مانشيتمقالات رأي

توماس باراك ووساطته بين قسد ودمشق: إعادة هندسة المشهد أم إلغاء مكتسبات الإدارة الذاتية؟

قاسم عمر

في خضم التحولات السياسية والعسكرية المعقدة التي تشهدها سوريا، برز اسم توماس باراك، رجل الأعمال والمبعوث الأميركي غير الرسمي، كوسيط نشط في المفاوضات بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والحكومة السورية الانتقالية. هذه الوساطة، التي جاءت في وقت حساس، قُدّمت على أنها خطوة نحو إنهاء حالة الانقسام. لكن في الواقع تُنظر إلى تحركات باراك بالكثير من الريبة والرفض الشعبي والسياسي.

فتصريحاته الأخيرة، والتي أكد فيها أن “قسد هي امتداد لحزب العمال الكردستاني” والذي تراجع عنها لاحقا، بالإضافة إلى تصريحه حول أن “الحل الوحيد هو عودة السلطة المركزية إلى كامل التراب السوري” أثارت موجة من الاستياء والجدل. فهو، بشكل صريح، رفض فكرة الفيدرالية، وطلب من قسد الإندماج ليست ككتلة، بل كأفراد. ثم تراجع وقال إن السوريون هم وحدهم من يقررون مصيرهم وشكل إداراتهم لبلادهم.

يُنظر إلى وساطة باراك كجزء من خطة أميركية لإعادة ترتيب الأوراق في سوريا دون مراعاة لمطالب مكونات شمال وشرق سوريا. فقد تم عقد جولات تفاوضية سرية نسّقها باراك، جرى خلالها الحديث عن دمج قسد في الجيش السوري، وتسليم الحدود والمطارات والسجون إلى حكومة دمشق. لكن هذا المسار، رغم تقديمه كمصالحة وطنية، يُفهم محليًا على أنه “تنازل سياسي وأمني عن الإنجازات التي تحققت بعد سنوات من المقاومة وبناء مؤسسات ديمقراطية محلية”.

فإن ما يجري هو “تسوية مفروضة” في ظل ضغوط خارجية وتدخلات إقليمية متزايدة، تمنع نشوء اتفاق سوري-سوري مستقل، خاصة مع غياب ضمانات دستورية واضحة تحفظ حقوق الشعوب المحلية.

بين الاندماج والذوبان

ما يعرضه باراك، ليس مشروعًا وطنيًا ديمقراطيًا، بل مسارًا لتذويب قسد داخل الدولة السورية دون التزام سياسي واضح. وبدلًا من تطوير النظام السوري نحو لامركزية حقيقية، يجري الضغط على قسد للتنازل عن مكاسبها الأمنية والإدارية تحت شعار “الجيش الواحد والدولة الواحدة”.

وهنا يكمن جوهر الخطر: فالاندماج بدون ضمانات قد يتحول إلى تفكيك فعلي لمشروع الإدارة الذاتية، وإلى إغلاق المجال السياسي أمام المجتمعات التي قاومت داعش وأسست نموذجًا للإدارة الذاتية التعددية.

فمفهوم الاندماج المؤسساتي والعسكري في نظر حكومة دمشق تعني التفكك والإنحلال وتسليم كل شىء للدولة، وكأن الإدارة الذاتية ومكونات المنطقة ليس لهم الحق ليكونوا كياناً وعنصراً فعالاً داخل الدولة. لكن الاندماج بنظر الإدارة الذاتية تعني أن تكون شريكة على كافة الصعد السياسية، الاقتصادية والعسكرية.

هل يملك الاتفاق المقترح أيّ مشروعية قانونية؟

أحد أبرز الإشكالات القانونية في الاتفاق المقترح هو أنه يتم التفاوض عليه في ظل غياب دستور سوري جديد. الدستور الحالي لا يعترف لا بالفيدرالية ولا بالإدارة الذاتية، ويكرّس صلاحيات مطلقة للسلطة المركزية. وبالتالي:

  • أي اتفاق يدمج قسد بالجيش السوري أو يسلم السجون والمعابر بدون إطار دستوري يُعدّ اتفاقًا خارج القانون السوري النافذ.
  • لا توجد أي آلية محلية أو وطنية تُلزم الحكومة السورية بتطبيق ما يُتفق عليه، في غياب رقابة برلمانية أو محكمة دستورية مستقلة.

هناك نقطة أخرى تجدر الإشارة إليها، وهي أن في القانون الدولي خاصة المادة 3 من اتفاقيات جنيف يشترط أن يكون التفاوض بين أطراف “متساوية في القدرة التمثيلية والسياسية”. في هذه الحالة:

  • قسد تمثّل كيانًا شبه إداري له هياكل أمنية وسياسية.
  • حكومة دمشق الانتقالية، ورغم أنها مدعومة دوليًا، ما تزال تُعتبر في نظر السكان “سلطة ناقصة الشرعية”، ولم تخضع بعد لأي انتخابات ديمقراطية.

وبالتالي، فإن توقيع اتفاق بين طرفين غير متكافئين قانونياً وسياسياً، وبدون إشراف دولي حقيقي، يُعتبر “تسوية قسرية” وليست “مفاوضة حقيقية”.

إن أحد أخطر التداعيات القانونية المحتملة أن يُستخدم هذا الاتفاق للالتفاف على مسار اللجنة الدستورية السورية، التي كان يفترض بها أن تُعيد صياغة النظام السياسي بطريقة تضمن تمثيل الجميع، بما فيهم مكونات شمال وشرق سوريا. لكن إذا تم تمرير اتفاق باراك بشكل منفرد، فقد يُصبح الأمر:

  • أمرًا واقعًا قانونيًا يُفرض لاحقاً ضمن الدستور الجديد.
  • أداة لإلغاء مطالب الفيدرالية والحكم اللامركزي قبل بدء أي استفتاء شعبي أو تفاوض دستوري علني.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى