مقالات رأي

النظام يفوز على المعارضة في نيويورك بالنقاط

وائل سواح

توجّه إلى نيويورك وواشنطن خلال شهر سبتمبر/أيلول ثلاثة وفود سورية. مثّل الوفد الأول نظام بشار الأسد الذي مدّد قبل أشهر لنفسه في خرق واضح للإجماع الدولي في القرار 2254، ومدّ لسانه للعالم، فكافأه العالم بإعادة تأهيله.

الوفد الثاني هو وفد المعارضة وهو وفد برأسين، رئيس الائتلاف الوطني الشيخ سالم المسلط ورئيس هيئة التفاوض أنس العبدة. ومع أن وفد النظام تألف من الوزير ونائبه ومساعدين، تألف وفد المعارضة من تسعة أعضاء، بينهم الرئيسان وثلاثة نواب وأربعة مساعدين، في مخالفة لتوصيات الأمم المتحدة في تقليص عدد الوفود بسبب جائحة كوفيد-19.

وبينما بدأ الوفد السوري بدايات متواضعة، فكان لا بدّ أن يلتقي بوزيري خارجية الراعيين الكبيرين له روسيا وإيران، ومن ثم التقى بممثلين من أنظمة يشبهونه، بينهم بيلاروسيا وأرمينيا وفنزويلا وكوبا، إلا أن دفة الريح تغيرت عندما التقى المقداد نظراءه وزراء خارجية تونس والجزائر والعراق وعمان. وكان ذروة هذه اللقاءات لقاءات جمع المقداد بنظيره المصري سامح شكري والأردني أيمن الصفدي.

بدا المقداد في الصور التي نشرتها الصحافة السورية مبتهجاً ومرتاحاً، على عكس طلعته المتجهّمة على وجه العموم. ويبدو من الصور أنه سعيد لأنه سيعود إلى دمشق لتلقي تهنئة معلمه على الإنجازات المهمة التي حققها.

تكمن أهمية هذين اللقاءين في أن مصر هي أكبر دولة عربية وأكثرها تأثيرا في المنطقة، ولها علاقات مميزة مع الإدارة الأمريكية والحكومة الروسية وإسرائيل، وقد بدأت بعد ذلك تحسّن علاقاتها مع تركيا. ومصر إلى ذلك هي الدولة المضيفة لجامعة الدول العربية، ما يجعلها مؤهّلة لقيادة مسيرة التطبيع العربي مع الأسد، وهي أقدر دولة يمكنها أن تمهّد لعودة الأسد لاحتلال كرسي سوريا في الجامعة.

لقاء المقداد مع الصفدي مهمّ أيضاً لأن الأردن هي الدولة التي تقود الآن الانفتاح الاقتصادي على سوريا، فالملك عبد الله هو الذي طرح على الرئيس بايدن قضية التخفيف من قيود قانون قيصر على سوريا، وهو الذي يقود الآن مشروع جرّ الغاز المصري إلى لبنان عبر الأردن وسوريا. وقبل أيام التقى وزير الدفاع السوري رئيس هيئة الأركان العامة الأردني في عمّان، وأعيد فتح معبر نصيب – جابر، وصرّح محمد المومني، عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الأعيان الأردني (الغرفة الثانية للبرلمان)، لوكالة الأناضول التركية إن “حفظ أمن الحدود بين الأردن وسوريا لا يمكن أن يتحقق دون التنسيق بين جيشي البلدين، ولذلك شهدنا لقاءً عسكرياً هاماً جمع قائد الجيش بوزير الدفاع السوري”، متابعاً “الأردن صاحب مصلحة في استقرار سوريا، وأي حديث بخلاف ذلك لا يمت للحقيقة بصلة، دمشق عمقنا الجغرافي كما هو حالنا بالنسبة لهم”. وأضاف: “لم نغير موقفنا تجاه ما تشهده جارتنا العزيزة، ولطالما تحدثنا عن أهمية حل سياسي يحفظ أمنها واستقرارها، وحان الوقت لأن تعود سوريا إلى الحضن العربي”.

لقاءات المعارضة، رغم ضخامة وفدها، جاءت متواضعة، فباستثناء لقاء مع أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط ووزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، اقتصرت اللقاءات التي أجراها الوفد على ممثلين متوسطين أو دبلوماسيين عاملين في الخارجيات الأوروبية، فالتقى الوفد مع المدير العام لإفريقيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأدنى والشرق الأوسط في البعثة الألمانية فیلیب أكرمان، والسفير الكندي لدى الأمم المتحدة بوب راي والوفد المرافق له، ونائبة الأمين العام للشؤون الخارجية في البعثة الدنماركية كريستينا ماركوس لاسين، ونائب الأمين العام للشؤون السياسية في الاتحاد الأوروبي إنريكي مورا، والقائم بأعمال مدير قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية إيسلين هاكاس والسكرتير الأول في البعثة النرويجية بالأمم المتحدة نيلي فارو هالي.

لا يحتاج المرء إلى كبير تدقيق ليجد أن كفة النظام هي التي ترجح في لعبة الميزان التي يلعبها النظام والمعارضة، بينما تحلّق كفة المعارضة في الهواء. ولذلك عدة أسباب، فالنظام الذي خسر معرته السياسية والاقتصادية والشعبية، ربح معركته العسكرية وهو يبدو الآن كفائز بحكم الأمر الواقع. لا يقلل من هذا الفوز أن النظام بات على حافة الهاوية اقتصاديا، وأن ثلث المساحة السورية تقع خارج قبضته وأن نصف شعبه مهجّر أم شرّد. كلّ ذلك لا يلاقي أي صدى في قاموس النظام ومن ورائه الروس والإيرانيون.

وبينما يثبت حلفاء النظام على مواقفهم الداعمة للأسد، يتراجع أصدقاء الشعب السوري شيئاً فشيئاً عن دعمهم لهذا الشعب. وقد تقلّصت مساحة الدعم من الساحة السياسية والعسكرية إلى الساحة الإنسانية. وترادف على حكم البيت البيض ثلاثة رؤساء كانت سوريا آخر همهم، ولكن الأخير بينهم، الرئيس جو بايدن، بات لا يخفي هذا الموضوع صراحة. وهذا يفسّر لماذا لم يلتق أي مسؤول أمريكي حتى الآن وفد المعارضة في نيويورك.

يُروى في الموروث الشعبي أن عنترة بن شداد الذي يعد في الوجدان الشعبي نموذجاً للقوة والفروسية والقدرة على التحمل، سُئِل مرّة عن جَلَده فقال: “كان الرجل يعض على أصبعي، وأعض على أصبعه إلى أن يصيح من الألم. فوالله لو انتظر لحظة لصرخت أنا”. هذا الدرس هو الذي مارسه نظام الأسد الذي يبدو أنه كان يعرف أن المجتمع الدولي لن يصبر كثيرا على لعبة عضّ الأصابع، وأنه إن صبر وجالد فسيفوز في النهاية.

وما جرى في نيويورك كان النتيجة التي حصدها الأسد، ففاز بالنقاط على منافسيه المعارضين. بقي أن نعرف إن كان النظام الدولي سيسمح له قريبا بالفوز بالضربة القاضية.

عل هامش هذا وذاك، ثمّة لاعب يعرف قواعد اللعبة السياسية أكثر من غيره، فلم يغرّه الذهاب إلى الجمعية العامة في نيويورك لتقديم استعراضات دبلوماسية لا تسمن ولا تغني من جوع، بل انتقل من موسكو مباشرة إلى واشنطن، ليرى كيف تسير الأمور على الأرض. إنه وفد مسد برئاسة إلهام أحمد.

ففي موسكو بحثت أحمد تطورات الملف السوري ومخاطر إطلاق عملية عسكرية تركية جديدة في الشمال والشرق السوريين. وفي واشنطن، أجرت سلسلة لقاءات مع مسؤولين في الإدارة الأمريكية وأعضاء وجمهوريين وديمقراطيين في الكونغرس الأميركي.

ثم ختمت بندوة عقدتها في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى في العاصمة الأميركية، حيث كشفت العناوين السياسية التي تريد أن تتبعها “مسد” في المرحلة القادمة، وأبرزها الانفتاح على الحوار وإجراء انتخابات عامة في مناطق الإدارة الذاتية.

وعبرت أحمد عن استعداد قوات سوريا الديمقراطية للحوار مع تركيا وحل كافة الخلافات معها بالطرق السلمية والحوار. وحثّت المجتمع الدولي على ضمان حوار منفتح وشامل بين الكرد في تركيا والحكومة التركية، لافتة إلى قدرة مثل هذا التفاهم على إرساء استقرار وأمان بعيدي المدى في المنطقة. كما أكدت أن مسؤولي الإدارة الذاتية لا يعارضون أي حوار من شأنه أن يصب في مصلحة الحل السياسي في سوريا، ولكنهم يشاركون الإدارة الأميركية مخاوفهم من “تزمّت مواقف النظام السوري وتمسّكه بمركزية سوريا”.

بين الأطراف السورية كافّة، يبدو أن مسد هي الطرف الذي تعلّم أكثر من غيره، وأنه تحول لرقم سيغدو تجاوزه أصعب فأصعب.


اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى