مقالات رأي

السـ.ـلم الأهلي في مواجـ.ـهة خـ.ـطاب الكـ.ـراهية.. ركيزة بقاء المجـ.ـتمعات وتماسكها

في مرحلة تتكالب فيها الأزمات على شعوب المنطقة، وتُستغل التناقضات العرقية والدينية والسياسية لتأجيج النزاعات، تبدو الحاجة إلى السلم الأهلي ضرورة وجودية، لا مجرّد خيار سياسي أو اجتماعي. فالمجتمعات التي تنزلق إلى الفوضى غالباً ما يبدأ انهيارها من الشرخ في بنيتها الاجتماعية، وما يُفاقم هذا الشرخ هو خطاب الكراهية، الذي لم يعد مجرد ظاهرة، بل أداة ممنهجة تُستخدم لضرب استقرار المجتمعات وتفكيكها من الداخل.

السلم الأهلي، الذي يقوم على مبادئ العدالة الاجتماعية، والاعتراف بالآخر، والعيش المشترك، ليس حالة طارئة أو شعارًا مرحليًا، بل هو نتاج وعي مجتمعي طويل المدى، يتطلب بيئة حاضنة تحميه، ونخبًا مجتمعية تروّج له، ومؤسسات تدافع عنه، في وجه حملات التحريض والإقصاء.

في شمال وشرق سوريا، ورغم هشاشة المرحلة وتعقيد المشهد الإقليمي، برز مشروع الإدارة الذاتية كمحاولة لبناء هذا السلم الأهلي، عبر إدراج مبدأ أخوّة الشعوب والتعايش ضمن منظومتها السياسية والاجتماعية، وفتح المجال أمام كافة المكونات للمشاركة في إدارة شؤونهم، كخطوة لتقويض أسباب التناحر.

لكن السلم الأهلي لا يُحمى فقط بالقوانين أو البيانات، بل أيضاً بمحاربة المنصات والأطراف التي تبثّ الكراهية وتحرض على العنف، سواء تحت غطاء ديني، قومي أو سياسي. فالتغاضي عن هذه الخطابات، تحت ذريعة الحرية أو الحياد، هو مساهمة غير مباشرة في تقويض السلم.

وإذا كانت الحروب تُخاض بالسلاح، فإن أخطر الحروب تلك التي تُخاض بالعقول، حيث يكون الهدف هو تفتيت المجتمعات من داخلها، عبر خطاب ينفث السموم، ويحوّل الاختلاف إلى خلاف، والتنوع إلى تناحر.

من هنا، فإن مسؤولية تعزيز السلم الأهلي تقع على عاتق الجميع، من مؤسسات إعلامية وثقافية، إلى قوى سياسية واجتماعية.

أما محاربة خطاب الكراهية، فلا تبدأ فقط بمحاسبة من يطلقه، بل أيضاً بتعرية السياقات التي ينتج عنها، وتفكيك بنيته الفكرية، وكشف دوافعه المصلحية.

في النهاية، لا يمكن بناء مستقبل مستقر لشعوب المنطقة دون تحصين النسيج الاجتماعي، وتشييد جدار من الوعي في وجه خطابات التفرقة والكراهية، فالسلم ليس حالة سكون، بل فعل مقاومة مستمر في وجه كلّ ما يهدد وحدة المجتمعات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى