حكومة الشرع تضرب الداخل لتمرير أجندات الخارج

كمال حسين
من حي السومرية في دمشق، قد بدأت حكومة الجولاني في تنفيذ خطتها لتحرير القدس من إسرائيل، حيث تنفذ إخلاءً قسرياً لسكانه العلويين الفقراء، بالتوازي مع جهود مشابهة في مدينة حمص، وقبل ذلك في قرى شمال اللاذقية القريبة من الحدود التركية، حيث المجازر تتنقل بشكل مدروس ومنظم بين القرى والمزارع، ليأتي بعد ذلك عملاء الاستخبارات التركية وأزلام حكومة الجولاني المأجورين من ضعاف النفوس، ومن متوارثي دور العمل مع المخابرات بنغمة جديدة. هي لجان المجتمع الأهلي والدفاع عن السلم، والترويج للتدخل التركي في شمال الساحل السوري، ونغمة حماية العلويين من الإرهاب.
والمسرحية نفسها كانت قد أتبعت في عفرين وسري كانييه وتل أبيض المحتلة، حيث من جهة تحرض الفصائل الإرهابية على تنفيذ القتل والنهب والسبي والتهجير وقطع الشجر وسرقة المواسم، ومن جهة أخرى يخرج علينا أردوغان بخطاب الإخوّة الدينية، والحرص على حماية الكرد، ومحاربة الإرهاب، يقصد هنا قسد. إنها سياسة تركية مزدوجة المقاييس، تستهتر بعقل البشر وذاكرتهم، ولا ريب أنها تستمد محطات غبائها من التاريخ، حيث دوماً تتناسى ما تقترف من مجازر بحق الشعوب التي وقعت تحت سيطرتها، ودائماً كانت تراهن على شراء الذمم، وتوظف في جهود بعض رجال الدين، ونخب العملاء والانتهازيين.
والتحريض على سكان السومرية اليوم بقصد تهجيرهم؛ لا يخرج في دوافعه عن فنون حياكة الخطط والافتراءات ضمن مشروع التآمر على وحدة الأراضي السورية، وتقاسم النفوذ فيها.
فـ للحق والتاريخ؛ لم يكن حي السومرية قائماً قبل مجيء حافظ الأسد إلى حكم البلاد في العام 1970، وقد يكون نشأ على بعض أملاك الدولة الجبلية غير الصالحة للزراعة، لتوفير سكن متواضع لبعض العساكر العلويين الفقراء، الذين استقدمهم من خارج دمشق للعمل ضمن قواته التي بدأت تتوسع في قوامها بحجة التحضير للحرب مع إسرائيل. وصحيح أن الهم الرئيسي لديه لم يكن غير تثبيت أقدامه في سلطة الدولة، إلا أنه للتاريخ، لم يكن هؤلاء ووفقاً لما تربوا عليه، أو وفقاً لما كان يهمس في آذانهم، أو لما كان يزعم نظام الأسد؛ غير خطوط دفاع عن دمشق في مواجهة تهويدها. هؤلاء العساكر الفقراء، وأياً تكون نوايا الحاكم، كانوا يرددون في كل صباح “أضحي أضحي بدمي، وانتقم من أعداء بلادي”.
فـ صحيح أن نظام الأسد قد أمعن في نهب موارد البلاد، وقد أفرز جيشاً من الفاسدين، ومن جميع المكونات المتورطين في دعم سياساته وجرائمه في حق الوطن والشعب والدولة؛ لكن هؤلاء وبحكم التجارب الملموسة قد أمعنوا أيضاً في الإفلات مع أموالهم وعائلاتهم من العقاب أو الملاحقة؛ لا بسبب ألمعيتهم، بل لأن من ورثهم في حكم البلاد كان أفسد منهم، وأعجز نظراً لغياب الرؤية الوطنية لديه من أن يشغل دور الحاكم المؤهل العادل، والصحيح الذي لا جدال حوله، أن سكان السومرية ليسوا شركاء أو ضالعين في شيء، كانوا فقراء ومازالوا.
ويجب أن يكون واضحاً أن سكان السومرية الذين صار يفترش قسمٌ كبيرٌ منهم الأرصفة في شوارع دمشق؛ ليس من بينهم أياً من رموز النظام البائد، أو من آل الأسد أو مخلوف أو الأخرس، ولا يشكلون أي فعالية اقتصادية تذكر، تتجاوز محل للسمانة أو بيع الفروج.
وحينما يجتهد مهندس تقاسم مناطق النفوذ، المقيم في أنقرة، للتعجيل بإخلاء أحياء دمشق من العلويين؛ لابد أن يكون قد تناسى أن وجود العلويين في دمشق قد سبق صعود الأسد إلى السلطة، ويرتبط بتأسيس الجيش السوري إبان الاستقلال، حين تخلوا عن امتياز الدولة العلوية لمصلحة سوريا الأم الموحدة.
فـ بالوقوف عند ظروف تشكيل الجيش الوطني، تقول جميع الحيثيات إن العلويين والدروز كانوا المصدر الأول الذي جاء منه المتطوعون إلى الجيش، وأن نسبتهم في كتلته الصلبة التأسيسية كانت تفوق بكثير نسبتهم في عدد السكان، في الوقت الذي كانت تحجم المكونات الأخرى عن الانخراط العميق في صفوف الجيش. تقول مقاربات عدة إن العلويين والدروز، وبخاصة العلويين؛ قد شكلوا العماد الطوعي لنواة بناء الجيش لسببين أساسيين، الأول، بسبب الفقر الشديد الذي ظلل حياتهم كامتداد للجور والتهميش الطويل الذي عانوا منه في الحقبة العثمانية.
والثاني، تنامي شعور وطني عام، ووعي سياسي مبكر في صفوف نخبهم ورموزهم، وقد تأتت أيضاً كردة فعل على الاضطهاد العثماني الفظيع.
وإن ما يسند هذا الانطباع هو ثابتة، بقي العلويون يتباهون في ترديدها في أحاديثهم الخاصة وفي خلواتهم؛ لم يظهر في صفوف العلويين طيلة تاريخهم جاسوس أو عميل، ولا يمكن أن يظهر”. وحتى نظام الأسد رغم استبداده، وفساده لم يجرؤ على توقيع صلح مع إسرائيل.
يأتي كل ما تقدم كتوطئة توضح الخلفية التي تدفع اليوم قوى الإسلام السياسي الإرهابية إلى التخلص من المكونات الدينية والعرقية، وعلى وجه التحديد التواجد العلوي في دمشق.
يريدون التخلص من الوجود العلوي في دمشق لأنهم يريدون أن يفتحوا أبوابها لإسرائيل بعد أن تواطأوا في تفكيك الجيش السوري، وتدمير أسلحته، بعد أن أجهزوا على مقومات الدولة السورية، وعلى تفكيك المجتمع السوري، ولأنهم كقوى إسلام سياسي متورطين منذ نشأتهم بتنفيذ أجندات المنشىء ومهام الخيانة الوطنية.