والمشروعة وبين موقفهم من تركيا، بغض النظر عن تقييمنا لمواقفها من هذه القضية أو تلك، ما يفسّر هذا التعاطف مع “قيادة جبال قنديل”، أو القيادة المهيمنة في حزب العمال الكردستاني.

هذا ينطبق على المعارضة السورية، أيضاً، إذ يفترض منها أنها معنية بتمثيل كل السوريين، وتمثّل مصالحهم، وضمن ذلك الكرد، بغض النظر عن أي شيء آخر، أي بغض النظر عن وجود اتجاهات كردية مخالفة، وبغض النظر عن وجود دولة حليفة لها رأي آخر في المسألة الكردية (تركيا مثلاً). وبكلام آخر فإن المعارضة معنية باستيعاب قضية الكرد السوريين باعتبارها مسألة وطنية سورية، أولاً، وثانياً، فتح حوار مع تركيا للتوصل لقناعة مشتركة في هذا الملف يأخذ في اعتباره المصلحة السورية، وليس فقط المصلحة التركية؛ فهذا هو دور المعارضة السورية، وهنا تكمن مصداقيتها، ولا ينبغي ترك هذا الدور تحت أي اعتبار، لأن من شأن ذلك إبقاء الكرد في إطار تجاذبات وتوظيفات مضرة، لهم وللقضية السورية، علما أن النظام لا يقدم شيئا لكرد سوريا، لا على صعيد حقوق فردية ولا على صعيد حقوق قومية.

نلاحظ اليوم أن ثمة تجاذبات عديدة، ومتناقضة، تحاول توظيف الكرد، أو الاستثمار في وجودهم، فثمة الولايات المتحدة التي تقدم لهم الدعم المادي والسياسي والتسليحي، وتمكينهم من السيطرة شرقي الفرات، وثمة روسيا التي تحاول جذب “قسد” والكيانات السياسية الكردية إلى جانب النظام، وهذا ينطبق على إيران أيضا، في حين تأخذ تركيا جانبا معاديا لقوات قسد، وحزب الاتحاد الوطني الديمقراطي الكردي (السوري) على طول الخط، باعتبارها له جزءا من حزب العمال الكردستاني في تركيا.

ولعل ما يفترض إدراكه من قبل الكرد عموماً، ولاسيما في هذه الظروف المعقدة، والصعبة، أن قضيتهم لا تتعلق بشرعية وعدالة توقهم لدولتهم القومية، أو للتعبير عن ذاتهم وعن هويتهم القومية، كشعب، وإنما تتعلق بعدم مداعبة الأوهام حول ذلك، لأن هذا من شأنه تضييعهم، وتوظيفهم، لصالح هذه الدولة أو تلك، لهذا الغرض أو ذاك، سيما في هذه الظروف الصعبة والمعقدة، بغض النظر عن رأينا بخصوص فوات الدول القومية (أو الدينية) الهوياتية، سواء كانت عربية أو كردية أو أي شيء آخر.

ADARPRESS #

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى