
بعد يوم من أقدام مجموعة من مقاتلي حزب العمال الكردستاني على حرق أسلحتهم في مدينة السليمانية بباشور كردستان، وبحضور إعلامي وجماهيري وسياسي كبير، ورداً على خطوة “الكردستاني”، ألقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اليوم، السبت، خطاباً في الاجتماع التشاوري والتقييمي الثاني والثلاثين لحزبه تحدث فيه مطولاً عن القضية الكردية، واعترف بالأخطاء التي وقعت فيها الدولة التركية سابقاً، والمظالم التي تعرض لها الكرد، ودفعت الشباب الكردي لحمل السلاح، دفاعاً عن الحق الكردي ورداً على ممارسات الدولة التي ارتكبت مجازر بحق الشعب الكردي.
وفي بداية خطابه أشار أردوغان إلى الجنود الـ/ ١٢/ الذين قتلوا بغاز الميتان في إقليم كردستان، حيث قتلوا بعد أن رمى الجيش بنفسه قنابل الغاز داخل نفق، كان يعتقد أن فيه مقاتلي “العمال الكردستاني”، وإثر تجمع الغاز داخل النفق، دخله الجنود فأصيبوا بحالات اختناق، ما أدى إلى مقتلهم.
وقال أردوغان إن اجتماعهم اليوم “أصبح علامةً فارقةً في السياسة التركية. وهو أيضاً اجتماعٌ ذو طابعٍ قيادي. ستغطي جلساتنا اليوم وغداً طيفاً واسعاً من المواضيع، من الأمن والتنمية إلى الاقتصاد والسياسة”.
“كانت هناك ممارسات خاطئة للدولة”
وحول بدء حزب العمال الكردستاني كفاحه المسلح ضد الدولة التركية، اعترف أردوغان أمام حزبه بارتكاب الدولة التركية أخطاء كبيرة، حيث قال أردوغان “قبل سبعة وأربعين عاماً، في 14 أغسطس/آب 1984، نفّذ التنظيم أول هجوم له في قضاء “إروه” بولاية سيرت، وقضاء هكاري، وقضاء شمزينان”. وتابع القول “منذ هجومه الأول عام ١٩٨٤، توالت الحكومات، وأعلنت جميعها: “سنقضي على الإرهاب”. ولعب سوء سلوك الدولة دوراً في ذلك. جرائم القتل التي لم تُحل، وجبال طوروس البيضاء، والقرى المحروقة، والعائلات التي أُجبرت على الفرار بين ليلة وضحاها، كلها ليست سوى أمثلة على هذه الجرائم. دفعنا جميعاً ثمن هذه الأخطاء. أصبحت تركيا غير مستقرة بسبب هذه الهجمات، التي ألحقت ضرراً بالغاً بسلام بلدنا ووحدته وأُخوته”. هذا الاعتراف الصريح من رئيس النظام التركي يدينه، ويجعله يتحمل عواقب عمليات القتل والمجازر التي ارتكبها جيشه في كردستان.
وفي إشارة إلى تخلي “العمال الكردستاني” عن سلاحه والكفاح المسلح، قال أردوغان: “منذ أمس، بدأت تركيا طيّ صفحة طويلة، مؤلمة، مليئة بالدموع. اليوم يوم جديد؛ اليوم فُتحت صفحة جديدة في التاريخ. اليوم، فُتحت أبواب تركيا الكبرى على مصراعيها، ولكن لن نسمح بأن تذرف دموع الأمهات من الآن فصاعداً”.
وأردف بالقول “نتابع عن كثب كل مبادرة من شأنها وقف سفك الدماء، وتخفيف دموع الأمهات، وتخفيف المعاناة، وتعزيز الأخوة”.
وتابع “لقد انتصرت تركيا، وانتصرت أمتي. انتصر الأتراك والأكراد والعرب، كل فرد من مواطنينا البالغ عددهم 86 مليوناً. تقف الجمهورية التركية شامخة، اليوم أقوى وأعظم من أمس، والأهم من ذلك، أنها أكثر تفاؤلاً بمستقبلها”.
وتطرق أردوغان إلى العلاقة بين الأتراك والأكراد والعرب، وقال إنها علاقة مرتبطة بتضامنهم ووحدتهم
مشيراً إلى أن “الجمهورية التركية بيتنا وسقفنا المشترك، نحن 86 مليوناً متحدون ومتضامنون، نحن إخوة منذ الأزل وإلى الأبد، واليوم يبزغ فجر تركيا العظيمة والقوية”، مؤكداً “كل ما نقوم به هو من أجل تركيا وشعبنا واستقلالنا ومستقبلنا”.
وكشف أردوغان في خطابه أن الإئتلاف الحكومي (حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية) وحزب دم بارتي (DEM) سيقودون مسيرة السلام إلى النهاية والنجاح، مؤكداً أنه ستتشكل لجنة ضمن البرلمان التركي لمناقشة سن قوانين خاصة بهذه المسيرة، لافتاً إلى أنه التقى أمس مع رئيس البرلمان التركي بهذا الخصوص.
دعوة أردوغان هذه تأتي في سياق المبادرة التي أطلقها القائد الكردي “عبد الله أوجلان” في 27 فبراير/ شباط الماضي تحت عنوان “مشروع السلام والمجتمع الديمقراطي”، كما دعا القائد “أوجلان” إلى حل القضية الكردية تحت قبة البرلمان التركي، ونتيجة المتغيرات الدولية والإقليمية، لم يجد أردوغان وتحالفه الحزبي المكون من حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية من بد إلا تلبية نداء القائد “أوجلان”. ورغم أن الأخير أبدى خطوات عملية جريئة، من دعوة حركته لحل نفسها، والتخلي عن الكفاح المسلح، إلا أن الشكوك ماتزال تدور نوايا الدولة التركية في المضي قدماً بعملية السلام، ولم تتخذ إلى الآن أي إجراء من شأنه أن يعزز الثقة لدى الطرف الآخر، وهي أمام امتحان جدي في التحرك، وإجراء تغييرات في الدستور التركي، والاعتراف بحقوق الشعب الكردي، وإطلاق سراح القائد “أوجلان” وجميع المعتقلين الكرد في السجون والمعتقلات التركية.
وحول مسيرة السلام قال أردوغان “أقول لشعب تركيا لا تخافوا من مسيرة السلام، وأدعوا كل المواطنين إلى حلبة الاحتفال”.
وعن تكلفة الحرب بين “الكردستاني” والدولة التركية، قال أردوغان “الحرب مع حزب العمال خسرتنا 10 آلاف جندي وتريليوني دولار”. ولكنه تغاضى عن الخسائر التي ألحقها جيشه بالشعب الكردي، حيث استشهد ما لا يقل عن خمسين ألف شهيداً، علاوة على عشرات الآلاف الجرحى والمعاقين، ومئات الآلاف من المعتقلين، وإحراق ما لا يقل عن خمسة آلاف قرية، وتهجير سكانها بالقوة، إضافة إلى عمليات التغيير الديمغرافية الواسعة التي مارستها الدولة التركية في كردستان، ودفعت إلى إفراغ آلاف القرى والمدن، وترك ملايين الكرد أماكن سكناهم والتوجه للعيش في المتروبولات التركية أو الهجرة إلى الخارج.
ودعا أردوغان العلويين والكرد للجلوس إلى طاولة الحوار والمفاوضات لتسوية كل الخلافات.
أردوغان تطرق إلى كرد سوريا، وقال “أنتم أخوتنا؛ الكرد في سوريا يجب أن تنعموا بالسلام والرخاء والديمقراطية من خلال التخلص من الإرهاب”. واعتبر أن “مسألة الأكراد في العراق وسوريا قضيتنا أيضاً، ونناقش هذه المرحلة معهم”. وغض أردوغان الطرف عن الإرهاب الذي مارسته دولته وجيشه في عفرين، سري كانيه وكري سبي، حيث هجرت مئات الآلاف من سكانها الأصليين، واستقدمت بدلاً منهم عوائل مرتزقتها، إلى جانب فرض اللغة والثقافة التركية على المناطق المحتلة، وسرقة آثارها وكنوزها الطبيعية القديمة. وبعد سقوط النظام السوري، استغل أردوغان ومرتزقته الفرصة لشن هجمات وحشية على أبناء الشعب الكردي في عدة مناطق، وأهمها على مهجري عفرين في مناطق الشهباء، وكذلك في منبج وسد تشرين وجسر قره قوزاق. إلا أن مقاومة قوات سوريا الديمقراطية كسرت الغطرسة التركية وجعلته يلعق مرارة الهزيمة على ضفاف الفرات وسد تشرين.
كما لم ينسى أردوغان أن يتوجه بالشكر لحكومة إقليم كردستان العراق لدورها ومساهمتها الفعالة في هذه المسيرة الحالية.
استعرض أردوغان خلال خطابه المطول في اجتماع دوري لحزبه، يوم/، السبت، المواقف التاريخية المشتركة بين الكرد، العرب والأتراك، وقال “عندما شكّلنا تحالفاً، لم يستطع أحدٌ منافسة حضارتنا أو معرفتنا. إذا كان الكرد، العرب والأتراك متحدين، فهنالك أيضاً أتراك وكرد وعرب غير متوحدين ومواقفهم متفرقة، هنالك هزيمة وذل وحزن”.
واستذكر أردوغان الانتصار في معركة حطين بقيادة صلاح الدين الأيوبي، قائلاً “بقيادة صلاح الدين الأيوبي، فتح الكرد، العرب والأتراك القدس وانتصرت تركيا، وانتصرت أمتي. انتصر كل فرد من مواطنينا البالغ عددهم 86 مليوناً، كرداً، عرباً وأتراكاً”. وهي قراءة تحويرية للتاريخ، حيث لم يشارك الأتراك في معركة “حطين” لتحرير القدس بصفتهم أتراكاً، بل شاركوا فيها كأفراد في إطار دولة إسلامية كانت تسيطر على الشرق الأوسط، ولم تنتصر أمته التي يدعي انتماءها لهم، أي الأتراك، النصر كان لشعوب المنطقة بكل مكوناتها.
سنحل كل مشكلة بالحوار
وعن مستقبل عملية السلام، أكد أردوغان “الآن، سنجلس ونتحاور، لا بالسلاح. سنتحاور وجهاً لوجه، قلباً لقلب، وسنحل جميع مشاكلنا بالحوار. يميناً كان أم يساراً، علوياً أم كردياً، غنياً أم فقيراً، كل مواطن هو مواطن من الدرجة الأولى. أخي الكردي، إذا كانت لديك مشكلة، فسنجلس ونتحاور. أخي العلوي، إذا كانت لديك مشكلة، فسنحلها بالحوار. صدقني، سيحل الوفرة بيننا”.
وحول حل القضة الكردية تحدث أردوغان قائلاً “قضية مواطنينا الأكراد ليست قضيتنا وحدنا، بل هي أيضاً قضية إخوتي وأخواتي الكرد في العراق وسوريا. نناقش هذه العملية معهم، وهم في غاية السعادة. ونواصل العمل مع الحكومة السورية وشركائنا الدوليين. أؤمن إيماناً راسخاً بأن ملف الإرهاب سيُطوى هناك، وستسود روح الأخوة”.
وتدور الشكوك لدى العديد من أبناء الشعب الكردي في أن يحاول أردوغان استغلال الفرصة التي منحها القائد “أوجلان” في إطلاق عملية السلام، وأن يلجأ أردوغان إلى المراوغة والمكيدة، ويحاول إحباطها على غرار سابقاتها، وخاصة الأخيرة في عام 2013.
سننشئ لجنة في البرلمان
وحول آلية الحوار وعملية السلام كشف أردوغان بالقول “أعتقد أن المساهمات الكبيرة التي ستقدمها جمعيتنا لهذه العملية ستكون حاسمة لاستمرارها. وآمل أن تدعم جمعيتنا هذه العملية المفيدة بأوسع مشاركة ممكنة”. ويقصد بالجمعية، البرلمان التركي.
وأردف “سنواصل هذه العملية مع وفد حزب العدالة والتنمية، وحزب الحركة القومية، وحزب المساواة وديمقراطية الشعوب”، ولفت إلى أنه اجتمع مع أعضاء وفد هيئة إيمرالي الراحل “سريا ثريا أوندر” وبروين بولدان” وكذلك “مدحت سنجار”، مشيراً إلى أن “الأمور ستتحسن قريباً”، حسب وصفه.
وعن قرار حزبه بشأن عملية السلام، قال “نحن، حزب العدالة والتنمية، وحزب الحركة القومية، وحزب المساواة وديمقراطية الشعوب، قررنا السير في هذا الطريق معاً”، مذكراً “لدينا مشاكل، ونعاني من متاعب. بوحدتنا، سنتجاوز هذه العقبات. لم نعد بحاجة إلى التماسك. سنهرع إلى كل من يتقدم نحونا. ولكن إذا انقلبت الأمور، فسنفعل ما يلزم”.
وعن تشكيل اللجنة البرلمانية المختصة بإجراء تعديلات دستورية، أوضح أردوغان “سنُشكّل لجنةً في الجمعية الوطنية التركية الكبرى، ونبدأ بمناقشة المتطلبات القانونية للعملية. سنُسهّل إتمامها بسرعة، مع مراعاة حساسيتها ودون الإضرار بأحد. سنُراقب بدقة تسليم الأسلحة”.