مانشيتمقالات رأي

هل نجحت تركيا في إشعال حرب طائفية في سوريا وقودها أبناء عشائر عربية؟

كمال حسين

ثمّة انطباع خاطئ دأبت وسائل إعلام قوى الإسلام السياسي والدوائر المرتبطة بالأجندات التركية على الترويج له، مفاده أن العشائر العربية في حالة صِدامٍ تناحري مع مشروع مجلس سوريا الديمقراطية، ومن خلال هذا التخندق يتطور الافتراء إلى حدٍ دفع العشائر إلى خانة الصِدام مع المكونات السورية غير المنضوية تحت سقف مشروع الإخوان المسلمين، ومن ثم مواجهة قوى الحداثة والديمقراطية والعلمانية. وأن الزج بالعشائر العربية إلى معارك ليست معاركهم، ولا ناقة لهم بها ولا جمل؛ انطباع ليس في مكانه. من الحريِّ الانتباه إلى حقيقة تدور حوله، تؤكد أنه مسار قديم ومتعوب عليه منذ زمن البعث، وحكم الأسد الأب، وقد جرت تغذيته من قبل التيارات القومية الشوفينية، علاوة على مدارس الإسلام السياسي.

فاللعب بورقة العشائر، وتحميلها أبعاداً تتجاوز مكانتها في المعادلة الوطنية العامة؛ يعد عملاً خائباً ومكروراً، ومخالفاً للحقائق الموضوعية المتصلة بالدور الفعلي للعشائر، وبالتطلعات الوطنية التي ينهضون بها، وتعكس حقيقتهم إلى حد كبير.

فرغم أنه من أحد الزوايا، وفي أحد وجوه المسألة يجب الاعتراف بأن أطراف عديدة سياسية محلية ودولية، وكان على رأسهم دوائر استخبارات النظام السابق، ومعهم الإيرانيين، واليوم يتصدر الأتراك المهمة، قد عمدوا جميعاً، وعلى مدى سنوات الأزمة السورية؛ إلى الاستثمار والتوظيف غير الأخلاقي في النزعات الثورية والغيرية الوطنية التي يتخلقون بها.

نعم في إحدى زوايا المشهد نلاحظ تورط أطراف ممن يسمون أنفسهم عشائر البدو في مجازر الساحل والسويداء، وقبلها في عفرين ومنبج، وفي هجمات قطعان المرتزقة المتكررة على مواقع قوات سوريا الديمقراطية في قرى وبلدات شرق الفرات ودير الزور خلال السنوات الماضية، لكن ذلك لا يكفي للقول أن العشائر العربية تميل إلى صف حكومة دمشق الحالية أو السابقة، ولا إلى صف الفصائل الجهادية التي تمتهن الإرهاب اليوم، وتنفذ الأجندات التركية، بل إن المسألة تتعلق ببنية المجتمعات السورية التي أفرزت ظواهر لا وطنية عديدة، من أخطرها كان الإسلام السياسي، وحيث جثم الاستبداد الشمولي على صدرهم عقوداً طويلة. ففي ظل الاستبداد لا تنمو في الغالب غير المجتمعات المشوهة، التي تقتات على الأحقاد، عقلها في الماضي، ويسهل تحريضها واستثارة غرائزها.

وانطلاقاً من حقيقة أن البنية الاجتماعية السورية كانت مشوهة في ظل الاستبداد؛ فمن الطبيعي أن يتجه الاتهام في ولادة الظواهر المنحرفة واللاوطنية، لا إلى العشائر بذاتها، بل إلى المجتمع السوري المولود في مناخ التهميش السياسي لكل هذه الظواهر من التخلف والأمراض، وقد ارتبط دوماً الاستعداد للانحراف والتشويه بمستوى التهميش الاقتصادي والسياسي. وهنا يجب التنويه إلى ملاحظة هامة، أشار إليها الكثير من المتتبعين الدارسين للجذور الاجتماعية لمنتسبي التنظيمات الراديكالية الإسلامية؛ أنها تنمو دوماً في أحزمة الفقر المحيطة بالمدن الكبيرة، وبعيداً عن المراكز التي تعيش بحبوحة اقتصادية نسبية، وهذه هي القاعدة التي على ضوئها يمكن تفسير نمو الظاهرات الاحتجاجية، ومدى نضجها وهي تلقي الضوء أيضاً على حقيقة ثورات العشائر العربية، بحيث يمكن النظر إليها من منظورين، عشائر بدو، وعشائر مدن.

عشائر عربية تقطن في البوادي السورية؛ كانت في الغالب احتجاجاتها متأثرة بالشعارات الإسلاموية الطائفية والقوموية العربية الساذجة، وعشائر مدنية تتمتع بمعدلات أعلى في مستويات المعيشة والتحضر، ودرجة أرقى في الوعي والنضج، كان انخراط الأخيرة في مهام الثورة السورية أكثر نزوعاً نحو قيم الديمقراطية والمدنية والعلمنة.

وبمقتضيات هذا التبويب سوف ندرك بسهولة حجم الافتراء في القول إن مواقف العشائر العربية معادية لمشروع سوريا الديمقراطية؛ بل إن الواقع وسيرورة الأحداث تدحض ذلك، وتضع موقف العشائر في مكانه الواقعي والصحيح، شأن جميع شرائح ومكونات المجتمع السوري التواقة للعدل والديمقراطية إلى جانب قسد.

أجل أن العشائر وفق الوقائع الجارية، ووفق محطات الصراع تقف في صف المشروع الديمقراطي الوطني لسوريا واحدة تعددية لا مركزية، والذي تتبناه وتروج له قوى تحالف مسد، وأن مؤشرات ودلائل هذا الاصطفاف أكثر من أن تعد، ويقع في طليعتها:

أولاً، انخراط ممثلي قوى وحركات، وشخصيات بارزة عديدة من أوساط العشائر العربية في تحالف واسع مع مسد، يأتي على رأسها أسماء مثل الدكتور “محمود المسلط” ويشغل منصب الرئيس المشترك لمسد، وقبله الشيخ رياض درار، وعلي سعد، وحامد المهباش، والمحامي ماهر التمران، والاستاذ أمجد عثمان، وعديدون آخرون.  

ثانياً، مشاركة العشائر الجدية والكبيرة والأصيلة في تكوين قوات سوريا الديمقراطية، وبنسبة تفوق 60 بالمائة، علاوة على خوض المعارك الكبرى معها وضمن صفوفها ضد قوى الإرهاب والتطرف (داعش وغيرها)، وثمة أسماء قيادية كبرى في هذا المجال، وتتحدث لوسائل الإعلام بحماس ووعي كبيرين، أمثال القيادي أبو عمر الادلبي وسواه.

من النقاط الهامة التي تسترعي انتباه الدارس حول موقف العشائر الذي تزداد حركة استقطابه إلى صف مسد، هذه الحركة التي تتواتر تجلياتها يوماً بعد يوم، ولا تتوقف عند انضمام عشرات المقاتلين من أبناء العشائر يومياً إلى صفوف قسد، أو عند تصريحات وجهاء العشائر وزعمائها، والتي كان أحدثها كلام الشيخ الجدعان عن عشيرة البوشيخ البكارية، وشيخ مشايخ شمر مانع حميدي الجربا، وقبله شيوخ عشائر الرقة؛ والذين دعوا بحرارة إلى التماسك مع مشروع مسد، بل بالتركيز على أداء مسد الذي يكرس القيم الديمقراطية والتعددية والعدل والقانون، ويحافظ على منح الدور لجميع المكونات، وعلى قدم المساواة دون إقصاء أو تهميش، وما مؤتمر العشائر الشهير الذي عقد في نهاية العام 2019 ، والذي رأسته السيدة أمينة عمر، وحضره الآلاف يومها، ومؤتمر المكونات الأخير في الحسكة؛  إلا خير دليل على أن مسد تحمل في جعبتها العلاج لأمراض السنين، والأمل بغد جميل ووطن كريم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى