أمريكا تجبر الشرع لاستقبال عبدي في دمشق وتقوي موقفه التفاوضي

كاردوخ بيكس
قبل أيام تناولت بعض ما تمسى بالمؤسسات الإعلامية الفاقدة للمبادئ والأسس الأخلاقية والمهنية التي توجه عمل الصحفي لضمان جودة ومصداقية المحتوى الإعلامي، وفئة من الانتلجنسيا المصفقين للحكومة الانتقالية في دمشق موضوعاً قالوا فيه وكتبوا عنه بأن السيدة إلهام أحمد الرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا؛ قد عادت من دمشق دون أن يستقبلها أحد من المسؤولين في دمشق، كذبة من ممتهن للكذب ثبت عكسها بعد يومين وبالدليل القاطع.
وللتأكيد على هذه الكذبة، ودفعها للتصديق من قبل القطيع؛ بدأت جحافل الفصائل المرتزقة الموالية لتركيا، والمنضوية تحت سقف ما تسمى وزارة الدفاع السورية، بعد حصار حيي الشيخ مقصود والأشرفية بقصف تلك المنطقة بشكل عشوائي، آملين دخولها، كما قامت بإغلاق المعابر البرية بين مناطق السلطة الانتقالية ومناطق الإدارة الذاتية بسواتر ترابية. ما يوحي بقطع العلاقات وتوقف العمل على تطبيق اتفاق العاشر من آذار.
إلا أن الصفعة جاءت بمجيء وزيارة المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توم باراك وقائد القيادة المركزية الأمريكية (سانتكوم) الأدميرال براد كوبر لقائد قوات سوريا الديمقراطية الجنرال مظلوم عبدي في مدينة الحسكة، حيث جرى نقاش الوضع السياسي والعسكري، إلى جانب الحديث عن ضرورة تقبل دمشق للأقليات وتمثيلهم في الدستور وفي السلطة التي أسسها الشرع بلون وإيديولوجية واحدة.
في اليوم الثاني من اللقاء ذهب الجنرال مظلوم عبدي والسيدة إلهام أحمد مع وفد رفيع المستوى إلى دمشق ليستقبلهم الشرع ويعقد معهم اجتماعاً برعاية أمريكية تمثلت بـ توم باراك والأدميرال براد كوبر.
جاء هذا اللقاء مفنداً كل مزاعم سلطة دمشق، ضاربة عرض الحائط كل ما قيل على منابرهم بأن السلطة في دمشق لن تلتقي بالسيدة إلهام أحمد، وما قيل بعدها بأن وفد الإدارة قد خفض من سقف مطالبه بعد هجمات حيي الشيخ مقصود وتهديدات دولة الاحتلال التركي المستمرة، إلا أن ما يثبت عكس ذلك كان واضحاً وجلياً في عدة نقاط سنتوقف عندها:
أولاً: لو كان بالفعل ما رددته منابر السلطة الانتقالية وبعض المؤسسات الإعلامية العربية والإقليمية الدعمة لها صحيحاً؛ لكانوا قد نشروا فيديوهات وصور لذلك اللقاء، وحتى كانوا قد نشروا مضمون وبنود (التنازلات) التي قدمها الوفد، إلا أن الوفد أصر على مطالبه في تعديل الدستور بما يضمن حقوق الأقليات العلوية الدرزية الكردية المسيحية، وكذلك التأكيد على اللامركزية السياسية (الفيدرالية) والاعتراف بالإدارة الذاتية وخصوصية قسد مستقبلاً في الجيش السوري.
ثانياً: فيما يتعلق بما نشره مرهف أبو قصرة في تغريدته على حسابه بمنصة إكس، حين قال بأننا اتفقنا على فتح المعابر وإيقاف الاشتباكات؛ نقول بأن الهجمات قامت بها فصائل موالية لتركيا، وتابعة لما تسمى وزارة الدفاع في السلطة الانتقالية، ولم تكن وحدات حماية حيي الشيخ مقصود وقوى الأمن الداخلي في الحيين، إذا هم من بدأوها وأجبروا على إيقافها، كما أن المعابر بين سلطة دمشق ومناطق إقليم شمال وشرق سوريا هم (سلطة دمشق) من قامت برفع السواتر الترابية، وإغلاق تلك المعابر وليست الإدارة الذاتية؛ إذا هم من أغلقوها وهم من أجبروا على فتحها، وليست الإدارة.
ثالثاً: المبعوث الأمريكي الخاص توم باراك وقائد القيادة المركزية الأمريكية براد كوبر هم من كانوا في الحسكة قبل اللقاء بيوم، وهم من رافقوا الوفد وأمنو الحماية له لحين وصوله مبنى اللقاء في اليوم التالي، وهنا لا ولن يستطيع سلطة الشرع على إجبار الأمريكيين لزيارة مناطق الإدارة الذاتية، كما لا يستطيع منعهم من الزيارة، لذا فإن اللقاء جرى حتى دون إخطار أو أخذ إذن الشرع مسبقاً، وإن اللقاء جرى بطلب أمريكي بحت، أجبروا فيه الشرع على استقبالهم والجلوس معهم والتفاوض، ولم تكن بطلب أو رجاء من وفد الإدارة الذاتية.
كما أن اللافت في الأمر هو الطلب التركي لزيارة الشيباني على وجه السرعة لتركيا فور انتهاء اللقاء، ما يدل ويثبت بأن اللقاء جرى بترتيب وإجبار أمريكي، ودون علم تركيا ورضى الشرع، ما أجبرها على دعوة الشيباني إلى تركيا واللقاء مع هاكان فيدان اليوم الأربعاء، ليطلعه على ما جرى بينهم وبين وفد الإدارة الذاتية، وتوبيخه لعدم إخطاره باللقاء، ما يدل على أن اللقاء جاء دون علم السلطة الانتقالية، ولم تكن تعلم بهذا اللقاء لتخبر الاستخبارات التركية بتفاصيلها. كون تركيا هي من تتحكم بالسلطة في دمشق، وخاصة فيما يتعلق باللقاءات مع وفد الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية.
هذا اللقاء جرى بتنسيق وضغط أمريكي، لم يتنازل فيه الجنرال مظلوم عبدي عن شيء، ولم يخفض سقف مطالبه، بل على العكس تماماً باتت قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية رقماً صعباً في المعادلة السورية، وباتت مطالب مكونات الإدارة وشعوب المنطقة قاب قوسين أو أدنى من التحقيق، وأدركت سلطة دمشق الانتقالية، العسكرية والسياسية بشكل جيد بأن قسد قوة عسكرية مدربة ومنظمة ومنضبطة ومدعومة أمريكياً، وبأنها قوة لا يستهان بها، وقد تطورت قدراتها العسكرية بما يتناسب مع متطلبات المرحلة، والأهم من ذلك الدعم والتأييد الشعبي والكردي والإقليمي لها، وقد اتضح ذلك في هجمات فصائل سلطة دمشق، التي دفعت ثمنها في حيي الشيخ مقصود والأشرفية، ولقنهم الحيين درساً سيفكرون ألف مرة قبل تكراره مجدداً، هذا إن كان لديهم الجرأة والقوة والقدرة الكافية على القيام بهكذا خطوة.
 
				



