سوريا بين الجولاني والشرع

محسن عوض الله
لم تكن تصريحات وزير الخارجية الأمريكي حول انهيار محتمل للسلطة القائمة في سوريا غريبة على المتابعين للأوضاع الداخلية، فرغم ما يحققه الرئيس الانتقالي أحمد الشرع من اختراقات قوية على صعيد العلاقات الدولية، ونجاحه في رفع العقوبات الأوروبية والأمريكية، والانفتاح على العالم من جديد؛ إلا أن الوضع في الداخل السوري يبدو مختلفًا تمامًا.
فالشرع، ذو الخلفية الجهادية، الذي كان قبل أشهر قليلة على قائمة المطلوبين للولايات المتحدة، ها هو اليوم يجتمع مع دونالد ترامب، ويدخل التاريخ كأول رئيس سوري يشارك في اجتماع قمة مع نظيره الأمريكي منذ أكثر من ربع قرن.
الشرع الذي يغازل إسرائيل بوثائق الجاسوس إيلي كوهين، ويلمح لاستعداده تقديم الرفات كقربان جديد لضمان بقائه في السلطة، يعاني داخليًا بصورة عبّر عنها وزير الخارجية الأمريكي، حين أشار إلى أن “سلطة الشرع على وشك السقوط، وأن الانفجار الداخلي قريب، بل وقريب جدًا”.
الشرع الذي قدّم نفسه كرئيس توافقي قادر على مراجعة أيديولوجيته الجهادية، والتحول إلى “رجل جيد جدًا وذو ماضٍ قوي” – على حد تعبير الرئيس الأمريكي – ما يزال عاجزًا عن تقديم نفسه كرئيس لكل السوريين. بل ما زال كثيرون يرونه إرهابيًا احتل قصر الشعب هو وجماعته.
تكمن أزمة الشرع في الداخل في أزمة ثقة عميقة، وتخوفات شعبية من رئيس ذي خلفية جهادية، خاصة في ظل قراراته الانفرادية، مثل الإعلان الدستوري، وتشكيل حكومتين دون إشراك شرائح واسعة من المجتمع السوري. وهي خطوات عززت القناعة بأن “سوريا استبدلت البعث بتحرير الشام، والأسد بالجولاني”.
يدفع السوريون اليوم فواتير تحالفات قديمة تعود لما قبل صعود الشرع، حين كان الجولاني يخوض معاركه من إدلب إلى دمشق. فالولاءات والوعود التي قطعها الشرع لمقاتليه السابقين أصبحت الآن مطالب سياسية واضحة: مناصب، سلطة، وحصص في إدارة الدولة.
وقد شاهد السوريون نتائج تلك الولاءات في أحداث الساحل السوري، حين سقط الآلاف خلال ساعات بين قتيل وجريح ومشرّد.
المسلحون الذين يخشاهم الشرع، ويحسب لغضبهم ألف حساب، هم اليوم من يحددون ملامح السياسة الداخلية، ويضعون للرئيس خطوطًا حمراء لا يستطيع تجاوزها.
وما يزيد من خطورتهم هو الدعم التركي لهم، ما يجعلهم منفّذين مباشرِين لإستراتيجية أنقرة في سوريا، وهي استراتيجية تتعارض جذريًا مع مصالح السوريين، بل وتعيد إنتاج مشروع “سوريا المفيدة” ولكن بواجهة دينية هذه المرة.
هؤلاء من دفعوا الشرع لمهاجمة كونفرانس القامشلي، رغم تأكيده سابقًا على وحدة الأراضي السورية، وهُم أنفسهم من أجبروه على التراجع عن اتفاقياته مع مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية، ومع شيوخ عقل الطائفة الدرزية وقياداتها المدنية.
كل ما سبق يطرح سؤالًا كبيرًا: من هو أحمد الشرع؟ هل هو الرئيس المهذّب ذو اللحية المشذّبة والبدلة الرسمية في المؤتمرات الدولية؟ أم أنه ما يزال الجولاني، صاحب اللحية الكثيفة والجلباب القصير والفكر المتشدد في الزوايا المظلمة من الحكم؟
الواقع أنه حتى الآن، يحكم الشرع بسياستين: سياسة خارجية منفتحة تضمن له البقاء في السلطة، وسياسة داخلية خاضعة لابتزاز الإرهابيين.
وربما على الشرع أن يدرك أن ما قاله الوزير الأمريكي ليس تهديدًا، بل رسالة واضحة من البيت الأبيض”:لن نقبل أن نتعامل مع رئيس ذو وجهين”.
فإما أن يصير الشرع رئيسًا فعليًا لسوريا الجديدة، ويشارك التحالف الدولي وقسد في اجتثاث بقايا التشدد والسلاح، ونحتفل سويًا بافتتاح “برج ترامب” في قلب دمشق…
وإما أن يعود لجلباب الجولاني، ويرضخ لضغوط تركيا وميليشياتها، وساعتها سيواجه مصير البغدادي والزرقاوي.
كلمة أخيرة…
الشرع وحده القادر على تحديد مصيره ومستقبله؛ فإما أن يبقى الرئيس أحمد الشرع، أو نقرأ نحن الفاتحة على “أبو محمد الجولاني.