مقالات رأي

ما بعد سوتشي.. أردوغان في دروبه الصعبة لدمشق

خورشيد دلي/ نورث برس

حلم بوتين من علاقته الخاصة بأردوغان، هو إخراج تركيا من حلف الناتو، وضمها إلى السياسة الأوراسية لموسكو، خاصة مع دعم الناتو لكييف في الحرب الروسية – الأوكرانية، فيما حلم أردوغان، هو الفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وإقامة جمهوريته الثانية، والحلمان يتقاطعان في كثير من المناطق المتفجرة حربا، في سوريا وليبيا وبين أرمينيا وأذربيجان.

حاول السلطان في قمة طهران الثلاثية، الحصول على ضوء أخضر لشن عملية عسكرية في شمالي سوريا، لكنه فشل، كرر المحاولة في سوتشي مع القيصر، أيضا فشل، وخرج من القمتين بخلاصة أن النزول من الشجرة السورية، يتطلب منه تعبيد الطريق إلى دمشق، ومن بوابة النظام الذي طالب مراراً برحيله، وليس الصلاة في الجامع الأموي خليفة للمسلمين، رأى أردوغان أنه من دون ذلك، ليس سوى استنزاف وانتحار، وعليه بدأ يدقق حساباته، ليجد أن ما قاله وزير خارجيته، مولود تشاويش أوغلو، عن دعم دمشق للتحرك ضد “قسد”، مساراً قابلاً للسير فيه، لطالما أن هدفه هو إقصاء الإدارة الذاتية من المشهد السوري المستقبلي، وإن تطلب الأمر وقتاً وجهداً سياسياً ودبلوماسياً في ظل الجهود الاستخباراتية النشطة، خاصة أن اتفاق أضنة واحد قد يتحول إلى أضنة اثنان برعاية روسية، ولعل هذا ما يفسر تأكيد البيان الختامي لقمة سوتشي على محاربة كافة (التنظيمات الإرهابية) من دون تحديدها.

في الواقع، الخلاصة التي توصل إليها أردوغان في سوتشي، ليست بعيدة عن مسار التقارب التركي – الروسي خلال السنوات الماضية، وهو تقارب أنتج سلسلة تفاهمات بين الجانبين بشأن الأزمة السورية، إذ على وقع هذه التفاهمات، حرص كل طرف على تفهم الآخر، وهكذا انتقلت روسيا من سياسة رفض الدور التركي في سوريا قبل عام 2015 إلى تفهم هذا الدور، بل تفهم المخاوف التركية بخصوص الوضع في شمال شرقي سوريا، في المقابل تخلت تركيا بعد هذا التاريخ، عن الحديث عن روسيا بوصفها دولة معادية لسياستها في سوريا، بل باتت تتحدث عنها بوصفها شريكة في السياسة والميدان، وفي كل هذا يجد أردوغان مبررات، أهمها توتر علاقات بلاده مع الولايات المتحدة بسبب دعم الأخيرة لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والتصويب الروسي والتركي المشترك ضد الوجود الأميركي في شرقي الفرات، حيث لكل طرف أسبابه، روسيا في إطار تنافسها مع أميركا على الساحة السورية، وتركيا لمنع تحول الوجود العسكري الأميركي هناك إلى سند دائم للإدارة الذاتية، وتطلعها إلى تغيير سياسي منشود، حيث دفع هذا التوافق بروسيا إلى الاندفاع نحو تركيا، لأسباب تتعلق بصفقات السلاح، وأخرى اقتصادية تتعلق بمشاريع النفط والغاز وإقامة مفاعلات نووية في تركيا، وهو ما عرفت تركيا كيف تستغله في دفع روسيا إلى الاقتراب من الموقف التركي أكثر فأكثر، إلى درجة أن العمليات العسكرية التي أطلقتها تركيا (درع الفرات – غصن الزيتون – نبع السلام) حظيت بتفهم روسي، رغم أن ذلك يخالف شعاراتها المعلنة بخصوص سيادة ووحدة الأراضي السورية، ولعل هذا يعود إلى نظرة موسكو للعلاقة مع تركيا، وهي نظرة تتجاوز الأزمة السورية إلى أهمية موقع تركيا في الصراع مع الغرب، حيث حلم بوتين بإخراج تركيا من حلف الناتو والمنظومة الغربية عموماً، وهو ما سيشكل ضربة كبيرة للحلف بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص.

على وقع هذه التفاهمات، انتقل الروسي والتركي إلى مرحلة جديدة من رسم خرائط النفوذ والتحالفات في شمال شرقي سوريا، فأنقرة ترحب بصمت بالضغط الذي تمارسه روسيا على الإدارة الذاتية للقبول بإعادة سيطرة دمشق على مناطق شمال شرقي سوريا، في المقابل تبدي موسكو تفهمها للنفوذ التركي في هذه المناطق، حيث يجد كل طرف في الآخر، مصدراً لتحقيق تطلعات متبادلة في ظل امتلاك كل أوراق مهمة، وعليه ترفض أنقرة المطالب الغربية منها بخصوص روسيا في الحرب الأوكرانية، لاسيما فرض عقوبات على موسكو، فيما الأخيرة تجد في الدور التركي مساحة دبلوماسية يمكن التحرك من خلاله لتصدير النفط والحبوب والحد من تأثير العقوبات الغربية عليها.

لكن رغم كل هذا التلاقي والتفاهمات، ثمة أسئلة كثيرة تطرح نفسها هنا، منها، هل هذه التفاهمات نهائية أم أنها مرحلية؟ وكيف لموسكو أن توازن بين تفاهماتها مع أنقرة واستراتيجيتها حيال دمشق؟ وهل يمكن لتركيا أن تذهب إلى أقصى التفاهم مع روسيا على حساب علاقاتها مع الولايات المتحدة؟ أسئلة ربما تشير لخلافات كامنة تتعلق بالمدد الزمنية والسقوف والتحالفات، فالتفهم الروسي للوجود العسكري التركي على الأراضي السورية، يبدو أقرب إلى تكتيك مرحلي لقلب الموازين إلى حين تتغير لصالح المطالبة بإخراج القوات التركية منها، فيما تربط تركيا ذلك بحل سياسي للأزمة السورية يحفظ دورها المستقبلي في مستقبل سوريا، وهو أمر قد لا يتوافق مع الهندسة التي رسمها بوتين، ومع رفض من دمشق التي تقول إنها لا تقبل بأي دور تركي في رسم مستقبل سوريا.

تصريحات تشاويش أوغلو، ومن بعده أردوغان، تقابل بصمت من دمشق، وعادة يخفي الصمت خلفه أسرار الدول وخبايا الغرف السرية، إذ لا إشارات من دمشق إزاء تصريحات تشاويش أوغلو وأردوغان حتى الآن، وربما ترى من الأفضل التريث إلى موعد الانتخابات الرئاسية التركية المقبلة، فمن يدري قد تكون هزيمة أردوغان في هذه الانتخابات بداية سهلة لتدفق جريان مياه نهر الفرات بين الجانبين بعد كل ما جرى، خاصة أن ثمة قناعة عامة بأن ذهاب أردوغان في علاقته مع موسكو بعيداً في هذا التوقيت، لن يقابل بصمت أميركي – غربي إلى ما لا نهاية، وأن الرد عليه سيكون في صناديق الانتخاب.
ADARPRESS#

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى