مانشيتمقالات رأي

مقدمات الحوار العربي الكردي في شمال وشرق سوريا

رياض درار

في نهاية شهر تشرين ثاني من سنة 2018 التقى مجموعة من السياسيين، وبينهم أفراد من منظمات مجتمع مدني، بغاية افساح المجال لمنظمات المجتمع المدني والأحزاب والحركات السياسية للعمل بحرية وكفاءة دون خشية تعرضهم للاعتقال أو الانتقام، وتم الاتفاق على معايير بشأن أفضل الممارسات تعتمد على صياغة تشريعات واضحة وشفافة لتنظيم ذلك تأسيسا ونشاطا .
شارك ذلك اللقاء أعضاء من المجلس الوطني الكردي وأخرين من الكرد الممثلين في الادارة الذاتية ومسد، وبسبب صورة مشتركة للطرفين ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بهستريا ولعنات وشتائم من كلا الطرفين لاتفهم إلا في سياق غياب الوعي العملي للأهداف السياسية والعقلية الثأرية التي تسود المجتمعات العشائرية والصراعات القبلية .
ورغم ذلك استمر الحوار وكان هذه المرة مقتصرا على مناطق الادارة الئاتية في شمال وشرق سوريا، وكان لقاء زيوريخ في شباط 2019، وقد أقر مشاركون في مسد بأن مشروع حوكمة المجلس “مستمر في التشاور مع المجتمعات المحلية لإيجاد سبل لتحسين الحوكمة المحلية”،. ودعا ممثلو “مسد” إلى تبني رؤيتهم بشأن “اللامركزية الديموقراطية” مستقبلا – بناء على التوزيع الجغرافي للمناطق، وليس على أي تكتلات عرقية أو طائفية – كنموذج لضمان تمكين الفاعلين المحليين من إدارة مناطقهم حقا، وأن يكونوا أكثر مساءلة، وبفعالية أكبر، أمام المواطنين. وقد أقروا بوجود “قصور من حيث التمثيل والمساواة في التوزيع في إداراتهم حتى الآن، ودعوا إلى تعزيز الحوار لمعالجة هذه الجوانب”.
وطالبوا بزيادة التواصل وتبادل الأفكار ما بين ممثلي مؤسسات الحوكمة في شمال سورية شرقا وغربا، وربط المجالس التي تديرها المعارضة تحت مظلة الحكومة السورية المؤقتة في الشمال الغربي مع المجالس التي يديرها “مسد”. ودعوا إلى المصالحة مع المعارضة التي تدعمها تركيا كخطوة تجاه تقوية الجهود المشتركة لإحراز تقدم في المشروع السياسي الديموقراطي وزيادة الضغوط على النظام، كما دعوا إلى تشكيل وفد مشترك للتواصل مع أنقرة بشأن مخاوفها حيال هذا التقارب. واقترحوا خارطة طريق لتوجيه المحادثات مع تركيا تشمل: أــ زيادة الشفافية وتوسيع تمثيل أبناء المنطقة في المجالس المحلية. ب ــ توزيع الصلاحيات بحيث تشمل أصغر الوحدات الإدارية لتشجيع السياسات التشاركية. ج ــ تطوير مساحة سياسية مفتوحة للمنظمات السياسية لتنظيم حملاتها بكل حرية.
من شأن المصالحة ما بين منطقتي الشمال الغربي والشمال الشرقي أن تساعد في التمهيد لجهود بناء الثقة اللازمة لتحقيق الاستقرار في سورية على المدى الطويل. كما يمكن أن تؤدي إلى تعزيز ممارسات الحوكمة الديموقراطية الشفافة وتضفي الشرعية على الإدارات المحلية القائمة، وتحفز أهالي المنطقة على المشاركة في برامج في المستقبل لتحقيق الاستقرار.
كانت هذه مقدمات الحوار الكردي الكردي بغاية أنه إذا تم سيكون مشجعا لوحدة قوى المعارضة وتقريب جهودها المشتركة في الحل السياسي.
وفي باريس في شهر أذار 2019 جرت حوارات أخرى لتمكين الوصول إلى تفاهمات بأمل أن تكون بداية لبناء الثقة وتوجيد الجهود لأن يتطور الحوار إلى خطة يلتف حولها المعنيون السوريون، ومن بين المقترحات الواعدة طرح مقترح بشأن تشكيل مكتب مشترك للتنسيق بين مسد والمجلس الوطني الكردي تكون مهمته متابعة التواصل مابين المجموعات المختلفة حول مسائل كالحوكمة والهياكل الأمنية، وقد دعا “مسد” إلى عقد اجتماع منفصل مع المجلس الوطني الكردي، لبحث مسائل لها صلة بالعلاقات ما بين الأكراد. وإمكانية العمل لأجل الوصول إلى “اتفاق سياسي” يشمل الحقوق والحريات، ومبادئ الحوكمة الديموقراطية، والعلاقة بالعملية السياسية عموما.
فالحوار الكردي الكردي كان مشروعا من مسد للغايات التي ذكرت ولكن الاستجابة كانت بطيئة وفي كل لقاء جديد كانت عودة للبدايات بسبب أن ممثلي المجلس الوطني المبعوثين للحوار كانوا من الصف الثاني الئين لايملكون قرارا وإنما تكرار مطالب بلا مقابل يسمح بتطوير المشاركة، وكان من بين المقترحات الواعدة مقترح بشأن تشكيل مكتب مشترك للتنسيق بين مجلس سورية الديموقراطية ( مسد ) والمجلس الوطني الكردي وجماعات أخرى، وتكون مهمته هي متابعة التواصل حول مسائل كالحوكمة والهياكل الأمنية. وقد دعا “مسد” إلى عقد اجتماع منفصل مع المجلس الوطني الكردي لبحث مسائل لها صلة بالعلاقات ما بين الأكراد. وبحث المشاركون أيضا إمكانية العمل لأجل الوصول إلى “اتفاق سياسي” يشمل الحقوق والحريات، ومبادئ الحوكمة الديموقراطية، ورؤية للحوكمة في المنطقة الشمالية الشرقية، والعلاقة بالعملية السياسية عموما.
ومع إدراك التحديات العديدة الماثلة أمام هئا التحرك كان لابد من التحذير من أن إحراز مزيدا من التقدم يتطلب التأكيد بوضوح على رغبة جميع الأطراف بإطلاق تدابير لبناء الثقة تكون ملموسة ويمكن قياسها لتحفيزهم للدخول في مفاوضات حول شراكات سياسية حقيقية في هياكل الحوكمة القائمة حاليا. كما ستكون هناك حاجة لدعم المتنفذين الآخرين المعنيين من المنطقة – ومن بينهم العرب والأكراد والسريان – في تنسيق مواقفهم بشأن الشراكات السياسية مع “مسد”. وأن أي مقترحات تتبلور نتيجة مجموعة الحوارات سوف تتطلب الحصول على تأييد وضمانات من فاعلين أساسيين دوليين ومن المنطقة لضمان تبنيها.حيث التحديات السياسية والأمنية في الشمال الشرقي، إلى جانب التحول في مواقف فاعلين دوليين ومن المنطقة تزيد الضغوط بشأن شكل واستمرارية هياكل “مسد” الأمنية والسياسية. ومازال هناك احتمال كبير لإمكانية حدوث مواجهة بسبب التهديدات التركية على الحدود، وقد كان القلق من عدم اتساق موقف واشنطن تجاه الشمال الشرقي خاصة وتجاه الصراع السوري عموما، وضرورة استمرار الانتشار الأمريكي في المنطقة بغاية منع عودة ظهور داعش، والتحذير من الخلايا النائمة والفكر المسموم الذي تبثه، والذي تشجع عودته التحركات التركية على الحدود، كما أن هناك غايات صعبة لفاعلين أساسيين في المنطقة (تركيا وروسيا وإيران وحكومة الأسد) إن لم تتم معالجتها فقد تؤدي إلى مزيد من الصراع في المنطقة.
وكان التشديد على أهمية انتهاز الفرصة التي يتيحها القرار الأمريكي بالإبقاء على قوات له على الأرض. وضرورة أن تعمل الأطراف السورية المهتمة بإحلال الاستقرار في الشمال الشرقي في أعقاب هزيمة داعش مع بعضها للوصول إلى تفاهمات بشأن “مشروع شمولي مشترك” للمنطقة. وعلى أهمية بناء الثقة ما بين الأطراف الأساسية لأجل الاتفاق على أرضية مشتركة.
وقد نوقشت لأجل ذلك مبادرة لحماية الحدود بقوات مشتركة ولمعالجة الهواجس الأمنية في المنطقة ومنع أي تدخل عسكري تركي محتمل، والتأكيد على قيادة قسد أن تكون الأطراف الدولية بمثابة ضامن وتشرف على نقاط المراقبة على امتداد الحدود، وشدد “مسد” على ضرورة أن يكون لقوات سورية الديموقراطية دورا أساسيا في قوة الحدود – ذلك باعتبارها القوات الأمنية الأساسية في المنطقة حاليا والأكثر فاعلية في التصدي لداعش. لكن المشاركين الآخرين من المنطقة عارضوا هذه الفكرة بشدة، قائلين بأن من شأن وجود عناصر وحدات حماية الشعب ضمن “قسد” أن يجعل قوة الحدود هذه غير مقبولة نهائيا لدى تركيا. حيث إن “الغرض من هذه القوة المحلية هو إبطال حجة تركيا لاجتياح الشمال الشرقي”. فكان أن اتفق المشاركون على أن تتألف قوة الحدود هذه من مقاتلين متدربين من أبناء المنطقة تربطهم روابط مباشرة بالمناطق التي سوف يتمركزون فيها، على أن تتقرر معايير وطرق اختيارهؤلاء المقاتلين خلال نقاش من قبل متخصصين يُعقد مستقبلا. كما تتناول المناقشات مستقبلا مسائل تتعلق بعتاد وتشكيل ومهام هذه القوة. وأن تكون جميع الأطراف ممثلة بالتساوي في رئاسة الأركان، بغض النظر عن عدد الأفراد التي تساهم بها هذه الأطراف في قوة الحدود المشتركة.
ومن أجل خلق بيئة لبناء الثقة المستدامة توقف المشاركون عند ضرورات لإنجاح العملية منها وقف التحريض الإعلامي من جانب جميع الأطراف وفسح المجال للعمل السياسي والمدني والإفراج عن المعتقلين السياسيين وعقد اجتماعات منتظمة للتشاور بين الأطراف الفاعلة لتسوية جميع المسائل العالقة. وتمت الاشارة إلى أن مسؤولية خفض التوترات والمبادرة في تدابير بناء الثقة تقع على عاتق جميع الأطراف، وليس فقط “مسد”. وأن إحراز تقدم في المفاوضات بشأن الشراكات السياسية، لا بد من أن تسمو السياسات ما بين الأكراد فوق الحالة الراهنة من المرارة والإلقاء باللائمة بشكل متبادل.
استمر اللقاء في مراحل أخرى وكان هناك اهتمام كبير بأهمية التفاوض على اتفاق سياسيللمنطقة في شمال وشرق سوريا لدى العرب والكرد كخطوة أولى لتأسيس هياكل حكم محلي أكثر تمثيلا وشمولية ومساءلة ولذلك تمت مناقشة خطة من أربع مراحل يمكن أن تكون أساسا للنقاش لاحقا تقوم المرحلة الأولى على بناء الثقة وتكون متزامنة مع المرحلة الثانية التي تتعلق بمفاوضات للوصول إلى اتفاق سياسي . وفي كلا المرحلتين يتم التركيز على تحسين الثقة مابين الأطراف من خلال رعاية مساحة مفتوحة وديمقراطية تتيح لجماعات المجتمع المدني والأحزاب السياسية ممارسة عملها بحرية وفعالية، والمساعدة في عودة الفاعلين السياسيين واللاجئين، والتفاوض على ترتيبات إدارية انتقالية تستند إلى الهياكل الادارية الموجودة في الادارة الذاتية، وأن يشمل الاتفاق السياسي التزامات لحماية الحقوق والحريات ومبادئ الحوكمة الديمقراطية، ومايتعلق بمستقبل الدولة السورية، والمشاركة في العملية السياسيةلسوريا بقيادة الأمم المتحدة وتقوم المرحلة الثالثة على تطبيق ألية لتحقيق تمثيل أوسع نطاقا بما في ذلك إمكانية اجراء انتخابات لتحقيق حوكمة أكثر تمثيلا وشمولية والاتفاق على ترتيبات إدارية انتقالية خلال هذه المرحلة. وفي المرحلة الرابعة يتم الاعتراف بنتائج الآليات المتفق عليها، وتطبيقها لإحلال الأمن، وتحقيق حوكمة شمولية وممثلة للجميع، وتخضع للمساءلة في الشمال الشرقي. والغاية من كل هئا تأسيس الثقة وحشد الإجماع ما بين ممثلي مُختَلَف المكونات من العرب والكرد والسريان آشوريين وجميع أهالي المنطقة والشخصيات الاجتماعية والسياسية.

ADARPRESS #

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى