مانشيتمقالات رأي

معاني ورسائل هامة عن مؤتمر المكونات الأخير

كمال حسين

إن اللقاء الذي عُقِدَ مؤخراً في مدينة الحسكة برعاية الإدارة الذاتية القائمة في شمال شرق سوريا، وقد التقت فيه المكونات السورية ضمن مسعى للحديث بصوت واضح وواحد حول أنجع طرق الخلاص من المقتلة السورية المتفاقمة فصولاً، والتي دخلت أشد أطوارها، حيث وضعت البلاد على مفترق طرق خطير بين أحد مسلكين، الأول، حروب أهلية همجية غرائزية لانهائية، تفرضها أجندات دول ومنظمات إرهابية عابرة للحدود. والثاني، الاتفاق على قيام سوريا جديدة، دولة تعددية ديمقراطية لا مركزية مدنية علمانية تحترم في عقدها الاجتماعي الأساسي خصوصية جميع المكونات العرقية والدينية والثقافية، وتتسع لدور فاعل وريادي لنسائها، تعتمد اللامركزية السياسية، وترفض نهائياً فكرة اللا مركزية القوموية والإدارية.

أما عن مغزى اللقاء، والرسائل التي أوصلها في هذه اللحظة، ومستوى النجاح الذي حققه، والأطراف التي شاركت في أعماله، ونضج الخطاب الذي تقدمت به، بالإضافة إلى التغطية الإعلامية التي حظي بها. فكلها مسائل تستحق التوقف عندها، والتأمل في تداعياتها الإيجابية على مستوى الرأي العام المحلي والعالمي، كما عند صانع القرار الدولي.

فمن حيث الشكل والمكان والتحضير؛ كان لمبادرة الدعوة إلى اللقاء تحت مظلة قوات سوريا الديمقراطية والطبقة السياسية الحاملة لفكرة الأمة الديمقراطية، ولدور حزب الاتحاد الديمقراطي ذات القاعدة الشعبية  الكردية والعربية الكبيرة؛ معنى مهماً لا بد أن يعيد إلى الذاكرة مساهمات الشعب الكردي في الدفاع عن مصير المنطقة، ووحدة دولها ومجتمعاتها، في اللحظات الحرجة، وعند ظهور تحديات بالغزو والاحتلال بدءاً بصلاح الدين الأيوبي، مروراً بيوسف العظمة وإبراهيم هنانو، وانعطافاً على دورهم في الدفاع عن الأخوة الكردية العربية والهوية الثقافية العربية، أحمد شوقي ومحمد كرد علي.

إن مشاركة رموز دينية معروفة، أمثال الشيخ حكمت الهجري عن الدروز، والشيخ غزال غزال عن العلويين، ضمن رسائل تضمنت قائمة تصورات ومبادىء لشكل سوريا المستقبل، التي يتطلعون للانضمام إليها، يعد بحق حدثاً مفصلياً، وعلامة فارقة لم يحصل مثيلٌ لها منذ نهاية العقد الثاني من القرن الماضي يوم جرى الانفكاك عن الهيمنة العثمانية.

إن الجهر بوجود مكون علوي أو درزي في سوريا له رأيه وتطلعاته في دستور الدولة السورية، ويقبل بالدولة الديمقراطية اللامركزية والعلمانية؛ يعد تطوراً ثورياً بالغ الأهمية، ويكسر الانطباع العصملي الذي ساد خلال المائة عام الماضية، عن أن الشعب السوري في غالبيته الساحقة مكون من المسلمين السنة.

ويمكن القول الآن، وبعد مؤتمر المكونات هذا: “إن الرأي العام أصبح مضطراً لأن يصحح الكذبة التي استمر حزب البعث، وحقبة الأسدين في تمريرها خلال أكثر من ستين عاماً، وعلى خطأ الحكومات البرجوازية السنية التي سبقتها، وكذلك كذبة الكذبات، والتي تقول السوريون كلهم عرب وكلهم سنة.

إلى ذلك، وحول الافتراء وتزوير الحقائق فيما يتصل بهوية المكونات السورية، سيكون لزاماً على المتابع الناقد لأصول ودوافع الأزمة السورية إن يعترف أن جزءا جوهرياً من حجم الأزمة كان متأتياً عن طمس الهوية، وإخفاء حقيقتها، فحين نسوق الخطاب الدارج الذي يقول بالأكثرية العربية والسنية، وتهميش المكونات الأخرى كالكردية أو العلوية أو المسيحية وسواها؛ نكون بذلك قد شاركنا في المؤامرة الواقعة على حق المكونات بإبراز هويتها، هذه المؤامرة التي قد ترقى إلى مستوى المؤامرة السياسية الكاملة، والتي تواطأ لتمريرها خلال كل هذه الحقبة، فضلاً على القوى الخارجية؛ أطراف محلية ثلاث، الأول، قصور نظر في موقف القوى المؤسسة لدولة الاستقلال، قد يحتمل أدواراً انتهازية، وغياب النضج عند النخب المشاركة في توقيع صك الاستقلال في ذلك الزمان.

الثاني، تخاذل البرجوازية العربية السنية التي تنطحت لتصدر العملية الوطنية بعد الاستقلال، وتأثرها بالنزعات الطائفية المجبولة بالثقافة العثمانية، والتي تنازلت، وكانت البداية مع سلطات حكومة تاج الدين الحسيني، ليس عن المسؤولية الأخلاقية والوطنية تجاه الأقليات؛ بل أيضاً تواطأت مع الدولة التركية، وتنازلت عن قسم كبير من الأراضي السورية التي يغلب على سكانها الطابع الكردي أو العلوي في كيليكيا ولواء أسكندرون لصالح الأتراك؛ الأمر الذي أثر على توازن نسبة المكونات في غير صالح المكونات الأقلوية.

الثالث، دور حزب البعث وبخاصة دور حافظ الأسد الذي كان ملك لعبة الافتراءات وتزوير الحقائق، والذي زعم أن العلويين مسلمون سنة، ونشط حركة بناء المساجد في قراهم وبلداتهم، في خطوة تسنين واضحة، كما عمد إلى طمس الطابع العلوي في ثقافة العلويين وطقوسهم، وإلى تهميش دور العائلات العلوية ذات الأبعاد الروحية، كل ذلك في خطوة تنكر لأصوله، وتملقاً للسنة كي يبرر استئثاره بالسلطة. وبينما عمد الأب إلى تسنين العلويين؛ فمن نافل الإشارة إن ابنه قد اتبع خطاه في تشييعهم عندما دعت حاجته إلى ذلك.

وبالعودة إلى الرسائل التي عمد لقاء المكونات توجيهها؛ ففي الخلاصة أن الرسالة الأبلغ التي أراد المؤتمر ايصالها كمهمة نضالية ملحة؛ هي القطع مع فكرة الدولة المركزية، ومع مفهوم الدولة القومية والدينية، وبالتالي مع القيم العصملية المعششة في الرؤوس، في نظرتها للدولة والوطن، والتوظيف في شعارات الأكثرية والأقلية، كما في تصحيح أحادية النظرة في تفسير مؤشرات الخيانة الوطنية؛ حين يصبح سكان السويداء خونة يرفعون أعلام دول أنقذتهم من ذبح محتوم، فيما إن رفع العلم التركي في كل مكان، والتعامل بالعملة التركية، وفتح الحدود لعبور البضائع، ودخول الجيوش التركية، والتنازل عن الأراضي الوطنية السورية، والتحكم بقرار الدولة؛ تعد كلها أعمال تبررها الأخوة الدينية.

وليس هذا وحسب، بل للحق والموضوعية، قد قام لقاء المكونات بفتح الطريق لمراجعة المسكوت عنه خلال أكثر من قرن من الزمن.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى