مقالات رأي

حكـ.ـومة الشرع واجهة إسـ.ـلامية مـ.ـتهالكة تحتمل توظـ.ـيفات عدة

كمال حسين

في وقت تتجه فيه الأنظار إلى مجريات زيارة الشرع وفريقه إلى واشنطن، وإلى النتائج والتطورات التي ستنجم عنها على صعيد الدفع بالعملية السياسية التي تترقب واشنطن وكثير من عواصم دول العالم مشاهدتها وهي تجري قُدُماً على طريق خلاص معاناة السوريين، وبما يضمن معالجة أزمتهم البنيوية مع موروثات الدولة الاستبدادية المركبة من مفاهيم قوموية ودينية شديدة التمركز حول مكانة القائد الملهم، أو الخليفة الحاكم بتفويض الآلهة.

هذه الدولة، وهذا الموروث الذي لم يستطع أن ينقل الشعوب إلى العصر بأية حال من الأحوال إلا من بوابة الماضي، ولم يزرع في وعيها العام غير الاستعداد للثأر والحروب الأهلية؛ تأتي الهجمة الجديدة على السويداء من قبل قوات حكومة الشرع في اليوم التالي لزيارة أمريكا ولقاء الرئيس ترامب، لتفسير الكثير من الملاحظات والرسائل والتحفظات والالغاز التي أحاطت بها وتركت انطباعات توقف عندها الكثير من المتابعين.

وإن يكون دخول الشرع ومرافقيه إلى البيت الأبيض قد حدث من الباب الخلفي، وليس كما جرت العادة من الباب الرئيسي؛ حيث يستدعي البروتوكول المتبع أن يقوم الرئيس الأمريكي باستقبال زائريه.

ثم أن لا يجالس الرئيس ترامب زائره في كرسي مجاور؛ بل في مقعد مواجه يجلس فيه الوفد، ويقوم الرئيس بتوجيه الحديث على طريقة قريبة من تلك التي تحصل مع المعلم وتلاميذه في رياض الأطفال، وأن لا يعقب اللقاء مؤتمر صحفي تعد مع غيرها من الأسئلة التي وجهت على نمط؛ كم امرأة تزوجت؟ وتذرير العطر عليه إشارات ازدراء لم تخفف من وقعها محاولة الشرع التشاطر في إهداء قبعة للرئيس أو المشاركة في لعبة كرة السلة مع ضابط أمريكي للإيحاء بأنه مستعد لتفهم القيم الأمريكية، أو الانخراط بنموذجها في التفكير.

نعم هي إشارات ازدراء لا تنفع في تلطيف وتلميع دلالاتها تطوع بعض الأقلام المحسوبة على خدمة أفكار التطرف الإسلامي والإرهاب؛ لتصوير الزيارة وكأنها قد حققت اختراقاً يرقى إلى مستوى الفتوحات بل تحمل في بعض مضامينها تحقير الثقافة الغربية لمبدأ تعدد الزوجات؛ هذا العرف الذي يسلعن المرأة وينتقص من كيانها ودورها الإنساني المكافىء في إكمال دورة الحياة، وعلى نفس المنحى لم يكن الرئيس ترامب يعمل ليسوق منتجاً جديداً لإحدى شركات إنتاج العطور؛ بل ربما تحمل الخطوة تجريحا أشد إيلاماً.

وبالمجمل لم تحظَ الزيارة بأية إحاطات تليق بمسمى الدولة السورية، العضو في المجتمع الدولي، وحتى في مضامين القضايا التي جرى الإعلان عنها على أنها مكاسب سورية، مثل قرار رفع العقوبات، والحديث عن تعديل جديد يتناول قانون قيصر؛ كان واضحاً أنها قرارات مؤقتة، ولها اشتراطات عدة، ويمكن التراجع عنها في حال لم تلتزم حكومة الشرع في تعهداتها.

وإذا وضعنا جانباً، الجانب الظاهراتي للزيارة، والتي تقول جميع الانطباعات وتغريدات الرئيس ترامب والمبعوث باراك، وكما يقول العدوان على السويداء في تالي يوم الزيارة؛ إن حكومة الشرع لا تمثل دولة بالمعنى الصحيح، ولا تتمتع بالثقة الكافية التي يمكن أن يبنى عليها، وبالانتقال إلى البحث في وظيفة الزيارة، أو عن الغرض الذي استدعى دعوة الشرع إلى لقاء واشنطن؛ فلا بد أن نقف عند هدفين أساسيين لم تتوانَ وسائل الإعلام عن التركيز على أهميتهما.

الأول، هو التوقيع المذل على الشروط الإسرائيلية لجهة إخلاء الجنوب السوري من أي تواجد لقوات حكومة الشرع، وشرعنة التواجد الإسرائيلي الدائم فيه.

والثاني، وهو البند المهم كثيراً، ويدور حول انضمام سلطات الشرع إلى الجهود الدولية الرامية إلى مكافحة الإرهاب، بمعنى الانخراط الجدي في الحرب على داعش، والدخول إلى جانب الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب الداعشي. في الحالة السورية يعني بشكل واضح الانضمام إلى التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة وركيزته الأساسية على الأرض هي قوات سوريا الديمقراطية – قسد. وإزاء هذا الواقع الموضوعي لتموضع القوى في الميدان؛ ينطرح السؤال حول كيف سيكون بمقدور الشرع أن يواجه تنظيم داعش الإرهابي؛ وهو لا يملك أدوات مؤهلة لإنجاز هذه المهمة؟

حيث أثبتت الاختبارات السابقة وفي معارك إدلب الأخيرة مع الجهاديين الناطقين بالفرنسية انشقاق قسم مهم من قواته وانضمامهم إلى جانب خصومه مما أدى إلى خسارة المعركة مع هؤلاء الجهاديين الدواعش في كل جذورهم.

فالمنطق والواقع يقول إن معركة من هذا النوع مع داعش سيخسرها الشرع؛ لأن قاعدته الأساسية داعشية، والمواجهة مع داعش، وقد بدأت الآن في كثير من النقاط والمجالات سوف لن تكون في صالحهمالم يستند إلى قوة موازية لداعش وكفوءة لهزيمته، وهنا لا يتوفر أمامه غير قسد التي أصبحت شريكاً معها، وحليفاً في الأهداف السياسية للتحالف الدولي القائم.

وانطلاقاً من هذه الأرضية التي تُحَتِّمُ توفير الجهود الكافية لهزيمة الإرهاب؛ سيصبح من المُسَلّمِ به أن الطريق إلى ذلك هو اندماج قسد في الجيش السوري الوطني العام؛ الذي لابد أن يكون وطنياً اتحادياً يمثل كل المكونات السورية، والذي هو واقع الحال في قسد اليوم. فقسد تمثل ومنذ نشأتها جميع المكونات العرقية والدينية المتواجدة في شرق الفرات، وتشكل نموذجاً لا يضاهي لوحدة السوريين؛ الأمر الذي لا يتوفر في جيش الشرع القائم حالياً. بمعنى لا تتوفر مواصفات الجيش الوطني الذي يمثل توافق إرادات كل السوريين، ويؤمن الطمأنينة لهم جميعاً، والمؤهل لهزيمة الإرهاب إلا في جيش اسمه قسد، الجيش المُختبر والعصري بامتياز.فالمسألة بهذا الشكل، والرؤية الدولية عند القوى الفاعلة تنطلق من هذا الفهم، ومن بديهية إن قسد التي نجحت في تكريس الاستقرار وهزيمة داعش في معارك شرق الفرات؛ هي وحدها من تصلح لأن تشكل جيش سوريا الديمقراطية الاتحادية المرتقبة.

وبما أن المسألة في النهاية تتعلق بالشكل الذي سترسو عليه الأوضاع السورية؛ فإن زيارة الشرع في أحد أهم دواعيها هو توظيف سلطة الشرع الرمزية كممر مؤقت ومناسب لإنجاز تحولات عميقة في المشهد السوري المنتظر؛ فهذا الإسلامي المتشدد، وصاحب الجذور الإرهابية قد قادته التطورات والرغبة في المكوث بكرسي الحكم إلى أن يلبي المطالب الغربية؛ فينقلب على ماضيه، ويشكل المظلة الوطنية لمحاربة الإرهاب. هذه المظلة المتجسدة في تفاهم 10 آذار، والذي في جوهره إن قسد جزء أساسي في بنية الدولة السورية في جميع مفاصلها وأركانها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى