تقاريرمانشيت

قرارات وإجراءات أمنية لحكومة دمشق ضد أهالي عفرين

انبرت سلطات “الحكومة المؤقتة” في عدة مناطق كردية بروجآفاي كردستان، إلى إصدار قرارات، واتخاذ إجراءات أقرب ما تكون إلى القرارات التي كان يتخذها نظام البعث البائد، ومنسجمة ومتوافقة مع أهداف الاحتلال التركي، في تغيير هوية المناطق الكردية وديمغرافيتها، ومحاولة نزع كرديتها والقضاء عليها، إضافة إلى استمرار الانتهاكات بحق سكانها الأصليين، والتي تغيرت وتيرتها، لتغدو ممنهجة، وأكثر خطورة وتأثيراً في أبعادها الأمنية والسياسية، لتكرس حالة من التهديد لمستقبل المناطق الكردية وسكانها، بعد نقل السلطة إلى حكومة “الشرع”.

القرار الأمني الذي اتخذه ما يسمى المسؤول الأمني في منطقة عفرين المدعو “سراقة أبو أحمد”، وحسبما تناقلته وسائل إعلامية عديدة، بأنه اتخذ قراراً “يجبر فيه مخاتير القرى بضرورة التعاون مع الأجهزة الأمنية، ومدها بالمعلومات عن كل مواطن في القرية، سواء من العائدين حديثاً، أو المتواجدين سابقاً في قراهم، وتقديم بيانات الأشخاص الذين كانوا يتعاملون سابقاً مع الإدارة الذاتية، وتبيان طبيعة عمل كل واحد منهم، ونوعية الخدمة التي كان يؤديها كل فرد إن كانت خدمية، إدارية، عسكرية أو سياسية”.

في ذات السياق، أصدر ما يسمى مدير منطقة عفرين المدعو “مسعود بطال”، قبل أيام، قراراً بضم الشباب الكرد إلى صفوف القوات الأمنية، عبر سياسة الترغيب والترهيب، واستخدام قوميته الكردية وتوظيفها في خدمة مشاريع مرجعيته الدينية والتنظيم الإسلاموي المنتمي له، لمحو كل ما يتعلق بالهوية الكردية، وقد سبقها تشكيل ما يسمى “اللجنة الاقتصادية”، والتي ما هي إلا سياسة يُراد منها وضع اليد على ممتلكات أهالي المنطقة المهجّرين قسراً بفعل الاحتلال.

بعض المصادر في منطقة عفرين ذكرت أن بعض مخاتير القرى ممن عيَّنهم الاحتلال التركي، رفضوا قبول تلك الإملاءات، نظراً لحساسية الموضوع، ووجدوا أن المدعو “سراقة” سيحولهم إلى مخبرين على أقربائهم وأبناء جلدتهم، وانبرى العديد منهم إلى تقديم استقالتهم من “المخترة” وعدم استعدادهم لتولي تلك المسؤولية، إلى أن كل من رفض التعامل مع الجهاز الأمني، تعرض للإهانة والتوبيخ من قبل العناصر الأمنية، والتهديد بالخطف والاعتقال، حتى دون وجود أي تهم أو مسوّغات قانونية أو مشروعة، ما يعرّض حياة العديد من المخاتير للخطر.

إن الأسلوب الانتقائي الذي تتعامل به سلطات دمشق المؤقتة مع المناطق الكردية وخاصة عفرين التي اكتوت بنيران الاحتلال ومرتزقته، يعيد تكرار سيناريو الاحتلال، بل وبشكل أسوأ وأخطر منه، ويبدّد تطلعات أهالي عفرين، إن كان من في الداخل أو المهجرين قسراً، إلى بدء مرحلة جديدة بعد سقوط النظام البائد، وزوال الاحتلال وكل مرتكزاته الأمنية والعسكرية، ولتفتح الطريق أمام عودة كريمة لهم إلى منازلهم وقراهم ومدنهم، وتعززت هذه القناعة والأمل خاصة بعد التوقيع على اتفاقية 10 مارس/ آذار بين الرئيس السوري المؤقت “أحمد الشرع” وقائد قوات سوريا الديمقراطية “مظلوم عبدي”، والتي من ضمنها بند رئيسي يتعلق بعودة المهجّرين والنازحين إلى مناطقهم الأصلية. إلا أن حكومة دمشق الراهنة تحاول التنصل من كل تعهداتها ومسؤولياتها، وتتصرف بعقلية ميليشياوية وأمنية صرفة، ولا تبالي بارتدادات قراراتها التعسفية عليها بالدرجة الأولى، وما يمكن أن تسفر عن ردود فعل قد تنسف مصداقيتها.

وضمن الاتفاقات التي عقدتها الإدارة الذاتية مع دمشق، تشكلت عدة لجان لمتابعة تنفيذ بنود اتفاقية 10 مارس/ آذار، منها لجنة خاصة بعفرين، وكانت أمامها خطط طموحة، منها عودة كريمة لأبنائها المهجرين القسريين، وتشكيل مجالس محلية مشتركة، وكذلك تشكيل جهاز أمني من أبناء المنطقة يكون تابعاً لإدارة الأمن العام، بالإضافة إلى إزالة المؤسسات الأمنية والمحلية التي شكلها الاحتلال التركي، بما فيها إنهاء مهمة ما يسمى “الوالي التركي”، وخروج كل مرتزقة الاحتلال من المنطقة. إلا أن الحكومة السورية تتصرف بعقلية إقصائية، ولا تريد أن تُشرك أحداً في بناء سوريا وإعادة إعمارها، وتُعيّن أتباعها والموالين لها في كل المناصب الإدارية والأمنية ضمن مؤسسات الدولة، والتي هي في الأساس حقٌّ على جميع السوريين، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والعرقية والمذهبية للعمل فيها، ولكنها وقعت في نفس أخطاء النظام السابق، وتعيد إنتاجه، ولكن بأسلوب ولبوس ديني ومذهبي مقيت. هدف دمشق من هذه الإجراءات إغلاق الباب أمام عودة المهجرين القسريين من أهالي عفرين إلى قراهم ومدنهم، لتفرض نظامها المشابه في إدلب على عفرين وأهاليها، ومن ورائها تكريس وإدامة سلطة الاحتلال التركي، فهو – أي الاحتلال – يقف وراء كل هذه التحركات المشبوهة والمكشوفة لحكومة دمشق.

إن اتباع الأسلوب الأمني والاستخباراتي في جمع البيانات والمعلومات عن أبناء الشعب الكردي، يعد تكراراً لأسلوب نظام البعث، الذي كان يزرع عملاءه ضمن صفوف الشعب الكردي وحركاته السياسية، ويبتزهم سياسياً ومادياً ويزرع الشقاق والانقسام بينهم. ونظام المخاتير الذي تعتمده السلطة الحالية، يعد نسخة طبق الأصل عن ذاك النظام المتبع في تركيا وباكور كردستان، وسعت دولة الاحتلال التركي من خلاله للسيطرة على المجتمع وإحكام قبضتها الأمنية عليه، ومراقبة تحركات الأفراد، ومنع قيام أي حركات معارضة له، وبهذا الشكل وضعت يدها على الإعلام والقضاء وكل مفاصل الحياة.

ففي حين أن هناك من كان يعمل مع النظام السابق ويقيم في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة الحالية، وخاصة في المناطق التي تدعي أنها تابعة لها “سنية”، ولم تلجأ حتى للسؤال عنهم، وهم يصولون ويجولون كيفما يحلو لهم، ما يؤكد ازدواجية المعايير التي تتبعها دمشق إزاء كل القضايا، بل هي معايير طائفية بكل ما للكلمة من معنى.

إن ممارستها سياسات وإجراءات استثنائية وخاصة تجاه المناطق الكردية، وخاصة في عفرين، يدل بشكل واضح أن لا نية لدى دمشق في حل المشاكل العالقة بينها وبين الإدارة الذاتية بالطرق السياسية والسلمية، وهي تُبَيّت لافتعال أزمات متلاحقة معها، ومع كل المكونات التي تخالفها في الرؤى والتوجهات، وما حدث في الساحل السوري ومع المسيحيين والسويداء من انتهاكات وجرائم جماعية، إنما تعد إحدى تجليات النهج والسلوك الإقصائي المتطرف الذي تعمل به السلطات السورية، وتفرض عليها نظرته الأمنية الإسلاموية، وتحاول فرض وجهة نظرها الأحادية على كل مكونات المجتمع السوري المتعدد الألوان والأطياف.

وتبقى تلك الإجراءات والقرارات استثنائية وغير شرعية ومخالفة للأعراف والقوانين المعمول بها أصولاً في الدول التي تحترم مواطنيها وتتعامل على قدم المساواة معهم، دون أي تمييز بينهم.

ومثلما فشلت سياسات وممارسات الاحتلال التركي في تغيير هوية عفرين وباقي مناطق روجآفا الكردية، فإن مصير هذه السياسات الجديدة التي تنتهجها الحكومة الحالية أيضاً لن يختلف عن سابقاتها، ولم تعد تلك السياسات التي تنتهجها السلطات الأمنية والسياسية خافية على أهالي عفرين، ولديهم القدرة على مواجهتها وإلغائها، وتحت كل الظروف والشروط.  

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى