الاجتماع الاستخباراتي السعودي–التركي–البريطاني في دمشق: دلالاته وانعكاساته على المشهد السوري

قاسم عمر
يمثل الاجتماع الاستخباراتي الثلاثي الذي جمع ممثلين عن السعودية وتركيا وبريطانيا في دمشق تطوراً لافتاً في مقاربة الأطراف الإقليمية والدولية للملف السوري، في ظل اشتداد التوترات السياسية والعسكرية داخلياً وإقليمياً. هذا اللقاء لا يمكن النظر إليه باعتباره اجتماعاً أمنياً تقنياً فحسب، بل كخطوة تعكس اتجاهات متباينة حول طبيعة النظام السياسي المنشود في سوريا ومستقبل مناطق شمال وشرق سوريا.
من منظور سعودي، يتضح أن الرياض تسعى إلى الدفع بالحل السياسي الشامل بوصفه المدخل الأنجع لمعالجة الأزمة السورية، مؤكدةً ضرورة تعزيز المفاوضات بين دمشق والإدارة الذاتية، ومعتبرة أن اللامركزية تمثل صيغة مناسبة لضمان مشاركة المكونات السورية كافة، وبخاصة الكرد، في إدارة شؤونهم المحلية. هذا الموقف يعكس إدراكاً سعودياً لأهمية بناء نموذج يضمن الاستقرار الداخلي من خلال تقليل عوامل الاحتقان السياسي والإثني، في مواجهة منطق القوة العسكرية الذي أثبت محدوديته خلال العقد الماضي.
في المقابل، تبرز المقاربة التركية التي تقوم على الإبقاء على الحكم المركزي في دمشق، انطلاقاً من حسابات جيوسياسية ترى في سوريا مجالاً حيوياً لأمنها القومي. فأنقرة تسعى إلى إعادة صياغة العلاقة مع دمشق بما يضمن تبعيتها، وإلى تحويل الأراضي السورية إلى ساحة لتصفية التوازنات الإقليمية بعيداً عن الداخل التركي. هذه الرؤية لا تكتفي برفض اللامركزية، بل تميل إلى توظيف النفوذ الروسي والإيراني لعرقلة أي مسار سياسي يتجاوز منطق المركزية.
أما الموقف الغربي، وتحديداً البريطاني، فيتسم بالحذر، إذ يركز على تطبيق القرار الأممي 2254 كإطار مرجعي، ويدعو إلى تجنب عسكرة الصراع، وإشراك مختلف المكونات السورية في العملية السياسية. إلا أن هذا الحذر يقترن بعجز واضح عن تقديم خطوات عملية نحو إعادة الإعمار أو الانخراط المباشر في بناء مؤسسات الحكم، ما يترك الساحة لتجاذبات إقليمية أكثر حدة.
انعكاسات هذا الاجتماع تبدو أكثر وضوحاً في شمال وشرق سوريا، حيث يشكل الجدل حول مستقبل الإدارة الذاتية مؤشراً على تباين الرؤى بين الأطراف المختلفة. فبينما ترى السعودية والدول الغربية أن نموذج اللامركزية يعزز الاستقرار ويضمن مشاركة المكونات، تصر تركيا على نقيض ذلك، مدفوعة بهاجس منع أي كيان كردي مستقل أو شبه مستقل قرب حدودها. وهنا تتعمق معضلة الصراع بين منطق التشاركية في الحكم ومنطق المركزية المطلقة.
في المحصلة، يكشف الاجتماع الاستخباراتي في دمشق عن توازنات إقليمية ودولية شديدة التعقيد، حيث تتداخل اعتبارات الأمن القومي مع الحسابات السياسية والاقتصادية. ومن المرجح أن يبقى الملف السوري، وخاصة في شمال وشرق البلاد، ساحة مفتوحة للتنافس بين نماذج الحكم المختلفة، وسط استمرار غياب توافق دولي فعلي حول مستقبل الدولة السورية.